تفسير سورة القتال
[ وهي
مدنية ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الَّذِينَ
كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( 1 ) وَالَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ
الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ( 2 )
ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ
أَمْثَالَهُمْ ( 3 ) .
يقول
تعالى: ( الَّذِينَ كَفَرُوا )
أي:بآيات الله، ( وصدوا ) غيرهم
( عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) أي:أبطلها
وأذهبها، ولم يجعل لها جزاء ولا ثوابا، كقوله تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا
عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [
الفرقان:23 ] .
ثم قال:
( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )
أي:آمنت قلوبهم وسرائرهم، وانقادت جوارحهم وبواطنهم وظواهرهم، (
وَآمَنُوا بِمَا نـزلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ) ، عطف
خاص على عام، وهو دليل على أنه شرط في صحة الإيمان بعد بعثته صلوات الله وسلامه
عليه.
وقوله: (
وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ) جملة معترضة حسنة؛ ولهذا قال:
( كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ) قال
ابن عباس:أي أمرهم. وقال مجاهد:شأنهم. وقال قتادة وابن زيد:حالهم. والكل متقارب.
وقد جاء في حديث تشميت العاطس: « يهديكم الله ويصلح بالكم » .
ثم قال
تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ )
أي:إنما أبطلنا أعمال الكفار، وتجاوزنا عن سيئات الأبرار، وأصلحنا شؤونهم؛ لأن
الذين كفروا اتبعوا الباطل، أي:اختاروا الباطل على الحق، (
وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ
اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ )
أي:يبين لهم مآل أعمالهم، وما يصيرون إليه في معادهم.
فَإِذَا
لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ
فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ
الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ
وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ( 4 )
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ( 5 )
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ( 6 ) يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ
أَقْدَامَكُمْ ( 7 )
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ( 8 )
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( 9 ) .
يقول
تعالى مرشدا للمؤمنين إلى ما يعتمدونه في حروبهم مع المشركين: (
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ ) أي:إذا
واجهتموهم فاحصدوهم حصدا بالسيوف، (
حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا )
أي:أهلكتموهم قتلا ( فشدوا ) [
وثاق ] الأسارى الذين تأسرونهم، ثم أنتم بعد انقضاء الحرب وانفصال
المعركة مخيرون في أمرهم، إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجانا، وإن شئتم
فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشاطرونهم عليه. والظاهر أن هذه الآية نـزلت بعد
وقعة بدر، فإن الله، سبحانه، عاتب المؤمنين على الاستكثار من الأسارى يومئذ
ليأخذوا منهم الفداء، والتقلل من القتل يومئذ فقال: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ
يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا
وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ
اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [
الأنفال:67 ، 68 ] .
ثم قد
ادعى بعض العلماء أن هذه الآية - المخيرة بين مفاداة الأسير والمن عليه- منسوخة
بقوله تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ
وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ] الآية
[ التوبة:5 ] ، رواه
العوفي عن ابن عباس. وقاله قتادة، والضحاك، والسدي، وابن جُرَيْج.
وقال
الآخرون - وهم الأكثرون- :ليست بمنسوخة.
ثم قال
بعضهم:إنما الإمام مُخَيَّر بين المن على الأسير ومفاداته فقط، ولا يجوز له قتله.
وقال
آخرون منهم:بل له أن يقتله إن شاء، لحديث قتل النبي صلى الله عليه وسلم النضر بن
الحارث وعقبة بن أبي مُعَيط من أسارى بدر، وقال ثمامة بن أثال لرسول الله صلى الله
عليه وسلم حين قال له: « ما عندك يا ثمامة؟ » فقال:إن
تَقْتَلْ تَقْتُلْ ذا دَمٍ، وإن تمنن تمنن على شاكر، وإن كنت تريد المال فَسَلْ
تُعطَ منه ما شئت .
وزاد
الشافعي، رحمه الله، فقال:الإمام مخير بين قتله أو المن عليه، أو مفاداته أو
استرقاقه أيضا. وهذه المسألة مُحَرّرة في علم الفروع، وقد دللنا على ذلك في كتابنا
« الأحكام » ، ولله الحمد والمنة.
وقوله: (
حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) قال
مجاهد:حتى ينـزل عيسى ابن مريم [ عليه السلام ] .
وكأنه أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم: « لا
تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يقاتل آخرهم الدجال » .
وقال
الإمام أحمد:حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن إبراهيم بن سليمان،
عن الوليد بن عبد الرحمن الجُرَشي ، عن جُبَير بن نُفيَر؛ أن سلمة بن نُفيَل
أخبرهم:أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:إني سَيَّبْتُ الخيل، وألقيت
السلاح، ووضعت الحرب أوزارها، وقلت: « لا
قتال » فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: « الآن
جاء القتال، لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يُزيغ الله قلوب أقوام
فيقاتلونهم:ويرزقهم الله منهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك. ألا إن عُقْرَ دار
المؤمنين الشام، والخيلُ معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة » .
وهكذا رواه
النسائي من طريقين، عن جُبَيْر بن نُفَير، عن سلمة بن نُفَيْل السكوني، به .
وقال أبو
القاسم البغوي:حدثنا داود بن رُشَيْد، حدثنا الوليد بن مسلم، عن محمد بن مهاجر، عن
الوليد بن عبد الرحمن الجُرَشي، عن جبير بن نُفَير، عن النواس بن سمعان قال:لما
فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فَتْح فقالوا:يا رسول الله، سيبت الخيل،
ووضعت السلاح، ووضعت الحرب أوزارها، قالوا:لا قتال، قال: « كذبوا،
الآن، جاء القتال، لا يزال الله يُرَفِّع قلوب قوم يقاتلونهم، فيرزقهم منهم، حتى
يأتي أمر الله وهم على ذلك، وعُقْر دار المسلمين بالشام » .
وهكذا
رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي عن داود بن رُشَيْد، به . والمحفوظ أنه من رواية
سلمة بن نُفَيْل كما تقدم. وهذا يقوي القول بعدم النسخ، كأنه شرع هذا الحكم في
الحرب إلى ألا يبقى حرب.
وقال
قتادة: ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ) حتى لا
يبقى شرك. وهذا كقوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ
الدِّينُ لِلَّهِ [ البقرة:193 ] . ثم
قال بعضهم: ( حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا )
أي:أوزار المحاربين، وهم المشركون، بأن يتوبوا إلى الله عز وجل. وقيل:أوزار أهلها
بأن يبذلوا الوسع في طاعة الله، عز وجل.
وقوله: (
ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ ) أي:هذا
ولو شاء الله لانتقم من الكافرين بعقوبة ونَكَال من عنده، (
وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ) أي:ولكن
شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء ليختبركم، ويبلو أخباركم. كما ذكر حكمته في شرعية
الجهاد في سورتي « آل عمران » و « براءة
» في قوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ
وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ
[ آل عمران:142 ] .
وقال في
سورة براءة: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ
وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ
غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
[ التوبة:14 ، 15 ] .
ثم لما
كان من شأن القتال أن يُقتل كثيرٌ من المؤمنين، قال: (
وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ) أي:لن
يذهبها بل يكثرها وينميها ويضاعفها. ومنهم من يجري عليه عمله في طول بَرْزَخه، كما
ورد بذلك الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، حيث قال:
حدثنا
زيد بن يحيى الدمشقي، حدثنا ابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن كثير بن مُرّة ، عن
قيس الجذامي - رجل كانت له صحبة- قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يعطى
الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه:يُكَفر عنه كل خطيئة، ويرى مقعده من الجنة،
ويزوج من الحور العين، ويؤمن من الفزع الأكبر، ومن عذاب القبر، ويحلى حُلَّة
الإيمان » . تفرد به أحمد رحمه الله.
حديث
آخر:قال أحمد أيضا:حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن بَحِير ابن
سعيد، عن خالد بن مَعْدان، عن المقدام بن معد يكرب الكندي قال:قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: « إن للشهيد عند الله ست
خصال:أن يغفر له في أول دَفْعَة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حُلَّة
الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويَأمَن من الفزع الأكبر،
ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين
وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشَفَّع في سبعين إنسانا من أقاربه » .
وقد
أخرجه الترمذي وصححه ابن ماجه .
وفي صحيح
مسلم عن عبد الله بن عَمْرو، وعن أبي قتادة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
« يُغفر للشهيد كل شيء إلا الدَّيْن » . وروي
من حديث جماعة من الصحابة، وقال أبو الدرداء:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يشفع
الشهيد في سبعين من أهل بيته » . ورواه أبو داود . والأحاديث
في فضل الشهيد كثيرة جدا.
وقوله: (
سيهديهم ) أي:إلى الجنة، كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [
يونس:9 ] .
وقوله: (
وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ) أي:أمرهم وحالهم، (
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ) أي:عرفهم
بها وهداهم إليها.
قال
مجاهد:يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم، وحيث قسم الله لهم منها، لا يخطئون كأنهم
ساكنوها منذ خلقوا، لا يستدلون عليها أحدا. وروى مالك عن ابن زيد بن أسلم نحو هذا.
وقال
محمد بن كعب:يعرفون بيوتهم إذا دخلوا الجنة، كما تعرفون بيوتكم إذا انصرفتم من
الجمعة.
وقال
مقاتل بن حَيَّان:بلغنا أن الملك الذي كان وُكِّل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين
يديه في الجنة، ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منـزل هو له، فيعرّفه كل شيء أعطاه
الله في الجنة، فإذا انتهى إلى أقصى منـزله في الجنة دخل [ إلى
] منـزله وأزواجه، وانصرف الملك عنه ذكرهن ابن أبي حاتم، رحمه
الله.
وقد ورد
الحديث الصحيح بذلك أيضا، رواه البخاري من حديث قتادة، عن أبي المتوكل الناجي، عن
أبي سعيد الخدري [ رضي الله عنه ] ؛ أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إذا
خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار، يتقاصّون مظالم كانت بينهم
في الدنيا، حتى إذا هُذّبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، والذي نفسي بيده، إن
أحدهم بمنـزله في الجنة أهدى منه بمنـزله الذي كان في الدنيا » .
ثم قال
تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ
يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) ،
كقوله: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [
الحج:40 ] ، فإن الجزاء من جنس العمل؛ ولهذا قال: (
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) ، كما جاء في الحديث: « من بَلَّغ
ذا سلطان حاجة مَنْ لا يستطيع إبلاغها، ثبت الله قدمه على الصراط يوم القيامة » .
ثم قال
تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ ) ، عكس
تثبيت الأقدام للمؤمنين الناصرين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في
الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « تَعِس
عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القَطِيفة - [ وفي
رواية:تعس عبد الخميصة ] - تعس وانتكس، وإذا شِيكَ فلا
انتقش » ، أي:فلا شفاه الله.
وقوله: (
وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) أي:أحبطها وأبطلها؛ ولهذا
قال: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنـزلَ اللَّهُ ) أي:لا
يريدونه ولا يحبونه، ( فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )
أَفَلَمْ
يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ( 10 )
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا
مَوْلَى لَهُمْ ( 11 )
يقول تعالى: (
أَفَلَمْ يَسِيرُوا ) يعني:المشركين بالله المكذبين
لرسوله ( فِي الأرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) أي:عاقبهم
بتكذيبهم وكفرهم، أي:ونجى المؤمنين من بين أظهرهم؛ ولهذا قال: (
وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا )
ثم قال: (
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا
مَوْلَى لَهُمْ ) ، ولهذا لما قال أبو سفيان
صخرُ بن حرب رئيس المشركين يوم أحد حين سأل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي
بكر وعمر فلم يجب، وقال:أما هؤلاء فقد هلكوا، وأجابه عمر بن الخطاب فقال:كذبت يا
عدو الله، بل أبقى الله لك ما يسوؤك، وإن الذين عَدَدت لأحياء [
كلهم ] . فقال أبو سفيان:يوم بيوم بدر، والحرب سِجال، أما إنكم ستجدون
مُثْلَةً لم آمر بها ولم تسؤني، ثم ذهب يرتجز ويقول:اعل هُبَل، اعل هبل. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: « ألا تجيبوه؟ »
قالوا:يا رسول الله، وما نقول؟ قال: «
قولوا:الله أعلى وأجلّ » ثم قال أبو سفيان:لنا العزى،
ولا عُزّى لكم. فقال: « ألا تجيبوه؟ » قالوا:وما
نقول يا رسول الله؟ قال: « قولوا:الله مولانا ولا مولى
لكم » .
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا
يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى
لَهُمْ ( 12 ) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ
هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا
نَاصِرَ لَهُمْ ( 13 ) .
ثم قال [
تعالى ( إِنَّ
اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ )
أي:يوم القيامة (
وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ ) أي:في دنياهم، يتمتعون
بها ويأكلون منها كأكل الأنعام، خَضْما وقضما وليس لهم همة إلا في ذلك. ولهذا ثبت
في الصحيح: « المؤمن
يأكل في مِعًى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء » .
ثم قال: ( وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) أي:يوم جزائهم.
وقوله: (
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ
)
يعني:مكة، (
أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ ) ، وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل مكة، في تكذيبهم
لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سيد المرسلين وخاتم الأنبياء، فإذا كان الله،
عز وجل، قد أهلك الأمم الذين كذبوا الرسل قبله بسببهم، وقد كانوا أشد قوة من
هؤلاء، فماذا ظن هؤلاء أن يفعل الله بهم في الدنيا والأخرى؟ فإن رفع عن كثير منهم
العقوبة في الدنيا لبركة وجود الرسول نبي الرحمة، فإن العذاب يوفر على الكافرين به
في معادهم، يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ
وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ [ هود:20 ] .
وقوله: ( مِنْ
قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ )
أي:الذين أخرجوك من بين أظهرهم.
وقال ابن أبي حاتم:ذكر أبي، عن محمد بن عبد الأعلى، عن
المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حَنَش ، عن عكرمة، عن ابن عباس:أن النبي صلى الله
عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار أراه قال:التفت إلى مكة - وقال: « أنت أحب بلاد الله إلى الله،
وأنت أحبّ بلاد الله إليّ، ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك » . فأعدى الأعداء من عَدَا
على الله في حرمه، أو قتل غير قاتله، أو قتل بذُحُول الجاهلية، فأنـزل الله على
نبيه صلى الله عليه وسلم: (
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي
أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ )
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ
زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ( 14 ) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي
وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ
لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ
وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ
وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً
حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ( 15 ) .
يقول: (
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ) أي:على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه، بما أنـزل الله
في كتابه من الهدى والعلم، وبما جَبَله الله عليه من الفطرة المستقيمة، ( كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ
عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ) أي:ليس هذا، كهذا كقوله: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى [ الرعد:19 ] ،
وكقوله: لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ
الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [ الحشر:20 ] .
ثم قال: ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ) قال عكرمة: ( مَثَلُ الْجَنَّةِ ) أي:نعتها : ( فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ
غَيْرِ آسِنٍ )
قال ابن عباس، والحسن، وقتادة:يعني غير متغير. وقال قتادة، والضحاك، وعطاء
الخراساني:غير منتن. والعرب تقول:أَسِن الماء، إذا تَغَيَّر ريحه.
وفي حديث مرفوع أورده ابن أبي حاتم: ( غَيْرِ آسِنٍ ) يعني:الصافي الذي لا
كَدَر فيه.
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وَكِيع،
عن الأعمش، عن عبد الله بن مُرَّة ، عن مسروق قال:قال عبد الله:أنهار الجنة
تُفَجَّر من جبل من مسك.
( وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ
لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ )
أي:بل في غاية البياض والحلاوة والدسومة. وفي حديث مرفوع: « لم يخرج من ضُرُوع الماشية » .
( وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ
لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ )
أي:ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا، بل [ هي ] حسنة المنظر والطعم والرائحة
والفعل، لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ [ الصافات:47 ] ، لا
يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ [ الواقعة:19 ] ، بَيْضَاءَ لَذَّةٍ
لِلشَّارِبِينَ [ الصافات:46 ] ، وفي حديث مرفوع: « لم تعصرها الرجال بأقدامها » .
[ وقوله ] ( وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ) أي:وهو في غاية الصفاء،
وحسن اللون والطعم والريح، وفي حديث مرفوع: « لم يخرج من بطون النحل » .
وقال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا الجُريري،
عن حكيم بن معاوية، عن أبيه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « في الجنة بحر اللبن، وبحر
الماء، وبحر العسل، وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار منها بعد » .
ورواه الترمذي في « صفة الجنة » ، عن محمد بن بَشار، عن يزيد بن هارون، عن سعيد بن إياس
الجَريري، به وقال:حسن صحيح.
وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم،
حدثنا عبد الله بن محمد بن النعمان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الحارث بن عبيد
أبو قدامة الإيادي، حدثنا أبو عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن
أبيه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هذه الأنهار تَشخُبُ من جنة عدن في جَوْبَة، ثم تصدع بعد
أنهارا »
وفي الصحيح: « إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى
الجنة، ومنه تُفَجَّر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن » .
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني:حدثنا مصعب بن إبراهيم
بن حمزة الزبيري، وعبد الله بن الصفر السكري قالا حدثنا إبراهيم بن المنذر
الحزامي، حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة، حدثني عبد الرحمن بن عياش، عن دلهم بن
الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي، عن أبيه، عن عمه لقيط بن
عامر، قال دلهم:وحدثنيه أيضا أبو الأسود، عن عاصم بن لقيط أن لقيط بن عامر خرج
وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت:يا رسول الله، فعلام نطلع من الجنة؟
قال: « على
أنهار عسل مصفى، وأنهار من خمر ما بها صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغير
طعمه، وماء غير آسن، وفاكهة، لعمر إلهك ما تعلمون وخير من مثله، وأزواج مطهرة » قلت:يا رسول الله، أو لنا
فيها أزواج مصلحات؟ قال: «
الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم، غير ألا توالد » .
وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا:حدثنا يعقوب
بن عبيدة ، عن يزيد بن هارون، أخبرني الجريري، عن معاوية بن قرة، عن أبيه ، عن أنس
بن مالك قال:لعلكم تظنون أن أنهار الجنة تجري في أخدود في الأرض، والله إنها لتجري
سائحة على وجه الأرض، حافاتها قباب اللؤلؤ، وطينها المسك الأذْفَر .
وقد رواه أبو بكر ابن مَرْدُويه، من حديث مهدي بن حكيم،
عن يزيد بن هارون، به مرفوعا .
وقوله: (
وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ ) ، كقوله: يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ
[ الدخان:55 ] . وقوله: فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [ الرحمن:52 ] .
وقوله: (
وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ )
أي:مع ذلك كله.
وقوله: (
كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ ) أي:أهؤلاء الذين ذكرنا منـزلتهم من الجنة كمن هو خالد
في النار؟ ليس هؤلاء كهؤلاء، أي:ليس من هو في الدرجات كمن هو في الدركات، ( وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا ) أي:حارا شديد الحر، لا
يستطاع. (
فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ )
أي:قطع ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء، عياذا بالله من ذلك.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا
مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا
أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ
( 16 ) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا
زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ( 17 )
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ
أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ( 18 ) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا
إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ( 19 ) .
يقول
تعالى مخبرا عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلامه ولا يفهمون منه شيئا، فإذا خرجوا من عنده ( قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ ) من
الصحابة: (
مَاذَا قَالَ آنِفًا )
أي:الساعة، لا يعقلون ما يقال ، ولا يكترثون له.
قال
الله تعالى: (
أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ
)
أي:فلا فهم صحيح، ولا قصد صحيح.
ثم
قال: (
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى ) أي:والذين قصدوا الهداية وفقهم الله لها فهداهم إليها،
وثبتهم عليها وزادهم منها، ( وَآتَاهُمْ
تَقْوَاهُمْ )
أي:ألهمهم رشدهم.
وقوله:
(
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ) أي:وهم غافلون عنها، ( فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ) أي:أمارات اقترابها،
كقوله تعالى: هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الأُولَى * أَزِفَتِ الآزِفَةُ [
النجم:56 ، 57 ] ، وكقوله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [ القمر:1
] وقوله: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [ النحل:1 ] ، وقوله:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [ الأنبياء:1 ]
، فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة؛ لأنه خاتم الرسل الذي أكمل
الله به الدين، وأقام به الحجة على العالمين. وقد أخبر - صلوات الله وسلامه عليه-
بأمارات الساعة وأشراطها، وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله، كما هو مبسوط
في موضعه.
وقال
الحسن البصري:بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة. وهو كما قال؛ ولهذا
جاء في أسمائه عليه السلام، أنه نبي التوبة، ونبي الملحمة، والحاشر الذي يُحشَر
الناس على قدميه، والعاقب الذي ليس بعده نبي.
وقال
البخاري:حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا أبو حازم، حدثنا سهل
بن سعد قال:رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا، بالوسطى والتي
تليها: « بعثت
أنا والساعة كهاتين » .
ثم
قال تعالى: (
فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) أي:فكيف للكافرين بالتذكر إذا جاءتهم القيامة، حيث لا
ينفعهم ذلك ، كقوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ
الذِّكْرَى [ الفجر:23 ] ،
وَقَالُوا
آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [ سبأ:52 ] .
وقوله:
(
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ) هذا إخبار:بأنه لا إله إلا الله، ولا يتأتى كونه آمرا
بعلم ذلك؛ ولهذا عطف عليه بقوله: ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ )
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: « اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي،
وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي هَزْلي وجدّي، وخَطَئي
وعَمْدي، وكل ذلك عندي » .
وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة: « اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما
أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي لا إله إلا أنت » وفي الصحيح أنه قال: « يا أيها الناس، توبوا إلى
ربكم، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة »
وقال
الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال:سمعت عبد الله بن
سرجس قال:أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلت معه من طعامه، فقلت:غفر الله لك
يا رسول الله فقلت:استغفر لك ؟ فقال: « نعم، ولكم » ، وقرأ: ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ ) ،
ثم نظرت إلى نُغْض كتفه الأيمن - أو:كتفه الأيسر شعبة الذي شك- فإذا هو كهيئة
الجمع عليه الثآليل.
رواه
مسلم، والترمذي، والنسائي ، وابن جرير، وابن أبي حاتم، من طرق، عن عاصم الأحول، به
.
وفي
الحديث الآخر الذي رواه أبو يعلى:حدثنا مُحَرَّز بن عون ، حدثنا عثمان بن مطر،
حدثنا عبد الغفور، عن أبي نَصِيرَة، عن أبي رجاء، عن أبي بكر الصديق، رضي الله
عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار، فأكثروا منهما، فإن
إبليس قال:أهلكت الناس بالذنوب، وأهلكوني بـ » لا إله إلا الله « ، والاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء، فهم يحسبون
أنهم مهتدون » .
وفي
الأثر المروي: « قال
إبليس:وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الله عز
وجل:وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني »
والأحاديث
في فضل الاستغفار كثيرة جدا.
وقوله:
(
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) أي:يعلم تصرفكم في نهاركم
ومستقركم في ليلكم، كقوله: وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ
مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ [ الأنعام:60 ] ، وكقوله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي
الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا
وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [ هود:6 ] . وهذا القول ذهب إليه ابن
جريج، وهو اختيار ابن جرير. وعن ابن عباس:متقلبكم في الدنيا، ومثواكم في الآخرة.
وقال
السدي:متقلبكم في الدنيا، ومثواكم في قبوركم.
والأول
أولى وأظهر، والله أعلم.
وَيَقُولُ
الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ
مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى
لَهُمْ ( 20 )
طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ
لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ( 21 )
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ ( 22 )
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ( 23 ) .
يقول
تعالى مخبرا عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد، فلما فرضه الله، عز وجل ، وأمر
به نكل عنه كثير من الناس، كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ
كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ
عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ
اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا
الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا
قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا [
النساء:77 ] .
وقال ها
هنا: ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ )
أي:مشتملة على حُكْم القتال؛ ولهذا قال: (
فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ
عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ) أي:من فزعهم ورعبهم وجبنهم من
لقاء الأعداء. ثم قال مشجعا لهم: (
فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ )
أي:وكان الأولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا، أي:في الحالة الراهنة، (
فَإِذَا عَزَمَ الأمْرُ ) أي:جد الحال، وحضر القتال، (
فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ ) أي:أخلصوا له النية، (
لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ )
وقوله: (
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ) أي:عن
الجهاد ونكلتم عنه، ( أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ
وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) أي:تعودوا إلى ما كنتم فيه من
الجاهلية الجهلاء، تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام؛ ولهذا قال: (
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) وهذا
نهي عن الإفساد في الأرض عموما، وعن قطع الأرحام خصوصا، بل قد أمر [
الله ] تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى
الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال. وقد وردت الأحاديث الصحاح والحسان بذلك
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من طرق عديدة، ووجوه كثيرة.
قال
البخاري:حدثنا خالد بن مَخْلَد، حدثنا سليمان، حدثني معاوية بن أبي مُزَرّد، عن
سعيد بن يسار ، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « خلق
الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن عز وجل، فقال:مه!
فقالت:هذا مقام العائذ بك من القطيعة. فقال:ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من
قطعك؟ قالت:بلى. قال:فذاك . قال أبو هريرة:اقرؤوا إن شئتم: (
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا
أَرْحَامَكُمْ ) . »
ثم رواه
البخاري من طريقين آخرين، عن معاوية بن أبي مزرد، به. قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: « اقرؤوا إن شئتم: (
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ
) ورواه مسلم من حديث معاوية بن أبي مزرد، به . »
وقال
الإمام أحمد:حدثنا إسماعيل أخبرنا عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن، عن أبيه، عن أبي
بكرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما من
ذنب أحرى أن يعجل الله عقوبته في الدنيا، مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة، من البغي
وقطيعة الرحم » .
رواه أبو
داود والترمذي وابن ماجه، من حديث إسماعيل - هو ابن عُلَية- به . وقال الترمذي:هذا
حديث صحيح.
وقال
الإمام أحمد:حدثنا محمد بن بكر، حدثنا ميمون أبو محمد المرئي، حدثنا محمد بن عباد
المخزومي، عن ثوبان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من سره
النِّساء في الأجل، والزيادة في الرزق، فليصل رحمه » . تفرد
به أحمد، وله شاهد في الصحيح.
وقال
أحمد أيضا:حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه،
عن جده قال:جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:يا رسول الله إن لي ذوي
أرحام، أصل ويقطعون، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟ قال: « لا إذن
تتركون جميعا، ولكن جُدْ بالفضل وصلهم؛ فإنه لن يزال معك ظهير من الله، عز وجل، ما
كنت على ذلك » .
تفرد به
من هذا الوجه، وله شاهد من وجه آخر.
وقال
الإمام أحمد:حدثنا يَعْلَى، حدثنا فِطْر، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال:قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الرحم معلقة بالعرش، وليس
الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها » ، رواه
البخاري .
وقال
أحمد:حدثنا بهز، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا قتادة، عن أبي ثمامة الثقفي، عن عبد
الله بن عمرو قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « توضع
الرحم يوم القيامة لها حُجْنَة كحجنة المغزل، تتكلم بلسان طُلَق ذُلَق، فتصل من
وصلها وتقطع من قطعها » .
وقال
الإمام أحمد:حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، عن أبي قابوس، عن عبد الله بن عمرو - يبلغ
به النبي صلى الله عليه وسلم- قال: «
الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء، والرحم شُجْنَة من
الرحمن، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته » .
وقد رواه
أبو داود والترمذي، من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، به . وهذا هو الذي
يروي بتسلسل الأولية ، وقال الترمذي:حسن صحيح.
وقال
الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا هشام الدَّسْتَوائي، عن يحيى بن أبي كثير،
عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ؛ أن أباه حدثه:أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو
مريض، فقال له عبد الرحمن:وصلتك رَحمٌ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « قال
الله عز وجل:أنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن يصلها أصله، ومن
يقطعها أقطعه فأبته - أو قال:من يبتها أبته » .
تفرد به
من هذا الوجه . ورواه أحمد أيضا من حديث الزهري، عن أبي سلمة، عن الرداد- أو أبي
الردّاد- عن عبد الرحمن بن عوف، به . ورواه أبو داود والترمذي، من رواية أبي سلمة،
عن أبيه . والأحاديث في هذا كثيرة.
وقال
الطبراني:حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا محمد بن عمار الموصلي، حدثنا عيسى بن يونس،
عن محمد بن عبد الله بن علاثة ، عن الحجاج بن الفُرَافِصَة، عن أبي عمر البصري، عن
سلمان قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
الأرواح جنود مجندة، فما تَعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف » .
وبه قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا ظهر القول، وخزن العمل،
وائتلفت الألسنة، وتباغضت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه، فعند ذلك لعنهم الله
فأصمهم وأعمى أبصارهم » .
أَفَلا
يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ( 24 ) إِنَّ
الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ
الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ( 25 )
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ
سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ( 26 )
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَارَهُمْ ( 27 )
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ( 28 ) .
يقول
تعالى آمرًا بتدبر القرآن وتفهمه، وناهيا عن الإعراض عنه، فقال: (
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) أي:بل
على قلوب أقفالها، فهي مُطْبَقَة لا يخلص إليها شيء من معانيه.
قال ابن
جرير:حدثنا بشر، قال:حدثنا يزيد قال:حدثنا سعيد قال:حدثنا حماد بن زيد، حدثنا هشام
بن عروة، عن أبيه قال:تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: (
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) ، فقال
شاب من أهل اليمن:بل عليها أقفالها حتى يكون الله عز وجل يفتحها أو يفرجها. فما
زال الشاب في نفس عمر، رضي الله عنه، حتى ولي، فاستعان به .
ثم قال
تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ )
أي:فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر، ( مِنْ
بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ ) أي:زين
لهم ذلك وحسنه، ( وَأَمْلَى لَهُمْ )
أي:غرهم وخدعهم، ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نـزلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمْرِ )
أي:مالئوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل، وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما
يبطنون؛ ولهذا قال الله عز وجل: (
وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ) أي: [
يعلم ] ما يسرون وما يخفون، الله مطلع عليه وعالم به، كقوله:
وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ [
النساء:81 ] .
ثم قال:
( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ
وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ) أي:كيف حالهم إذا جاءتهم
الملائكة لقبض أرواحهم وتعصت الأرواح في أجسادهم، واستخرجتها الملائكة بالعنف
والقهر والضرب، كما قال: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا
الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ الآية [
الأنفال:50 ] ، وقال: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ
الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أي:بالضرب أَخْرِجُوا
أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ
عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [
الأنعام:93 ] ؛ ولهذا قال ها هنا: (
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )
أَمْ
حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ
أَضْغَانَهُمْ ( 29 )
يقول تعالى: ( أَمْ
حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ
أَضْغَانَهُمْ ) أي:اعتقد المنافقون أن الله
لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين؟ بل سيوضح أمرهم ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر،
وقد أنـزل تعالى في ذلك سورة « براءة » ، فبين
فيها فضائحهم وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم؛ ولهذا إنما كانت تسمى الفاضحة.
والأضغان:جمع ضغن، وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين
بنصره.
وَلَوْ
نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي
لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ( 30 )
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ
وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ( 31 ) .
وقوله: (
وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ) يقول
تعالى:ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم، فعرفتهم عيانا، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في
جميع المنافقين سترا منه على خلقه، وحملا للأمور على ظاهر السلامة، ورد السرائر
إلى عالمها، ( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ )
أي:فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني
كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان، رضي
الله عنه:ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه. وفي
الحديث: « ما أسر أحد سريرة إلا كساه الله جلبابها، إن خيرا فخير، وإن
شرًّا فشر » . وقد ذكرنا ما يستدل به على نفاق الرجل، وتكلمنا على نفاق
العمل والاعتقاد في أول « شرح البخاري » ، بما
أغنى عن إعادته ها هنا. وقد ورد في الحديث تعيين جماعة من المنافقين. قال الإمام
أحمد:
حدثنا
وكيع، حدثنا سفيان، عن سلمة، عن عياض بن عياض، عن أبيه، عن أبي مسعود عقبة بن
عمرو، رضي الله عنه، قال:خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة فحمد الله وأثنى
عليه ثم قال: « إن منكم منافقين، فمن سميت فليقم » . ثم
قال: « قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان » . حتى
سمى ستة وثلاثين رجلا ثم قال: « إن فيكم - أو:منكم - فاتقوا
الله » . قال:فمر عمر برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه، فقال:ما لك؟
فحدثه بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:بعدًا لك سائر اليوم .
وقوله: (
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ) أي:ولنختبرنكم بالأوامر
والنواهي، ( حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ
وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) . وليس في تقدم علم الله
تعالى بما هو كائن أنه سيكون شك ولا ريب، فالمراد:حتى نعلم وقوعه؛ ولهذا يقول ابن
عباس في مثل هذا:إلا لنعلم، أي:لنرى.
إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ
بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا
وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ( 32 ) يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا
تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ( 33 )
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ
كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ( 34 ) فَلا
تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ
وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ( 35 ) .
يخبر
تعالى عمن كفر وصد عن سبيل الله، وخالف الرسول وشاقه، وارتد عن الإيمان من بعد ما
تبين له الهدى:أنه لن يضر الله شيئًا، وإنما يضر نفسه ويخسرها يوم معادها، وسيحبط
الله عمله فلا يثيبه على سالف ما تقدم من عمله الذي عقبه بردته مثقال بعوضة من
خير، بل يحبطه ويمحقه بالكلية، كما أن الحسنات يذهبن السيئات.
وقد قال
الإمام محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة:حدثنا أبو قدامة، حدثنا وكيع، حدثنا
أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم يظنون أنه لا يضر مع « لا إله
إلا الله » ذنب، كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنـزلت: (
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) فخافوا
أن يبطل الذنب العمل.
ثم روي
من طريق عبد الله بن المبارك:أخبرني بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن نافع، عن
ابن عمر قال:كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من
الحسنات إلا مقبول، حتى نـزلت: ( أَطِيعُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) ،
فقلنا:ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا:الكبائر الموجبات والفواحش، حتى
نـزلت:إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ [ النساء:48 ] ، فلما
نـزلت كففنا عن القول في ذلك، فكنا نخاف على من أصاب الكبائر والفواحش، ونرجو لمن
لم يصيبها .
ثم أمر
تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله التي هي سعادتهم في الدنيا والآخرة،
ونهاهم عن الارتداد الذي هو مبطل للأعمال؛ ولهذا قال: ( وَلا
تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) أي:بالردة؛ ولهذا قال بعدها:
( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ) ،
كقوله إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَنْ يَشَاءُ الآية.
ثم قال
لعباده المؤمنين: ( فَلا تَهِنُوا ) أي:لا
تضعفوا عن الأعداء، ( وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ )
أي:المهادنة والمسالمة، ووضع القتال بينكم وبين الكفار في حال قوتكم وكثرة
عَدَدِكم وعُدَدِكُمْ؛ ولهذا قال: ( فَلا
تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ ) أي:في
حال علوكم على عدوكم، فأما إذا كان الكفار فيهم قوة وكثرة بالنسبة إلى جميع
المسلمين، ورأى الإمام في المعاهدة والمهادنة مصلحة، فله أن يفعل ذلك، كما فعل
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صده كفار قريش عن مكة، ودعوه إلى الصلح ووضع
الحرب بينهم وبينه عشر سنين، فأجابهم إلى ذلك.
وقوله: (
وَاللَّهُ مَعَكُمْ ) فيه بشارة عظيمة بالنصر
والظفر على الأعداء، ( وَلَنْ يَتِرَكُمْ
أَعْمَالَكُمْ ) أي:ولن يحبطها ويبطلها
ويسلبكم إياها، بل يوفيكم ثوابها ولا ينقصكم منها شيئا.
إِنَّمَا
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ
أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ( 36 ) إِنْ
يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ( 37 ) هَا
أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ
يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ
وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ
ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ( 38 ) .
يقول تعالى تحقيرًا لأمر الدنيا
وتهوينا لشأنها: ( إِنَّمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) أي:حاصلها ذلك إلا ما كان
منها لله عز وجل؛ ولهذا قال: ( وَإِنْ تُؤْمِنُوا
وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ) أي:هو
غني عنكم لا يطلب منكم شيئا، وإنما فرض عليكم الصدقات من الأموال مواساة لإخوانكم
الفقراء، ليعود نفع ذلك عليكم، ويرجع ثوابه إليكم.
ثم قال: ( إِنْ
يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا )
أي:يحرجكم تبخلوا: ( وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ )
قال قتادة: « قد علم
الله أن في إخراج الأموال إخراج الأضغان » . وصدق
قتادة فإن المال محبوب، ولا يصرف إلا فيما هو أحب إلى الشخص منه.
وقوله: (
هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ
مَنْ يَبْخَلُ ) أي:لا يجيب إلى ذلك (
وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ )
أي:إنما نقص نفسه من الأجر، وإنما يعود وبال ذلك عليه، (
وَاللَّهُ الْغَنِيُّ ) أي:عن كل ما سواه، وكل شيء
فقير إليه دائما؛ ولهذا قال: ( وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ )
أي:بالذات إليه. فوصفه بالغنى وصف لازم له، ووصف الخلق بالفقر وصف لازم لهم، [ أي ] لا
ينفكون عنه.
وقوله: (
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا ) أي:عن طاعته واتباع شرعه (
يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )
أي:ولكن يكونون سامعين مطيعين له ولأوامره.
وقال ابن أبي حاتم، وابن
جرير:حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهب، أخبرني مسلم بن خالد، عن العلاء بن
عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة [ رضي
الله عنه ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: (
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا
أَمْثَالَكُمْ ) ، قالوا:يا رسول الله من
هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال:فضرب بيده على كتف
سلمان الفارسي ثم قال: « هذا وقومه، ولو كان الدين عند
الثريا لتناوله رجال من الفرس » تفرد به مسلم بن خالد الزنجي،
ورواه عنه غير واحد، وقد تكلم فيه بعض الأئمة، والله أعلم.
آخر تفسير سورة القتال