تفسير سورة الواقعة
بسم الله الرحمن الرحيم
القول
في تأويل قوله تعالى : إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ
( 1 ) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ( 2 ) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ( 3 ) إِذَا
رُجَّتِ الأَرْضُ رَجًّا ( 4 ) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ( 5 ) فَكَانَتْ
هَبَاءً مُنْبَثًّا ( 6 )
يعني
تعالى ذكره بقوله: ( إِذَا
وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) : إذا
نـزلت صيحة القيامة، وذلك حين يُنفخ في الصور لقيام الساعة.
كما
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في
قوله: ( إِذَا
وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) يعني:
الصيحة.
حدثنا
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ
)
الواقعة والطامة والصاخة، ونحو هذا من أسماء القيامة، عظَّمه الله، وحذره عباده.
وقوله: ( لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا
كَاذِبَةٌ ) يقول
تعالى: ليس لوقعة الواقعة تكذيب ولا مردودية ولا مثنوية، والكاذبة في هذا الموضع
مصدر، مثل العاقبة والعافية.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ ) : أي ليس لها مثنوية، ولا
رجعة، ولا ارتداد.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر; عن قتادة، في قوله: ( لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا
كَاذِبَةٌ ) قال:
مثنوية.
وقوله: ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) يقول تعالى ذكره: الواقعة
حينئذ خافضة، أقواما كانوا في الدنيا، أعزّاء إلى نار الله.
وقوله: ( رَافِعَةٌ ) يقول: رفعت أقواما كانوا في الدنيا
وُضعَاء إلى رحمة الله وجنته. وقيل: خفضت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى.
* ذكر من
قال في ذلك ما قلنا:
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العَتَكِيّ، عن عثمان
بن عبد الله بن سُراقة (
خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) قال:
الساعة خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياء الله إلى الجنة.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) يقول: تخللت كلّ سهل وجبل،
حتى أسمعت القريب والبعيد، ثم رفعت أقواما في كرامة الله، وخفضت أقواما في عذاب
الله.
حدثنا ابن
عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) وقال: أسمعت القريب والبعيد،
خافضة أقواما إلى عذاب الله، ورافعة أقواما إلى كرامة الله.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قوله: ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) قال: خفضت وأسمعت الأدنى،
ورفعت فأسمعت الأقصى؛ قال: فكان القريب والبعيد من الله سواء.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) قال: سمَّعت القريب والبعيد.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ ) خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت
فأسمعت الأقصى، فكان فيها القريب والبعيد سواء.
وقوله: ( إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ
رَجًّا ) يقول تعالى
ذكره: إذا زلزلت الأرض فحرّكت تحريكا من قولهم السهم يرتجّ في الغرض، بمعنى: يهتزّ
ويضطرب.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا
) يقول:
زلزلها.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قول الله ( إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ
رَجًّا ) قال:
زلزلت.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ
رَجًّا ) يقول:
زلزلت زلزلة.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( إِذَا رُجَّتِ الأرْضُ
رَجًّا ) قال:
زلزلت زلزالا.
وقوله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا
) يقول
تعالى ذكره: فتتت الجبال فتا، فصارت كالدقيق المبسوس، وهو المبلول، كما قال جلّ
ثناؤه: وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلا والبسيسة عند العرب: الدقيق والسويق
تلتّ وتتخذ زادا.
وذُكر عن
لصّ من غطفان أنه أراد أن يخبز، فخاف أن يعجل عن الخبز قبل الدقيق وأكله عجينا،
وقال:
لا
تَخْــبِزَا خَــبْزًا وبُسَّــا بَسَّــا مَلْســـا بِــذَوْدِ الحَلَسِــيّ
مَلْســا
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا
) يقول:
فتتت فتا.
حدثني
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا
) قال:
فتتت.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا
) قال:
كما يبس السويق.
حدثني أحمد
بن عمرو البصري، قال: ثنا حفص بن عمر العدني، عن الحكم بن أبان، عن عكرِمة ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا
) قال:
فُتَّتْ فتا.
حدثني
إسماعيل بن موسى ابن بنت السديّ، قال: أخبرنا بشر بن الحكم الأحمسيّ، عن سعيد بن
الصلت، عن إسماعيل السديّ وأبي صالح ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) قال: فُتِّتت فتا.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا
) قال:
كما يبس السويق.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا
) قال:
صارت كثيبا مهيلا كما قال الله.
حدثنا
ابن حُميَد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا
) قال:
فُتتت فتا.
وقوله: ( فَكَانَتْ هَبَاءً
مُنْبَثًّا ) اختلف أهل
التأويل في معنى الهباء، فقال بعضهم: هو شعاع الشمس، الذي يدخل من الكوة كهيئة
الغبار.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( فَكَانَتْ هَبَاءً
مُنْبَثًّا ) يقول:
شعاع الشمس.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد ( هَبَاءً مُنْبَثًّا ) قال: شعاع الشمس حين يدخل من
الكوّة.
قال: ثنا
جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ) قال: شعاع الشمس يدخل من
الكوّة، وليس بشيء.
وقال
آخرون: هو رهج الدوابّ.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليّ رضي الله
عنه قال: رهج الدوابّ.
وقال
آخرون: هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: (
فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ) قال:
الهباء: الذي يطير من النار إذا اضطرمت، يطير منه الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئا.
وقال
آخرون: هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ( فَكَانَتْ هَبَاءً
مُنْبَثًّا ) كيبيس
الشجر، تذروه الرياح يمينا وشمالا.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( هَبَاءً مُنْبَثًّا ) يقول: الهباء: ما تذروه الريح
من حطام الشجر.
وقد
بيَّنا معنى الهباء في غير هذا الموضع بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأما
قوله: (
مُنْبَثًّا ) فإنه
يعني متفرّقا.
القول
في تأويل قوله تعالى : وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا
ثَلاثَةً ( 7 ) فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ( 8 )
وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ( 9 ) وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ ( 10 ) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ( 11 ) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (
12 )
يقول
تعالى ذكره: وكنتم أيها الناس أنواعا ثلاثة وضروبا.
كما
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا
ثَلاثَةً ) قال:
منازل الناس يوم القيامة.
وقوله: ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ
مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) ، وهذا
بيان من الله عن الأزواج الثلاثة، يقول، جلّ ثناؤه: وكنتم أزواجًا ثلاثة: أصحاب
الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون، فجعل الخبر عنهم، مغنيا عن البيان عنهم، على
الوجه الذي ذكرنا، لدلالة الكلام على معناه، فقال: ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ
مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) يعجِّب
نبيه محمدا منهم، وقال: ( مَا
أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) الذين
يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، أيّ شيء أصحاب اليمين، ( وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ
مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) يقول
تعالى ذكره: وأصحاب الشمال الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، والعرب تسمي اليد
اليسرى: الشؤمي؛ ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
فـأنْحَى
عـلى شُّـؤْمَي يَدَيـه فَذادَهـا بأظْمــأَ مِـنْ فَـرْع الذُّوَابَـةِ أسْـحَما
وقوله: ( وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ ) وهم
الزوج الثالث وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله، وهم المهاجرون الأوّلون.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن عثمان بن
عبد الله بن سُراقة، قوله: (
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ) قال:
اثنان في الجنة وواحد في النار، يقول: الحور العين للسابقين، والعُرُب الأتراب
لأصحاب اليمين.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا
ثَلاثَةً ) قال:
منازل الناس يوم القيامة.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا
ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ
مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ
الْمُقَرَّبُونَ ) . . .
إلى ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ فقال رسول الله صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم سوى بين أصحاب اليمين من الأمم السابقة، وبين أصحاب اليمين
من هذه الأمة، وكان السابقون من الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة « . »
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ
مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) : أي
ماذا لهم، وماذا أعد لهم (
وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) : أي ماذا لهم وماذا أعد لهم
(
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) : أي
من كل أمة.
حدثنا
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: وجدت الهوى ثلاثة أثلاث،
فالمرء يجعل هواه علمه، فيديل هواه على علمه، ويقهر هواه علمه، حتى إن العلم مع
الهوى قبيح ذليل، والعلم ذليل، الهوى غالب قاهر، فالذي قد جعل الهوى والعلم في
قلبه، فهذا من أزواج النار، وإذا كان ممن يريد الله به خيرا استفاق واستنبه، فإذا
هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى، فإذا حسنت حال المؤمن،
واستقامت طريقه كان الهوى ذليلا وكان العلم غالبا قاهرا، فإذا كان ممن يريد الله
به خيرا، ختم عمله بإدالة العلم، فتوفاه حين توفاه، وعلمه هو القاهر، وهو العامل
به، وهواه الذليل القبيح، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل. والثالث: الذي قبح الله
هواه بعلمه، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب، فهذا
الثالث، وهو خيرهم كلهم، وهو الذي قال الله عزّ وجلّ في سورة الواقعة: ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا
ثَلاثَةً ) قال:
فزوجان في الجنة، وزوج في النار، قال: والسابق الذي يكون العلم غالبا للهوى،
والآخر: الذي ختم الله بإدالة العلم على الهوى، فهذان زوجان في الجنة، والآخر:
هواه قاهر لعلمه، فهذا زوج النار.
واختلف
أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، فقال بعض نحويي البصرة: خبر
قوله: (
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ
الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) قال: ويقول زيد: ما زيد، يريد: زيد شديد. وقال غيره: قوله:
( مَا
أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) لا
تكون الجملة خبره، ولكن الثاني عائد على الأوّل، وهو تعجب، فكأنه قال: أصحاب
الميمنة ما هم، والقارعة ما هي، والحاقة ما هي؟ فكان الثاني عائد على الأوّل، وكان
تعجبا، والتعجب بمعنى الخبر، ولو كان استفهاما لم يجز أن يكون خبرا للابتداء، لأن
الاستفهام لا يكون خبرا، والخبر لا يكون استفهاما، والتعجب يكون خبرا، فكان خبرا
للابتداء. وقوله: زيد وما زيد، لا يكون إلا من كلامين، لأنه لا تدخل الواو في خبر
الابتداء، كأنه قال: هذا زيد وما هو: أي ما أشدّه وما أعلمه.
واختلف
أهل التأويل في المعنيين بقوله: (
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) فقال
بعضهم: هم الذين صلوا للقبلتين.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خارجة، عن قرة، عن ابن سيرين ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ
) الذين
صلوا للقبلتين.
وقال
آخرون في ذلك بما حدثني عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال:
ثنا أبو عمرو، قال: ثنا عثمان بن أبي سودة، قال ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) أوّلهم رواحا إلى المساجد،
وأسرعهم خفوقا في سبيل الله.
والرفع في
السابقين من وجهين: أحدهما: أن يكون الأوّل مرفوعا بالثاني، ويكون معنى الكلام
حينئذ والسابقون الأوّلون، كما يقال: السابق الأوّل، والثاني أن يكون مرفوعا
بأولئك المقرّبون يقول جلّ ثناؤه: أولئك الذين يقرّبهم الله منه يوم القيامة إذا
أدخلهم الجنة.
وقوله: ( وَالسَّابِقُونَ
السَّابِقُونَ ) وهم
الزوج الثالث وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله، وهم المهاجرون الأولون.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من
قال ذلك:
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن عثمان بن عبد
الله بن سراقة، قوله: (
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً ) قال:
اثنان في الجنة وواحد في النار، يقول: الحور العين للسابقين، والعرب الأتراب
لأصحاب اليمين.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا
ثَلاثَةً ) قال:
منازل الناس يوم القيامة.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا
ثَلاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ
الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *
أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) . . .
إلى (
ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ) فقال رسول الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم: « سَوَّى
بَين أصَحاب اليمَين مِنَ الأمَمَ السَّابِقَةِ، وَبَيَنَ أصحَابِ اليَمِين مِنْ
هَذِهِ الأمَّةِ، وكانَ السَّابِقُونَ مِنَ الأمَمِ أكْثَرَ مِنْ سابِقي هَذِهِ
الأمَّةِ » .
حدثنا
بشر قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ
مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) : أي
ماذا لهم، وماذا أعدّ لهم (
وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) : أي ماذا لهم وماذا أعدّ لهم
(
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) : أي
من كلّ أمة.
حدثنا
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: وجدت الهوى ثلاثة أثلاث،
فالمرء يجعل هواه علمه، فيديل هواه على علمه، ويقهر هواه علمه، حتى إن العلم مع
الهوى قبيح ذليل، والعلم ذليل، الهوى غالب قاهر، فالذي قد جعل الهوى والعلم في
قلبه، فهذا من أزواج النار، وإذا كان ممن يريد الله به خيرا استفاق واستنبه، فإذا
هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى، فإذا حسُنت حال المؤمن،
واستقامت طريقته كان الهوى ذليلا وكان العلم غالبا قاهرا، فإذا كان ممن يريد الله
به خيرا، ختم عمله بإدالة العلم، فتوفاه حين توفاه، وعلمه هو القاهر، وهو العامل
به، وهواه الذليل القبيح، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل. والثالث: الذي قبح الله
هواه بعلمه، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب، فهذا
الثالث، وهو خيرهم كلهم، وهو الذي قال الله عزّ وجلّ في سورة الواقعة ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا
ثَلاثَةً ) قال:
فزوجان في الجنة، وزوج في النار، قال: والسابق الذي يكون العلم غالبا للهوى،
والآخر: الذي ختم الله بإدالة العلم على الهوى، فهذان زوجان في الجنة، والآخر:
هواه قاهر لعلمه، فهذا زوج النار.
واختلف
أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، فقال بعض نحويي البصرة: خبر
قوله: (
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ
الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) قال: ويقول زيد: ما زيد، يريد: زيد شديد. وقال غيره: قوله:
( مَا
أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) لا
تكون الجملة خبره، ولكن الثاني عائد على الأول، وهو تعجب، فكأنه قال: أصحاب
الميمنة ما هم، والقارعة ما هي؟ والحاقة ما هي؟ فكان الثاني عائد على الأوّل، وكان
تعجبا، والتعجب بمعنى الخبر، ولو كان استفهاما لم يجز أن يكون خبرا للابتداء، لأن
الاستفهام لا يكون خبرا، والخبر لا يكون استفهاما، والتعجب يكون خبرا، فكان خبرا
للابتداء. وقوله: زيد وما زيد، لا يكون إلا من كلامين، لأنه لا تدخل الواو في خبر
الابتداء، كأنه قال: هذا زيد وما هو: أي ما أشدّه وما أعلمه.
واختلف
أهل التأويل في المعنيين بقوله: (
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) فقال
بعضهم: هم الذين صلوا للقبلتين.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خارجة، عن قرة، عن ابن سيرين ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ
) الذين
صلوا للقبلتين.
وقال
آخرون في ذلك بما حدثني عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال:
ثنا أبو عمرو، قال: ثنا عثمان بن أبي سودة، قال ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ) أوّلهم رواحا إلى المساجد،
وأسرعهم خفوقا في سبيل الله.
والرفع
في السابقين من وجهين: أحدهما: أن يكون الأوّل مرفوعا بالثاني، ويكون معنى الكلام
حينئذ والسابقون الأوّلون، كما يقال: السابق الأوّل، والثاني أن يكون مرفوعا
بأولئك المقرّبون يقول جلّ ثناؤه: أولئك الذين يقرّبهم الله منه يوم القيامة إذا
أدخلهم الجنة.
وقوله: ( فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) يقول: في بساتين النعيم
الدائم.
القول
في تأويل قوله تعالى : ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ (
13 ) وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ ( 14 ) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ( 15 )
مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ ( 16 )
يقول
تعالى ذكره: جماعة من الأمم الماضية، وقليل من أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم ، وهم الآخرون وقيل لهم الآخرون: لأنهم آخر الأمم ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) يقول: فوق سُرر منسوجة، قد
أدخل بعضها في بعض، كما يوضن حلق الدرع بعضها فوق بعض مضاعفة؛ ومنه قول الأعشى:
وَمِـــنْ
نَسْــج دَاوُدَ مَوْضُونَــةً تُســاقُ مَــعَ الحَـيّ عِـيرًا فعِـيْرًا
ومنه
وضين الناقة، وهو البطان من السيور إذا نسج بعضه على بعض مضاعفا كالحلق حلق الدرع:
وقيل: وضين، وإنما هو موضون، صرف من مفعول إلى فعيل، كما قيل: قتيل لمقتول: وحُكي
سماعا من بعض العرب أزيار الآجرّ موضون بعضها على بعض، يراد مشرج صفيف.
وقيل:
إنما قيل لها سُرر موضونة، لأنها مشبكة بالذهب والجوهر.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) قال: مرمولة بالذهب.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) قال: مرمولة بالذهب.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: ( عَلَى
سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) قال:
يعني الأسرة المرملة.
حدثنا
هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن مجاهد، قال: الموضونة: المرملة بالذهب.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرِمة
قوله: ( عَلَى
سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) قال:
مشبكة بالدّر والياقوت.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( مَوْضُونَةٍ ) قال: مرمولة بالذهب.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) والموضونة: المرمولة، وهى
أوثر السرر.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، في قوله: ( مَوْضُونَةٍ ) قال مرمولة.
حدثنا
ابن عيد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، في قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) قال: مرملة مشبكة.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) الوضن: التشبيك والنسج، يقول:
وسطها مشبك منسوج.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) الموضونة: المرمولة بالجلد
ذاك الوضين منسوجة.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: أنها مصفوفة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ ) يقول: مصفوفة.
وقوله: ( مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا
مُتَقَابِلِينَ ) يقول
تعالى ذكره متكئين على السُّرر الموضونة، متقابلين بوجوههم، لا ينظر بعضهم إلى قفا
بعض.
كما
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ قال: لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه، وذُكر أن ذلك في
قراءة عبد الله (
مُتَّكِئِينَ عَلَيْها ناعِمِينَ ) .
حدثنا
محمد بن المثنى ، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، في قراءة عبد
الله، يعني ابن مسعود (
مُتَّكِئِينَ عَلَيْها ناعِمِينَ ) .
وقد بينا
ذلك في غير هذا الموضع، وذكرنا ما فيه من الرواية.
القول
في تأويل قوله تعالى : يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ
مُخَلَّدُونَ ( 17 ) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ( 18 ) لا
يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ ( 19 ) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ
( 20 ) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ ( 21 )
وقوله: ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ
مُخَلَّدُونَ ) يقول
تعالى ذكره: يطوف على هؤلاء السابقين الذين قرّبهم الله في جنات النعيم، ولدان على
سنّ واحدة، لا يتغيرون ولا يموتون.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( مُخَلَّدُونَ ) قال: لا يموتون.
وقال
آخرون: عني بذلك أنهم مقرّطون مسوّرون.
والذي هو
أولى بالصواب في ذلك قول من قال معناه: إنهم لا يتغيرون، ولا يموتون، لأن ذلك أظهر
معنييه، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد، وإنما هو مفعل من الخلد.
وقوله: ( بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ) والأكواب: جمع كوب، وهو من
الأباريق ما اتسع رأسه، ولم يكن له خرطوم.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني محمد
بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( بِأَكْوَابٍ ) قال: الأكواب: الجرار من
الفضة.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ) قال: الأباريق: ما كان لها آذان، والأكواب ما ليس لها آذان.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الأكواب
ليس لها آذان.
حدثنا
يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل الحسن عن الأكواب، قال: هي
الأباريق التي يصبّ لهم منها.
حدثنا
أبو كُرَيب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، قال: مر أبو صالح
صاحب الكلبي قال: فقال أبي، قال لي الحسن وأنا جالس: سله، فقلت: ما الأكواب ؟ قال:
جرار الفضة المستديرة أفواهها، والأباريق ذوات الخراطيم.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( بِأَكْوَابٍ ) قال: ليس لها عرى ولا آذان.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ) والأكواب التي يغترف بها ليس
لها خراطيم، وهي أصغر من الأباريق.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ) قال: الأكواب التي دون
الأباريق ليس لها عُرًى.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: الأكواب جرار
ليست لها عرى، وهي بالنبطية كوبا، وإياها عنى الأعشى بقوله:
صَرِيفيٌَّـــةٌ
طَيِّـــبٌ طَعْمُهـــا لَهَــا زَبَــدٌ بَيــنَ كُــوب ودَنٌ
وأما
الأباريق: فهي التي لها عرى.
وقوله: ( وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ) وكأس خمر من شراب معين، ظاهر
العيون، جار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ) : قال الخمر.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ) أي من خمر جارية.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ) الكأس: الخمر.
حدثنا
أبو سنان، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله: ( وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ) قال: الخمر الجارية.
حدثنا
ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، مثله.
وقوله: ( لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ) يقول: لا تصدع رءوسهم عن
شربها فتسكر.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
إسماعيل بن موسى السديّ، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد، قوله: ( لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ) قال: لا تصدّع رءوسهم.
حدثنا بشر،
قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ) ليس لها وجع رأس.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة ( لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ) قال: لا تصدع رءوسهم.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ) يقول: لا تصدّع رءوسهم.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ) يعني: وجع الرأس.
وقوله: ( وَلا يُنـزفُونَ ) اختلفت القرّاء في قراءته،
فقرأت عامة قرّاء المدينة والبصرة ( يُنـزفُونَ ) بفتح الزاي، ووجهوا ذلك إلى أنه لا تنـزف عقولهم. وقرأته
عامة قرّاء الكوفة ( لا
يُنـزفُونَ ) بكسر
الزاي بمعنى: ولا ينفد شرابهم.
والصواب
من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ
فمصيب فيها الصواب.
واختلف
أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القرّاء فيه. وقد ذكرنا اختلاف أقوالهم
في ذلك، وبيَّنا الصواب من القول فيه في سورة الصافات، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا
الموضع، غير أنا سنذكر قول بعضهم في هذا الموضع لئلا يظنّ ظانّ أن معناه في هذا الموضع
مخالف معناه هنالك.
* ذكر
قول من قال منهم: معناه لا تنـزف عقولهم:
حدثنا
إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد ( وَلا يُنـزفُونَ ) قال: لا تنـزف عقولهم.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَلا يُنـزفُونَ ) قال: لا تنـزف عقولهم.
وحدثنا
ابن حُميد، مرة أخرى فقال: ولا تذهب عقولهم.
حدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَلا يُنـزفُونَ ) لا تنـزف عقولهم.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ( وَلا يُنـزفُونَ ) قال: لا يغلب أحد على عقله.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، في قوله: ( وَلا يُنـزفُونَ ) قال: لا يغلب أحد على عقله.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة في قول الله ( وَلا يُنـزفُونَ ) قال: لا تغلب على عقولهم.
وقوله: ( وَفَاكِهَةٍ مِمَّا
يَتَخَيَّرُونَ ) يقول
تعالى ذكره: ويطوف هؤلاء الولدان المخلدون على هؤلاء السابقين بفاكهة من الفواكه
التي يتخيرونها من الجنة لأنفسهم، وتشتهيها نفوسهم ( وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا
يَشْتَهُونَ ) يقول:
ويطوفون أيضا عليهم بلحم طير مما يشتهون من الطير الذي تشتهيه نفوسهم.
القول
في تأويل قوله تعالى : وَحُورٌ عِينٌ ( 22 )
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ( 23 ) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (
24 ) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا ( 25 ) إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا
( 26 )
اختلف
القرّاء في قراءة قوله: (
وَحُورٌ عِينٌ ) فقرأته
عامة قراء الكوفة وبعض المدنيين (
وحُورٍ عِينٍ ) بالخفض
إتباعا لإعرابها إعراب ما قبلها من الفاكهة واللحم، وإن كان ذلك مما لا يُطاف به،
ولكن لما كان معروفا معناه المراد أتبع الآخر الأوّل في الإعراب، كما قال بعض
الشعراء.
إذَا
مــا الغانِيــاتُ بَــرَزْنَ يَوْمـا وَزَجَّجْــن الْحَوَاجِــبَ والعُيُونــا
فالعيون
تكَحَّل. ولا تزجَّج إلا الحواجب، فردّها في الإعراب على الحواجب، لمعرفة السامع
معنى ذلك وكما قال الآخر:
تَسْــمَعُ
للأحَشْــاءِ مِنْــهُ لَغَطَــا وللْيَــــدَيْنِ جُســـأةً وَبَـــدَدَا
والجسأة:
غلظ في اليد، وهي لا تُسمع.
وقرأ ذلك
بعض قرّاء المدينة ومكة والكوفة وبعض أهل البصرة بالرفع ( وحُورٍ عِينٍ ) على الابتداء، وقالوا: الحور
العين لا يُطاف بهنّ، فيجوز العطف بهنّ في الإعراب على إعراب فاكهة ولحم، ولكنه
مرفوع بمعنى: وعندهم حور عين، أو لهم حور عين.
والصواب
من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكل واحدة منهما
جماعة من القرّاء مع تقارب معنييهما ، فبأيّ القراءتين قرأ القارئ فمصيب. والحور
جماعة حَوْراء: وهي النقية بياض العين، الشديدة سوادها. والعين: جمع عيناء، وهي
النجلاء العين في حُسن.
وقوله:
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ يقول: هنّ في صفاء بياضهنّ وحسنهن، كاللؤلؤ
المكنون الذي قد صين في كِنٍّ.
وقوله: ( جَزَاءً بِمَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ ) يقول
تعالى ذكره: ثوابا لهم من الله بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا، وعوضا من
طاعتهم إياه.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو هشام الرفاعيّ، قال: ثنا ابن يمان، عن ابن عيينة، عن عمرو عن الحسن ( وَحُورٌ عِينٌ ) قال: شديدة السواد: سواد العين،
شديدة البياض: بياض العين.
قال ثنا
ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك ( وَحُورٌ عِينٌ ) قال: بيض عين، قال: عظام الأعين.
حدثنا
ابن عباس الدوريّ، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن
عباس قال: الحُور: سُود الحَدَق.
حدثنا
الحسن بن عرفة، قال: ثنا إبراهيم بن محمد الأسلميّ، عن عباد بن منصور الباجيّ، أنه
سمع الحسن البصريّ يقول: الحُور: صوالح نساء بني آدم.
قال ثنا
إبراهيم بن محمد، عن ليث بن أبي سليم، قال: بلغني أن الحور العين خُلقن من
الزعفران.
حدثنا الحسن
بن يزيد الطحان، قال: حدثتنا عائشة امرأة ليث، عن ليث، عن مجاهد قال: خلق الحُور
العين من الزعفران.
حدثني
محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا عمرو بن سعد، قال: سمعت ليثا، ثني عن مجاهد، قال:
حور العين خُلقن من الزعفران.
وقال
آخرون: بل معنى قوله: ( حُورٌ
) أنهنّ
يحار فيهنّ الطرف.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد ( وَحُورٌ عِينٌ ) قال: يحار فيهنّ الطرف.
وبنحو
الذي قلنا في تأويل قوله: (
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ ) قال
أهل التأويل، وجاء الأثر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم .
حدثنا
أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا أحمد بن الفرج الصَّدفيّ الدِّمْياطيّ، عن عمرو بن
هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أمّ سلمة قالت:
قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله ( كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ ) قال: « صفاؤُهُن كَصَفاء الدُّرّ
الَّذيِ فِي الأصْدَافِ الَّذيِ لا تَمُسُّهُ الأيْدي » .
وقوله: ( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا
لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا ) يقول:
لا يسمعون فيها باطلا من القول ولا تأثيما، يقول: ليس فيها ما يُؤثمهم.
وكان بعض
أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول ( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا ) والتأثيم لا يُسمع، وإنما
يُسمع اللغو، كما قيل: أكلت خبزا ولبنا، واللبن لا يُؤكل، فجازت إذ كان معه شيء
يؤكل.
وقوله: ( إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا ) يقول: لا يسمعون فيها من القول
إلا قيلا سلاما: أي أسلم مما تكره.
وفي نصب
قوله: (
سَلامًا سَلامًا ) وجهان:
إن شئت جعلته تابعا للقيل، ويكون السلام حينئذ هو القيل؛ فكأنه قيل: لا يسمعون
فيها لغوا ولا تأثيما، إلا سلاما سلاما، ولكنهم يسمعون سلاما سلاما. والثاني: أن
يكون نصبه بوقوع القيل عليه، فيكون معناه حينئذ: إلا قيلَ سلامٍ فإن نوّن نصب
قوله: (
سَلامًا سَلامًا ) بوقوع
قِيلٍ عليه.
القول
في تأويل قوله تعالى : وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا
أَصْحَابُ الْيَمِينِ ( 27 ) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ( 28 ) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ( 29
) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ( 30 ) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ( 31 )
يقول
تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ ) وهم الذين يُؤخذ بهم يوم
القيامة ذات اليمين، الذي أُعطوا كتبهم بأيمانهم يا محمد ( مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) أيّ شيء هم وما لهم، وماذا
أعدّ لهم من الخير، وقيل: إنهم أطفال المؤمنين.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد بن معمر، قال: ثنا أبو هشام المخزوميّ، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا
الأعمش، قال: ثنا عثمان بن قيس، أنه سمع زاذان أبا عمرو يقول: سمعت عليّ بن أبي
طالب رضي الله عنه يقول: (
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) قال: أصحاب اليمين: أطفال المؤمنين.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا
أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) : أي
ماذا لهم، وماذا أعدّ لهم، ثم ابتدأ الخبر عما ذا أعدّ لهم في الجنة، وكيف يكون
حالهم إذا هم دخلوها؟ فقال: هم ( فِي
سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) يعني:
في ثمر سدر موقر حملا قد ذهب شوكه.
وقد
اختلف في تأويله أهل التأويل، فقال بعضهم: يعني بالمخضود: الذي قد خُضد من الشوك،
فلا شوك فيه.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: خضده وقره من الحمل،
ويقال: خُضِد حتى ذهب شوكه فلا شوك فيه.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: زعم محمد بن عكرِمة قال: لا شوك فيه.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن عكرمة، في قوله: ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: لا شوك فيه.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، عن قسامة بن زُهَير في قوله: ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: خُضِد من الشوك، فلا شوك
فيه.
حدثنا
أبو حُميد الحمصي أحمد بن المغيرة، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا عمرو بن عمرو
بن عبد الله الأحموسيّ، عن السفر بن نُسَير في قول الله عزّ وجلّ ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: خُضِد شوكه، فلا شوك
فيه.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: كنا نحدّث أنه المُوقَر
الذي لا شوك فيه.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا قتادة، في قوله: ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: ليس فيه شوك.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: لا شوك له.
حدثنا
مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عكرمة ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: لا شوك فيه.
وحدثني
به ابن حُميد مرّة أخرى، عن مهران بهذا الإسناد، عن عكرمة، فقال: لا شوك له، وهو
المُوقَر.
وقال آخرون:
بل عُنِي به أنه المُوقَر حَمْلا.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( مَخْضُودٍ ) قال: يقولون هذا الموقَرُ
حَمْلا.
حدثني
محمد بن سنان القزّاز، قال: ثنا أبو حُذَيفة، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن
مجاهد ( فِي
سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال:
الموقَر.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: الموقَر.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ( سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) يقول: مُوقَر.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير ( فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ) قال: ثمرها أعظم من القِلال.
وقوله: ( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) أما الفرّاء فعلى قراءة ذلك
بالحاء (
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) وكذا
هو في مصاحف أهل الأمصار. وروي عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يقرأ ( وطَلْعٍ مَنْضُودٍ ) بالعين.
حدثنا
عبد الله بن محمد الزهريّ قال: ثنا سفيان، قال: ثنا زكريا، عن الحسن بن سعد، عن
أبيه رضي الله عنه، قرأها (
وطَلْعٍ مَْنُضودٍ ) .
حدثنا
سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثنى أبي، قال: ثنا مجاهد، عن الحسن بن سعد، عن قيس بن
سعد، قال: قرأ رجل عند عليّ (
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) فقال
عليّ: ما شأن الطلح، إنما هو: (
وطَلْعٍ مَنْضُودٍ ) ، ثم
قرأ طَلْعُهَا هَضِيمٌ فقلنا أولا نحوّلهُا، فقال: إن القرآن لا يهاج اليوم، ولا
يحوّل. وأما الطلح فإن المعمر بن المثنى كان يقول: هو عند العرب شجر عظام كثير
الشوك، وأنشد لبعض الحُداة:
بَشَّــــرَها
دَلِيلُهــــا وَقـــالا غَــدًا تَــرَيْنَ الطَّلْــحَ والحبــالا
وأما أهل
التأويل من الصحابة والتابعين فإنهم يقولون: إنه هو الموز.
حدثنا
حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا سليمان التيميّ، عن أبي سعيد،
مولى بني رَقاشِ، قال: سألت ابن عباس عن الطلح، فقال: هو الموز.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا سليمان التيميّ، قال: ثنا أبو سعيد الرقاشيّ،
أنه سمع ابن عباس يقول: الطلح المنضود: هو الموز.
حدثني
يعقوب وأبو كُرَيب، قالا ثنا ابن عُلَية، عن سليمان، قال: ثنا أبو سعيد
الرَّقاشيّ، قال قلت لابن عباس: ما الطلح المنضود؟ قال: هو الموز.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثنا أبو سعيد الرقاشيّ قال: سألت
ابن عباس عن الطلح، فقال: هو الموز.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن التيمي، عن أبي سعيد الرقاشي، عن ابن
عباس (
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) قال:
الموز.
قال: ثنا
مهران، عن سفيان، عن الكلبيّ، عن الحسن بن سعيد، عن عليّ رضي الله عنه ( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) قال: الموز.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن رجل من أهل البصرة أنه سمع ابن
عباس يقول في الطلح المنضود: هو الموز.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) قال: موزكم لأنهم كانوا
يُعجبون بوجٍّ وظلاله من طلحه وسدره.
حدثنا
محمد بن سنان، قال: ثنا أبو حُذيفة، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، في
قوله: (
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) قال:
الموز.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا هوذة بن خليفة، عن عوف، عن قسامة، قال: الطلح المنضود: هو
الموز.
قال: ثنا
سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قول الله ( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) قال: الموز: حدثنا ابن عبد
الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) قال: الموز.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) كنا نحدَّث أنه الموز.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) قال الله أعلم، إلا أن أهل اليمن
يسمون الموز الطلح.
وقوله: ( مَنْضُودٍ ) يعني أنه قد نُضِدَ بعضهُ على
بعض، وجمع بعضه إلى بعض.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: ( وَطَلْحٍ
مَنْضُودٍ ) قال:
بعضه على بعض.
حدثني
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ ) متراكم، لأنهم يعجبون بوجّ
وظلاله من طلحة وسدره.
وقوله: ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) يقول: وهم في ظلّ دائم لا
تنسخه الشمس فتذهبه، وكل ما لا انقطاع له فإنه ممدود، كما قال لبيد:
غَلَـبَ
البَقـاءَ وكـنْتُ غَـيْرَ مُغَلَّـبَ دَهْـــرٌ طَــوِيلٌ دائــم مَمْــدُودُ
وبنحو
الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار، وقال به أهل العلم.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) قال: خمس مئة ألف سنة.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن زياد مولى بني
مخزوم، عن أبي هريرة، قال: « إن في
الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام، اقرءوا إن شئتم ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) فبلغ ذلك كعبا، فقال: صدق
والذي أنـزل التوراة على لسان موسى، والفرقان على لسان محمد، لو أن رجلا ركب حُقة
أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها، حتى يسقط هـَرِما، إن الله غرسها بيده،
ونفخ فيها من روحه، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة وما في الجنة نهر إلا وهو يخرج
من أصل تلك الشجرة » .
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا حكام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زياد مولى لبني مخزوم، أنه
سمع أبا هريرة يقول: ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال: وما في الجنة من نهر.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) قال: مسيرة سبعين ألفَ سنة.
حدثنا
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو يحيى بن سليمان، عن هلال بن عليّ، عن
عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم: « إنَّ
فِي الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّها مِئَةَ سَنَةٍ، اقْرَءُوا
إنْ شِئْتُمْ (
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) » .
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن محمد، عن زياد، قال: سمعت
أبا هريرة يقول: سمعت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: « إنَّ فِي الجَنَّة شَجَرَةً
يَسيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلها مِئَةَ عامٍ، اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) » .
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن محمد، عن زياد، قال: سمعت
أبا هريرة يقول: سمعت النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول : « وإنَّ فِي الجَنَّة شَجَرَةً
يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها، اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ
(
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) . »
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن أبي الضحي، قال: سمعت أبا هريرة
يقول: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « وإنَّ فِي الجَنَّة لشَجَرَةً
يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها، لا يَقْطَعُها،
شَجَرَةُ الخُلْدِ » .
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا الضحاك يحدّث،
عن أبي هريرة، عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: « وإنَّ فِي الجَنَّة لشَجَرَةً
يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّهَا سَبْعِينَ أو مِئَةَ عامٍ، هيَ شَجَرَةُ الخُلْدِ
» .
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا عمران، عن قتادة، عن أنس، أن النبيّ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال : « إنَّ
فِي الجَنَّة لشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها
» .
قال: ثنا
أبو داود، قال: ثنا عمران، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبيّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم ، مثل ذلك.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن
النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم مثله.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا عبدة وعبد الرحمن، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي
هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « فِي الجَنَّة شَجَرَةً يَسيرُ
الرَّاكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ سَنَهٍ لا يَقْطَعُها، اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ قوله:
(
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) » .
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا فردوس، قال: ثنا ليث، عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه، عن أبي
هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « إنَّ فِي الجَنَّة شَجَرَةً
يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ سَنَةٍ » .
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا المحاربيّ، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن
رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، مثله.
حدثنا
محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا عوف، عن الحسن، قال: بلغني
أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: « إنَّ فِي الجَنَّة شَجَرَةً يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها
مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها » .
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا خالد، قال: ثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن
النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وبمثله عن خلاس.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو بكر، قال: ثنا أبو حصين، قال: كنا على باب في موضع ومعنا
أبو صالح وشقيق، يعني الضبيّ، فحدّث أبو صالح، فقال: حدثني أبو هريرة، قال: إن في
الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما، فقال أبو صالح أتكذّب أبا هريرة،
فقال: ما أكذّب أبا هريرة، ولكني أكذّبك؛ قال: فشقّ على القرّاء يومئذ.
حدثنا
محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) قال: حدثنا، عن أنس بن مالك،
قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها.
قال ثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَظِلٍّ مَمْدُودٍ ) قال قتادة: حدثنا أنس بن
مالك، أن نبي الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: « إنَّ فِي الجَنَّة شَجَرَةً
يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها » .
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتاده، عن أنس، أن النبيّ صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: « إنَّ
فِي الجَنَّة شَجَرَةً يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها » .
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، مثل
ذلك أيضا.
وقوله: ( وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ) يقول تعالى ذكره وفيه أيضا
ماء مسكوب، يعني مصبوب سائل في غير أخدود.
كما
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ ) قال: يجري في غير أخدود.
القول
في تأويل قوله تعالى : وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ( 32 )
لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ( 33 ) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ( 34 ) إِنَّا
أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ( 35 ) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ( 36 ) عُرُبًا
أَتْرَابًا ( 37 ) لأَصْحَابِ الْيَمِينِ ( 38 )
يقول ( وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا
مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ) يقول
تعالى ذكره: وفيها (
فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ ) لا
ينقطع عنهم شيء منها أرادوه في وقت من الأوقات، كما تنقطع فواكه الصيف في الشتاء في
الدنيا، ولا يمنعهم منها، ولا يحول بينهم وبينها شوك على أشجارها، أو بعدها منهم،
كما تمتنع فواكه الدنيا من كثير ممن أرادها ببعدها على الشجرة منهم، أو بما على
شجرها من الشوك، ولكنها إذا اشتهاها أحدهم وقعت في فيه أو دنت منه حتى يتناولها
بيده.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
وقد
ذكرنا الرواية فيما مضى قبل، ونذكر بعضا آخر منها:
حدثنا
محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، في قوله: ( لا مَقْطُوعَةٍ وَلا
مَمْنُوعَةٍ ) قال:
لا يمنعه شوك ولا بعد.
وقوله: ( وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ) يقول تعالى ذكره: ولهم فيها
فرش مرفوعة طويلة، بعضها فوق بعض، كما يقال: بناء مرفوع.
وكالذي
حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا رشْدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن درّاج أبي السمح
عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، في قوله
القول
في تأويل قوله تعالى وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قال: "
إن ارتفاعها لكما بين السماء والأرض، وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمس مئة عام
" .
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا عمرو، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد،
عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ( وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ ) «
وَالَّذي نَفْسِي بيَدِهِ إنَّ ارْتِفاعها. . . » ثم ذكر مثله.
وقوله: ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا ) يقول تعالى ذكره: إنا خلقناهن
خلقا فأوجدناهنّ؛ قال أبو عبيدة: يعني بذلك: الحور العين اللاتي ذكرهنّ قبل، فقال
(
وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً ) ، وقال
الأخفش: أضمرهنّ ولم يذكرهنّ قبل ذلك.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً ) قال:
خلقناهنّ خَلقا.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن شيبان، عن جابر الجُعفي، عن يزيد بن
مرّة، عن سلمة بن يزيد، عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في هذه الآية
( إِنَّا
أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ) قال: « مِنَ الثَّيِّب والأبكارِ » .
وقوله: ( فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا
) يقول:
فصيرناهنّ أبكارا عذارى بعد إذ كنّ.
كما
حدثنا حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن عبيده، عن يزيد بن أبان
الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً ) قال: « عَجائِز كُنَّ فِي الدُّنْيا
عُمْشا رُمْصًا » .
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عُبيدة، عن يزيد بن أبان الرقاشيّ، عن أنس
بن مالك، قال: قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً قال: أنْشأَ عَجائِز كُنَّ فِي الدُّنْيا عُمْشا رُمْصًا « . »
حدثنا
عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: ثنا محمد بن ربيعة الكلابّي، عن موسى بن عبيدة
الرَّبَذِيّ، عن يزيد الرَّقاشيّ، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم ، في قوله: (
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ) قال: « منهن
العَجائِز اللاتِي كُنَّ فِي الدُّنْيا عُمْشا رُمْصًا » .
حدثنا
سوار بن عبد الله بن داود، عن موسى بن عبيدة الرَّبَذِيّ، عن يزيد الرَّقاشيّ، عن
أنس بن مالك، عن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، في قوله: ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً ) قال: « هـُنَّ اللَّوَاتِي كُنَّ فِي
الدُّنْيا عَجائِز عُمشا رُمصْا » .
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عمرو بن عاصم، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن صفوان
بن محرز في قوله: (
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ) قال: فهنُ العُجُز الرُّمْصُ.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، في قوله: ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ) قال: إن منهن العُجُزَ الرُّجَّفَ، أنشأهن الله في هذا
الخلق.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً ) قال قتادة: كان صفوان بن محرز
يقول: إن منهنّ العُجُزَ الرُّجَّف، صيرهنّ الله كما تسمعون.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: قوله: ( أَبْكَارًا ) يقول: عذارى.
حدثنا
أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن الفرج الصَّدفي الدِّمياطيّ، عن عمرو بن
هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن أمّ سلمة، زوج النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم أنها قالت: قلت يا رسول الله، أخبرني عن قول الله ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ
إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لأصْحَابِ
الْيَمِينِ ) قال: « هـُنَّ اللَّوَاتي قُبِضْنَ
فِي الدُّّنْيا عَجائِزَ رُمْصًا شُمْطا، خَلَقَهُنَّ الله بَعْدَ الكبر
فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى » .
حدثنا
أبو عبيد الوَصَّابيّ، قال: ثنا محمد بن حمير، قال: ثنا ثابت بن عجلان، قال: سمعت
سعيد بن جبير، يحدّث عن ابن عباس، في قوله: ( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ
أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا ) قال:
هن من بني آدم، نساؤكنّ في الدنيا ينشئهنّ الله أبكارا عذارى عربا.
وقوله: ( عُرُبًا ) يقول تعالى ذكره: فجعلناهنّ
أبكارًا غنجات، متحببات إلى أزواجهنّ يحسن التبعل وهي جمع، واحدهن عَرُوب، كما
واحد الرسل رسول، وواحد القطف قطوف؛ ومنه قول لبيد:
وفـي
الْحُـدُوجِ عَـرُوبٌ غيرُ فاحِشَةٍ رَيَّـا الـرَّوَادِفِ يَعْشَـى دوَنها
البَصَرُ
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا إسماعيل بن أبان، وإسماعيل بن صُبيح، عن أبي إدريس، عن ثور
بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس (
عُرُبًا أَتْرَابًا ) قال:
المَلَقَة.
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( عُرُبًا ) يقول: عواشق.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس ( عُرُبًا ) قال: العرب المتحببات
المتودّدات إلى أزواجهنّ.
حدثني
سليمان بن عبيد الله الغيلاني، قال: ثنا أيوب، قال: أخبرنا قرة، عن الحسن، قال:
العرب: العاشق.
حدثني
محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرِمة، أنه
قال في هذه الآية (
عُرُبًا ) قال:
العرب المغنوجة.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن شعبة، عن سماك بن عكرِمة قال: هي المغنوجة.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عُمارة بن أبي حفصة، عن عكرِمة، في قوله: ( عُرُبًا ) قال: غِنجات.
حدثني
عليّ بن الحسن الأزديّ، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أبي إسحاق التيميّ، عن صالح بن
حيان، عن أبي بريدة (
عُرُبًا ) قال:
الشَّكِلة بلغة مكة، والغِنجة بلغة المدينة.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، قال: سمعت إبراهيم التيمي يعني ابن الزبرقان، عن
صالح بن حيان، عن أبي يزيد بنحوه.
حدثنا ابن
حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عثمان بن بشار، عن تميم بن حذلم، قوله: ( عُرُبًا ) قال: حسن تبعُّل المرأة.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن عثمان بن بشار، عن تميم بن حذلم في ( عُرُبًا ) قال: العَرِبة: الحسنة
التبعل. قال: وكانت العرب تقول للمرأة إذا كانت حسنة التبعل: إنها لعَرِبة.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن أُسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه ( عُرُبًا ) قال: حسنات الكلام.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، قال: عواشق.
قال: ثنا
ابن يمان، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد، وعكرِمة، مثله.
قال: ثنا
ابن إدريس، عن حصين، عن مجاهد في ( عُرُبًا ) قال:
العرب المتحببات.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد ( عُرُبًا ) قال: العرب: العواشق.
حدثنا
أبو كُرَيب قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير، مثله.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن غالب أبي الهُذَيل، عن سعيد بن جبير ( عُرُبًا ) قال: العرب اللاتي يشتهين
أزواجهنّ.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن يمان، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: المشتهية
لبعولّتهنّ.
قال: ثنا
ابن إدريس، قال: أخبرنا عثمان بن الأسود، عن عبد الله بن عبيد الله، قال: العرب:
التي تشتهي زوجها.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن عثمان بن الأسود، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ( عُرُبًا ) قال: العَرِبة: التي تشتهي
زوجها؛ ألا ترى أن الرجل يقول للناقة: إنها لعَرِبة؟
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( عُرُبًا ) قال: عُشَّقا لأزواجهنّ.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( عُرُبًا أَتْرَابًا ) يقول: عشَّق لأزواجهنّ، يحببن
أزواجهنّ حبا شديدا.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، يقول: سمعت الضحاك يقول: العُرُب:
المتحببات.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( عُرُبًا أَتْرَابًا ) قال: متحببات إلى أزواجهن.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( عُرُبًا ) قال: العُرُب: الحسنة الكلام.
حدثنا
ابن البرقيّ، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سُئل الأوزاعيّ، عن ( عُرُبًا ) قال: سمعت يحيى يقول: هنّ
العواشق.
حدثنا
أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن الفرج الصَّدَفيّ الدِّمياطِيّ، عن عمرو بن
هاشم، عن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أمّ سلمة، قالت: قلت
يا رسول الله، أخبرني عن قوله: (
عُرُبًا أَتْرَابًا ) قال: « عُرُبا مُتَعَشِّقاتٍ
مُتَحَبباتٍ، أترَابا على مِيلادٍ وَاحِدٍ » .
حدثني
محمد بن حفص أبو عبيد الوصَّابُّي، قال: ثنا محمد بن حمير، قال: ثنا ثابت بن
عجلان، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدّث عن ابن عباس ( عُرُبًا ) والعَرَب: الشَّوْق.
واختلف
القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء المدينة وبعض قرّاء الكوفيين عُرُبا بضم
العين والراء. وقرأه بعض قرّاء الكوفة والبصرة ( وعُرُبا ) بضم
العين وتخفيف الراء، وهي لغة تميم وبكر، والضم في الحرفين أولى القراءتين بالصواب
لما ذكرت من أنها جمع عروب، وإن كان فعول أو فعيل أو فعال إذا جُمع، جُمع على
فُعُل بضم الفاء والعين، مذكرًا كان أو مؤنثا، والتخفيف في العين جائز، وإن كان
الذي ذكرت أقصى الكلامين عن وجه التخفيف.
وقوله: ( أَتْرَابًا ) يعني أنهنّ مستويات على سنّ
واحدة، واحدتهنّ تِرْب، كما يقال: شَبَه وأشَبْاه.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ بن الحسين بن الحارث، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن سلمة بن سابور، عن عطية، عن
ابن عباس، قال: الأتراب: المستويات.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( أَتْرَابًا ) قال: أمثالا.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَتْرَابًا ) يعني: سنِّا واحدة.
حدثني
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
حُدثت عن
الحسين، قال سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: في قوله: ( أَتْرَابًا ) قال: الأتراب: المستويات.
وقوله: ( لأصْحَابِ الْيَمِينِ ) يقول تعالى ذكره: أنشأنا
هؤلاء اللواتي وصف صفتهنّ من الأبكار للذين يؤخذ بهم ذات اليمين من موقف الحساب
إلى الجنة.
القول
في تأويل قوله تعالى : ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ (
39 ) وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ( 40 ) وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ
الشِّمَالِ ( 41 ) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ( 42 ) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ( 43 ) لا
بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ( 44 ) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ( 45 )
وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ( 46 )
يقول
تعالى ذكره: الذين لهم هذه الكرامة التي وصف صفتها في هذه الآيات ثُلَّتان، وهي
جماعتان وأمتان وفرقتان: (
ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ ) ، يعني
جماعة من الذين مضوا قبل أمة محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم. ( وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ) ، يقول: وجماعة من أمة محمد
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، وقال به أهل التأويل.
* ذكر
الرواية بذلك:
حدثنا
ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال الحسن: ( ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ ) من الأمم ( وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ) : أمة محمد صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم .
حدثنا
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ ) قال: أمة.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، قال ثنا قتادة، قال: ثنا الحسن عن حديث عمران
بن حصين، عن عبد الله بن مسعود قال: « تحدثنا عند رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ذات
ليلة حتى أكرينا في الحديث، ثم رجعنا إلى أهلينا، فلما أصبحنا غدونا على رسول الله
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:
عُرِضَتْ عَلىَّ الأنْبِياءُ اللَّيْلَةَ بأتْباعها مِنْ أُمَمِها، فَكانَ
النَّبِيُّ يَجِيءُ مَعَهَ الثُّلَّةُ مِنْ أُمَّتِهِ، والنَّبِيُّ مَعَهُ
العِصَابَةُ مِنَ أُمَّتِهِ؛ والنَّبِيُّ مَعَهُ النَّفَرُ مِن أُمَّتِهِ، والنَّبِيُّ
مَعَهَ الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِهِ، والنَّبِيُّ ما مَعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ أحَد مِنْ
قَوْمِهِ، حتى أتى عَليَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ في كَبْكَبَةٍ مِنْ بني
إسْرائيلَ؛ فَلَمَّا رأيْتُهُمْ أعْجَبُونِي، فَقُلْتُ أيْ رَبّ مَنْ هَؤُلاء؟
قال: هَذاَ أخُوك مُوسَى بنُ عِمْرَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بني إسْرائِيلَ فقُلْتُ
رَبّ، فأيْنَ أُمَّتِي؟ فَقِيلَ: انْظُرْ عَنْ يَمِينكَ، فإذَا ظرَابُ مَكَّةَ
قَدْ سُدَّتْ بِوُجُوهِ الرّجِالِ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاء؟ قِيلَ: هَؤُلاء
أُمَّتُكَ، فَقِيل: أرَضِيتَ؟ فَقُلْتُ: رَبِّ رَضيتُ رَب رَضِيتُ قِيلَ: انْظُر
عَنْ يَسارِكَ، فَإذَا الأفقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرّجِالِ، فَقُلْتُ: رَبَّ
مَنْ هَؤُلاء؟ قِيلَ: هَؤُلاء أُمَّتُكَ، فَقيلَ: أرَضِيتَ؟ فَقُلْتُ رَضيتُ،
رَبَّ رَضِيتُ؛ فَقِيلَ إنَّ مَعَ هَؤُلاءِ سَبْعينَ ألْفا مِنْ أُمَّتِكَ يَدْخُلُونَ
الجَنَّةَ لا حسابَ عَلَيْهمْ؛ قال: فأنشأ عُكَّاشة بن محصن، رجل من بني أسد بن
خُزيمة، فقال: يا نبيّ الله ادعُ ربك أن يجعلني منهم، قال: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ
مِنْهُمْ، ثم أنشأ رجل آخر فقال: يا نبيّ الله ادع ربك أن يجعلني منهم، قال:
سَبَقَك بها عُكَّاشَةُ، فقال نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فَدًى
لَكُمْ أبي وأمِّي إن اسْتطَعْتُمْ أنْ تَكُونوا مِنَ السَبْعينَ فَكُونُوا، فإنْ
عَجَزْتُمْ وَقَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أهْل الظِّرَاب، فإنْ عَجَزْتُمْ
وَقَصَّرْتُمْ فَكُونُوا مِنْ أهْل الأفُقِ، فإنّي رأيْتُ ثمَّ أناسا
يَتَهَرَّشُونَ كَثيرًا، أو قال يَتَهَوَّشُونَ؛ قال: فتراجع المؤمنون، أو قال
فتراجعنا على هؤلاء السبعين، فصار من أمرهم أن قالوا: نراهم ناسا وُلدوا في
الإسلام، فلم يزالوا يعلمون به حتى ماتوا عليه، فنمى حديثهم ذاك إلى نبي الله
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، فقال: لَيْس كَذاكَ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذينِ لا
يَسْترْقُونَ، وَلا يَكْثَوونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلى رَبَّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ - ذُكر أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال يومئذ: » إنّي لأرَجْو أنْ يَكُونَ مِنْ
تَبِعَنِي مِنْ أمَّتِي رُبْعَ أهْلِ الجَنَّة، فكبرنا، ثم قال: إنّي لأرَجْو أنْ
تكُونُوا الشَّطْرَ، فكبرنا، ثم تلا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم هذه
الآية: (
ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ) .
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا الحسن بن بشر البجَليُّ، عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة، عن
الحسن عن عمران بن حصين، عن عبد الله بن مسعود، قال: « تحدّثنا لَيْلَةً عند رسول
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، حتى أكرينا أو أكثرنا، ثم ذكر نحوه، إلا أنه
قال: فإذَا الظِّرَابُ ظِرابُ مَكَّةَ مَسْدُودَةٌ بَوُجُوهِ الرّجالِ وقال أيضا:
فإني رأيْتُ عبده أناسا يَتَهاوَشُونَ كَثِيرا؛ قال: فقلنا: من هؤلاء السبعون ألفا
فاتفق رأينا على أنهم قوم وُلدوا في الإسلام ويموتون عليه قال: فذكرنا ذلك لرسول
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: لا وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَكْتَوُونَ
وقال أيضا: ثم قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: إني لأرَجو أنْ
تكُونُوا رُبْعَ أهـْل الجَنَّةِ، فكبر أصحابه ثم قال: إنيّ لأرَجوا أنْ تكُونُوا
ثُلثَ أهـْلِ الجَنَّةِ، فكبر أصحابه; ثم قال: إنيّ لأرَجو أنْ تَكُونُوا شَطْرَ
أهـْلِ الجَنَّةِ، ثم قرأ (
ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ) » .
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عوف، عن عبد الله بن الحارث قال: كلهم في
الجنة.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، أنه بلغه أن النبي صَلَّى
الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: «
أتَرْضَوْنَ أنْ تكُونُوا رُبُعَ أهـْل الجَنَّة؟ قالوا: نعم، قال: أتَرْضَوْنَ
أنْ تكُونُوا ثُلُثَ أهـْل الجَنَّة؟ قالوا: نعم، قال وَالَّذي نَفْسي بَيَده إنيّ
لآرَجو أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهـْل الجَنَّةِ، ثم تلا هذه الآية ( ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ *
وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ) » .
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن بُديَل بن كعب أنه قال: أهل الجنة
عشرون ومئة صفّ، ثمانون صفا منها من هذه الأمة.
وفي رفع
(
ثُلَّةٌ ) وجهان:
أحدهما الاستئناف، والآخر بقوله: لأصحاب اليمين ثلتان، ثلة من الأوّلين وقد رُوي
عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم خبر من وجه عنه صحيح أنه قال:
الثُّلَّتانِ جَميعا مِنْ أمَّتِي « . »
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس (
ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ ) قال: قال النبي صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم: « هُمَا
جَميعا مِنْ أمَّتي » .
وقوله: ( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا
أَصْحَابُ الشِّمَالِ ) يقول
تعالى ذكره معجبا نبيه محمدا من أهل النار ( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ ) الذين يؤخذ بهم ذات الشمال من موقف الحساب إلى النار ( مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ ) ماذا لهم، وماذا أعدّ لهم.
كما
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا
أَصْحَابُ الشِّمَالِ ) : أي
ماذا لهم، وماذا أعدّ لهم.
وقوله: ( فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ) يقول: هم في سّموم جهنم
وحَميمها.
وقوله: ( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) يقول تعالى ذكره: وظل من
دُخان شديد السواد.والعرب تقول لكلّ شيء وصفته بشدّة السواد: أسود يَحْموم.
وبنحو
الذي قلنا قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سليمان الشيباني، قال:
ثني يزيد بن الأصمّ، قال: سمعت ابن عباس يقول في ( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) قال: هو ظلّ الدخان.
حدثنا
محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: ثنا قبيصة بن ليث، عن الشيبانيّ، عن يزيد بن الأصمّ،
عن ابن عباس، مثله.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت الشيباني، عن يزيد بن الأصمّ، عن ابن
عباس، بمثله.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الشيباني، عن يزيد بن الأصمّ،
عن ابن عباس (
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) قال:
هو الدخان.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إبراهيم بن طُهمان، عن سماك بن جرب، عن
عكرِمة، عن ابن عباس (
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) قال:
الدخان.
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) يقول: من دخان حَميم.
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرِمة، أنه قال
في هذه الآية (
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) قال:
الدخان.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا عثام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك، في قوله: ( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) قال: دخان حميم.
حدثنا
سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثنا ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك
بمثله.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد ( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) قال: الدخان.
قال: ثنا
جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ( مِنْ يَحْمُومٍ ) قال: من دخان حميم.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان الشيباني، عن يزيد بن الأصمّ، عن
ابن عباس، ومنصور، عن مجاهد (
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) قالا
دخان.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) قال: من دخان.
حدثنا
بشر ، قال : ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة ( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) كنا نحَدَّث أنها ظلّ الدخان.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ ) قال: ظلّ الدخان دخان جَهنم،
زعم ذلك بعض أهل العلم.
وقوله: ( لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) يقول تعالى ذكره: ليس ذلك
الظلّ ببارد، كبرد ظلال سائر الأشياء، ولكنه حارّ، لأنه دخان من سعير جهنّم، وليس
بكريم لأنه مؤلم من استظلّ به، والعرب تتبع كلّ منفيّ عنه صفة حمد نفي الكرم عنه،
فتقول: ما هذا الطعام بطيب ولا كريم، وما هذا اللحم بسمين ولا كريم وما هذه الدار
بنظيفة ولا كريمة.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا النضر، قال: ثنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: ( لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) قال: كلّ شراب ليس بعذب فليس
بكريم.
وكان قتادة
يقول في ذلك ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ ) قال: لا بارد المنـزل، ولا
كريم المنظر.
وقوله: ( إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ
ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ) يقول
تعالى ذكره: إن هؤلاء الذين وصف صفتهم من أصحاب الشمال، كانوا قبل أن يصيبهم من
عذاب الله ما أصابهم في الدنيا مترفين، يعني منعمين.
كما
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ
ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ) يقول:
منعمين.
وقوله: ( وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى
الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) يقول
جلّ ثناؤه: وكانوا يقيمون على الذنب العظيم.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد يُصِروّن:
يدمنون
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: يدهنون، أو يدمنون.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَكَانُوا يُصِرُّونَ ) قال: لا يتوبون ولا يستغفرون،
والإصرار عند العرب على الذنب: الإقامة عليه، وترك الإقلاع عنه.
وقوله: ( عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) يعني: على الذنب العظيم، وهو
الشرك بالله.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني محمد
بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال:
ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) قال: على الذنب.
حدثني
يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا أبو تُميلة، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، في
قوله: (
الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) قال:
الشرك.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) يعني: الشرك.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) قال: الذنب.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد ( وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) قال: الحنث العظيم: الذنب
العظيم، قال: وذلك الذنب العظيم الشرك لا يتوبون ولا يستغفرون.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى
الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) وهو
الشرك.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن ابن جُريج، عن مجاهد ( عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ ) قال: الذنب العظيم.
القول
في تأويل قوله تعالى : وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا
مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ( 47 )
أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ ( 48 ) قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ( 49 )
لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ( 50 )
يقول
تعالى ذكره: وكانوا يقولون كفرا منهم بالبعث، وإنكارًا لإحياء الله خلقه من بعد
مماتهم: أئذا كنا ترابا في قبورنا من بعد مماتنا، وعظاما نخرة، أئنا لمبعوثون منها
أحياء كما كنا قبل الممات، أو آباؤنا الأوّلون الذين كانوا قبلنا، وهم الأوّلون،
يقول الله لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل يا محمد لهؤلاء إن
الأوّلين من آبائكم والآخرين منكم ومن غيركم، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم، وذلك
يوم القيامة.
القول
في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا
الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ( 51 ) لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ( 52 )
فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ( 53 )
يقول
تعالى ذكره لأصحاب الشمال: ثم إنكم أيها الضالون عن طريق الهدى، المكذّبون بوعيد
الله ووعده، لآكلون من شجر من زقوم.
وقوله: ( فَمَالِئُونَ مِنْهَا
الْبُطُونَ ) يقول:
فمالئون من الشجر الزَّقوم بطونهم.
واختلف
أهل العربية في وجه تأنيث الشجر في قوله: ( فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ) : أي من الشجر، ( فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ ) لأن الشجر تؤنث وتذكر، وأنث
لأنه حمله على الشجرة لأن الشجرة قد تدلّ على الجميع، فتقول العرب: نبتت قبلنا
شجرة مرّة وبقلة رديئة، وهم يعنون الجميع، وقال بعض نحويي الكوفة ( لآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ
زَقُّومٍ ) ، وفي
قراءة عبد الله (
لآكِلُونَ مِنْ شجرة مِنْ زَقُّومٍ ) على واحدة، فمعنى شجر وشجرة واحد، لأنك إذا قلت أخذت من
الشاء، فإن نويت واحدة أو أكثرّ من ذلك، فهو جائز، ثم قال ( فَمَالِئُونَ مِنْهَا
الْبُطُونَ ) يريد
من الشجرة؛ ولو قال: فمالئون منه إذا لم يذكر الشجر كان صوابا يذهب إلى الشجر في
منه، ويؤنث الشجر، فيكون منها كناية عن الشجر والشجر يؤنث ويذكر، مثل التمر يؤنث
ويذكر.
والصواب
من القول في ذلك عندنا القول الثاني، وهو أن قوله: ( فَمَالِئُونَ مِنْهَا ) مراد به من الشجر أنث للمعنى،
وقال ( فَشَارِبُونَ
عَلَيْهِ ) مذكرا
للفظ الشجر.
القول
في تأويل قوله تعالى : فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ
الْحَمِيمِ ( 54 ) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ( 55 ) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ
الدِّينِ ( 56 ) نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ ( 57 )
يقول
تعالى ذكره: فشاربٌ أصحابُ الشمال على الشجر من الزَّقوم إذا أكلوه، فملئوا منه
بطونهم من الحميم الذي انتهى غليه وحرّه. وقد قيل: إن معنى قوله: ( فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ ) : فشاربون على الأكل من الشجر
من الزقوم.
وقوله: ( فَشَارِبُونَ شُرْبَ
الْهِيمِ ) اختلفت
القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ( شُرْبَ الْهِيمِ ) بضم الشين، وقرأ ذلك بعض
قرّاء مكة والبصرة والشأم (
شُرْبَ الهِيمِ )
اعتلالا بأن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال لأيام مني: « وإنَّها أيَّامُ أكْلٍ
وشُرْبٍ » .
والصواب من
القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من
القرّاء مع تقارب معنييهما، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته، لأن ذلك في فتحه
وضمه نظير فتح قولهم: الضَّعف والضُّعف بضمه. وأمَّا الهيم، فإنها جمع أهيم،
والأنثى هيماء؛ والهيم: الإبل التي يصيبها داء فلا تروى من الماء. ومن العرب من
يقول: هائم، والأنثى هائمة، ثم يجمعونه على هيم، كما قالوا: عائط وعِيط، وحائل
وحول؛ ويقال: إن الهيم: الرمل، بمعنى أن أهل النار يشربون الحميم شرب الرمل الماء.
* ذكر من
قال عنى بالهيم الإبل العطاش:
حدثني عليّ،
قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: ( شُرْبَ الْهِيمِ ) يقول: شرب الإبل العطاش.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس
قوله: (
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ) قال:
الإبل الظماء.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عمران بن حدير، عن عكرِمة، في قوله: ( فَشَارِبُونَ شُرْبَ
الْهِيمِ ) قال:
هي الإبل المِراضى، تَمُصّ الماء مَصًّا ولا تَرْوَى.
حدثنا
ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في
قوله: (
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ) قال:
الإبل يأخذها العُطاش، فلا تزال تشرب حتى تهلك.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرِمة ( فَشَارِبُونَ شُرْبَ
الْهِيمِ ) قال:
هي الإبل يأخذها العطاش.
قال: ثنا
مهران، عن سفيان، عن ابن عباس، قال: هي الإبل العطاش.
حدثنا
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( شُرْبَ الْهِيمِ ) قال: الإبل الهيم.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فَشَارِبُونَ شُرْبَ
الْهِيمِ ) الهيم:
الإبل العطاش، تشرب فلا تروى يأخذها داء يقال له الهُيام.
حدثنا
بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ) قال: داء بالإبل لا تَرْوَى
معه.
* ذكر من
قال هي الرملة:
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ) قال: السِّهْلةُ .
وقوله:
( هَذَا
نـزلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ) يقول
تعالى ذكره: هذا الذي وصفت لكم أيها الناس، أن هؤلاء المكذّبين الضالين يأكلونه من
شجر من زقوم، ويشربون عليه من الحميم، هو نـزلهم الذي ينـزلهم ربهم يوم الدين،
يعني: يوم يدين الله عباده.
وقوله: ( نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ
فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ ) يقول
تعالى ذكره لكفار قريش والمكذّبين بالبعث: نحن خلقناكم أيها الناس ولم تكونوا
شيئًا، فأوجدناكم بشرا، فهلا تصدّقون من فعل ذلك بكم في قيله لكم: إنه يبعثكم بعد
مماتكم وبِلاكم في قبوركم، كهيأتكم قبل مماتكم.
القول
في تأويل قوله تعالى : أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ
( 58 ) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ ( 59 ) نَحْنُ
قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ( 60 ) عَلَى أَنْ
نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ ( 61 )
يقول
تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث: أفرأيتم أيها المُنكرون قُدرة الله على
إحيائكم من بعد مماتكم - النطف التي تمنون في أرحام نسائكم- أنتم تخلقون تلك أم
نحن الخالقون.
وقوله: ( نَحْنُ قَدَّرْنَا
بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) يقول تعالى ذكره: نحن قدرنا
بينكم أيها الناس الموت، فعجَّلناه لبعض، وأخَّرناه عن بعض إلى أجل مسمى.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ
الْمَوْتَ ) قال:
المستأخر والمستعجل.
وقوله: ( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ
عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ ) يقول تعالى ذكره: ( وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ) أيها الناس في أنفسكم
وآجالكم، فمفتات علينا فيها في الأمر الذي قدّرناه لها من حياة وموت بل لا يتقدم
شيء من أجلنا، ولا يتأخر عنه.
وقوله: ( عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ
أَمْثَالَكُمْ ) يقول: على
أن نُبَدّل منكم أمْثالَكَمْ بعد مهلككم فنجيء بآخرين من جنسكم.
وقوله: ( وَنُنْشِئَكُمْ فِيمَا لا
تَعْلَمُونَ ) يقول:
ونبدلكم عما تعلمون من أنفسكم فيما لا تعلمون منها من الصور.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( وَنُنْشِئَكُمْ ) في أي خلق شئنا.
القول
في تأويل قوله تعالى : وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ
النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ ( 62 ) أَفَرَأَيْتُمْ مَا
تَحْرُثُونَ ( 63 ) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ( 64 )
يقول
تعالى ذكره: ولقد علمتم أيها الناس الإحداثة الأولى التي أحدثناكموها، ولم تكونوا
من قبل ذلك شيئًا.
وبنحو
الذين قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( النَّشْأَةَ الأولَى ) قال: إذ لم تكونوا شيئًا.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ
النَّشْأَةَ الأولَى ) يعني
خلق آدم لستَ سائلا أحدًا من الخلق إلا أنبأك أن الله خلق آدم من طين.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ
النَّشْأَةَ الأولَى ) قال:
هو خلق آدم.
حدثني
محمد بن موسى الحرسي، قال: ثنا جعفر بن سليمان، قال: سمعت أبا عمران الجوني يقرأ
هذه الآية (
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأولَى ) قال: هو خلق آدم.
وقوله: ( فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ ) يقول تعالى ذكره: فهلا تذكرون
أيها الناس، فتعلموا أن الذي أنشأكم النشأة الأولى، ولم تكونوا شيئا، لا يتعذّر
عليه أن يعيدكم من بعد مماتكم وفنائكم أحياء.
وقوله: ( أَفَرَأَيْتُمْ مَا
تَحْرُثُونَ ) يقول
تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس الحرث الذي تحرثونه ( أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ
أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ) يقول:
أأنتم تصيرونه زرعًا، أم نحن نجعله كذلك؟
وقد
حدثني أحمد بن الوليد القرشي، قال: ثنا مسلم بن أبي مسلم الحرميّ، قال: ثنا مخلد
بن الحسين، عن هاشم، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم: « لا
تَقُولَنَّ زَرَعْتُ ولَكنْ قُلْ حَرَثْتُ » قال أبو هريرة ألم تسمع إلى قول الله ( أَفَرَأَيْتُمْ مَا
تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ) .
القول
في تأويل قوله تعالى : لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ
حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ( 65 ) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ( 66 ) بَلْ نَحْنُ
مَحْرُومُونَ ( 67 )
يقول
تعالى ذكره: لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حُطامًا، يعني هشيما لا يُنْتفع
به في مطعم وغذاء.
وقوله: ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) اختلف أهل التأويل في تأويل
ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فظلتم تتعجبون مما نـزل بكم في زرعكم من المصيبة
باحتراقه وهلاكه.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: (
فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال:
تعجبون.
حدثنا
ابن حُمَيد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال: تعجبون.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال: تعجبون.
وقال
آخرون: معنى ذلك: فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم جلّ ثناؤه، حتى
نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في قوله:
(
فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) يقول:
تلاومون.
قال: ثنا
مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب البكري، عن عكرِمة ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال: تلاومون.
وقال آخرون:
بل معنى ذلك: فظلتم تندمون على ما سلف منكم في معصية الله التي أوجب لكم عقوبته،
حتى نالكم في زرعكم ما نالكم.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال: تندمون.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال تندمون.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: فظلتم تعجبون.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ) قال: تعجبون حين صنع بحرثكم
ما صنع به، وقرأ قول الله عزّ وجلّ ( إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) وقرأ قول الله وَإِذَا
انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ قال: هؤلاء ناعمين، وقرأ قول
الله جل ثناؤه فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . . . إلى قوله: كَانُوا
فِيهَا فَاكِهِينَ .
وأولى
الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ( فَظَلْتُمْ ) : فأقمتم تعجبون مما نـزل بزرعكم وأصله من التفكه بالحديث
إذا حدّث الرجلُ الرجلَ بالحديث يعجب منه، ويلهى به، فكذلك ذلك. وكأن معنى الكلام:
فأقمتم تتعجبون يُعََجِّب بعضكم بعضا مما نـزل بكم.
وقوله: ( إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ) اختلف أهل التأويل في معناه،
فقال بعضهم: إنا لمولع بنا.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا يزيد بن الحباب قال: أخبرني الحسين بن
واقد، قال: ثني يزيد النحويّ عن عكرِمة، في قول الله تعالى ذكره ( إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ) قال: إنا لمولع بنا.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال مجاهد في قوله: ( إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ) أي لمولع بنا.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: إنا لمعذّبون.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ) : أي معذّبون.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: إنا لملقون للشرّ.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ) قال: مُلْقون للشرّ.
وأولى
الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إنا لمعذّبون، وذلك أن الغرام عند
العرب: العذاب، ومنه قول الأعشى:
يُعــاقِبْ
يَكُــنْ غَرَامـا وَإنْ يعـط جَــــزيلا فإنَّـــهُ لا يُبـــالي
يعني
بقوله: يكن غرامًا: يكن عذابًا. وفي الكلام متروك اكتفى بدلالة الكلام عليه، وهو:
فظلتم تفكهون « تقولون
» إنا
لمغرمون، فترك تقولون من الكلام لما وصفنا.
وقوله: ( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) يعني بذلك تعالى ذكره أنهم
يقولون: ما هلك زرعنا وأصبنا به من أجل ( إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ) ولكنا قوم محرومون، يقول: إنهم غير مجدودين، ليس لهم جًدّ.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) قال: حُورِفنا فحرمنا.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: ( بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ) قال: أي محارَفون.
القول
في تأويل قوله تعالى : أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي
تَشْرَبُونَ ( 68 ) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ
الْمُنْزِلُونَ ( 69 ) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (
70 )
يقول
تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس الماء الذي تشربون، أأنتم أنـزلتموه من السحاب
فوقكم إلى قرار الأرض، أم نحن منـزلوه لكم.
وبنحو
الذي قلنا في معنى قوله المُزن، قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( مِنَ الْمُزْنِ ) قال السحاب.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( أَأَنْتُمْ أَنـزلْتُمُوهُ
مِنَ الْمُزْنِ ) أي من
السَّحاب.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( أَأَنْتُمْ أَنـزلْتُمُوهُ
مِنَ الْمُزْنِ ) قال: المزن:
السحاب اسمها، أنـزلتموه من المزن، قال: السحاب.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في
قوله: (
أَنـزلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ ) قال:
المزن: السماء والسحاب.
وقوله: ( لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ
أُجَاجًا ) يقول
تعالى ذكره: لو نشاء جعلنا ذلك الماء الذي أنـزلناه لكم من المزن مِلحًا، وهو
الأجاج، والأجاج من الماء: ما اشتدّت ملوحته، يقول: لو نشاء فعلنا ذلك به فلم
تنتفعوا به في شرب ولا غرس ولا زرع.
وقوله: ( فَلَوْلا تَشْكُرُونَ ) يقول تعالى ذكره: فهلا تشكرون
ربكم على إعطائه ما أعطاكم من الماء العذب لشربكم ومنافعكم، وصلاح معايشكم، وتركه
أن يجعله أجاجًا لا تنتفعون به.
القول
في تأويل قوله تعالى : أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ
الَّتِي تُورُونَ ( 71 ) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ
الْمُنْشِئُونَ ( 72 ) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (
73 )
يقول
تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس النار التي تستخرجون من زَنْدكم ( أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ
شَجَرَتَهَا ) يقول:
أأنتم أحدثتم شجرتها واخترعتم أصلها ( أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ ) يقول: أَمْ نحن اخترعنا ذلك
وأحدثناه؟.
وقوله: ( نَحْنُ جَعَلْنَاهَا
تَذْكِرَةً ) يقول:
نحن جعلنا النار تذكرة لكم تذكرون بها نار جهنّم، فتعتبرون وتتعظون بها.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( تَذْكِرَةً ) قال: تذكرة النار الكبرى.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ
الَّتِي تُورُونَ * ءَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ
الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ) للنار الكبرى.
ذُكر لنا
أن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: « نَارُكُمْ هَذِهِ التِي تُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ
جُزْءا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قالوا: يا نبيّ الله إنْ كَانَتْ لكَافِية، قَالَ:
قَدْ ضُرِبَتْ بالمَاءِ ضَرْبَتَيْنِ أَوْ مَرَّتَيْنِ، لِيسْتَنْفَعَ بِهَا بَنُو
آدَمَ وَيَدْنُو مِنْها » .
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد ( تَذْكِرَةً ) قال: للنار الكبرى التي في
الآخرة.
وقوله: ( وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ) اختلف أهل التأويل في معنى
المقوين، فقال بعضهم: هم المسافرون.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنى معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس في قوله: ( لِلْمُقْوِينَ ) قال: للمسافرين.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: (
وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ) قال:
يعني المسافرين.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ) قال للمُرْمل: المسافر.
حدثني
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وفي قوله: ( لِلْمُقْوِينَ ) قال: للمسافرين.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ) قال: للمسافرين.
وقال
آخرون: عُنِي بالْمُقْوِين: المستمتعون بها.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني محمد
بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال:
ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قوله: ( وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ) للمستمتعين الناس أجمعين.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد ( وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ) للمستمتعين المسافر والحاضر.
حدثني
إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشر، عن خصيف في قوله: ( وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ) قال: للخلق.
وقال
آخرون: بل عُنِي بذلك: الجائعون.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله: ( وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ) قال: المقوي: الجائع: في كلام
العرب، يقول: أقويت منه كذا وكذا: ما أكلت منه كذا وكذا شيئًا.
وأولى
الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عُنِي بذلك للمسافر الذي لا زاد معه، ولا
شيء له، وأصله من قولهم: أقوت الدار: إذا خلت من أهلها وسكانها كما قال الشاعر:
أَقْــوَى
وأقْفَـرَ مِـنْ نُعْـمٍ وغَيَّرَهـا هُـوجُ الرّيـاح بهـابي الـتُّرْبِ مَوَّارِ
يعني
بقوله « أقوى » : خلا من سكانه، وقد يكون
المقوي: ذا الفرس القويّ، وذا المال الكثير في غير هذا الموضع.
القول
في تأويل قوله تعالى : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الْعَظِيمِ ( 74 ) فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ( 75 ) وَإِنَّهُ
لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ( 76 )
يقول
تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فسبح يا محمد بذكر ربك
العظيم، وتسميته.
وقوله: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ
النُّجُومِ ) اختلف
أهل التأويل في تأويل قوله: ( فَلا
أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ) فقال
بعضهم: عُنِي بقوله: ( فَلا
أُقْسِمُ ) :
أقسم.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا ابن
حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جُرَيج، عن الحسن بن مسلم عن سعيد بن
جبير ( فَلا
أُقْسِمُ ) قال:
أقسم.
وقال بعض
أهل العربية: معنى قوله: ( فَلا ) فليس الأمر كما تقولون ثم
استأنف القسم بعد فقيل أقسم وقوله: ( بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فلا
أقسم بمنازل القرآن، وقالوا: أنـزل القرآن على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم نجومًا متفرّقة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حُصَين، عن حكيم بن جبير، عن سعيد
بن جبير، عن ابن عباس، قال: نـزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى
السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين بعد. قال: وتلا ابن عباس هذه الآية ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ
النُّجُومِ ) قال:
نـزل متفرّقًا.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله:
( فَلا
أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ) قال:
أنـزل الله القرآن نجومًا ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن عكرِمة: إن القرآن نـزل جميعًا،
فوضع بمواقع النجوم، فجعل جبريل يأتي بالسورة، وإنما نـزل جميعًا في ليلة القدر.
حدثني
يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مجاهد ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ
النُّجُومِ ) قال:
هو مُحْكَم القرآن.
حدثني
محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: ( فَلا
أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) قال: مستقرّ الكتاب أوّله
وآخره.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النجوم.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ) قال في السماء ويقال مطالعها
ومساقطها.
حدثني
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ
النُّجُومِ ) أي
مساقطها.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: بمنازل النجوم.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ
النُّجُومِ ) قال:
بمنازل النجوم.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: بانتثار النجوم عند قيام الساعة.
ذكر من
قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ
النُّجُومِ ) قال:
قال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة.
وأولى
الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في
السماء، وذلك أن المواقع جمع موقع، والموقع المفعل، من وقع يقع موقعًا، فالأغلب من
معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به.
واختلفت
القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة بموقع على التوحيد، وقرأته عامة
قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين بمواقع: على الجماع.
والصواب
من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: ( وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ
تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ) يقول
تعالى ذكره وإن هذا القسم الذي أقسمت لقسم لو تعلمون ما هو، وما قدره، قسم عظيم من
المؤخر الذي معناه التقديم، وإنما هو: وأنه لقسم عظيم لو تعلمون عظمه.
القول
في تأويل قوله تعالى : إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (
77 ) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ( 78 ) لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ( 79 )
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( 80 )
وقوله: ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) يقول تعالى ذكره: فلا أقسم
بمواقع النجوم أن هذا القرآن لقرآن كريم، والهاء في قوله: ( إِنَّهُ ) من ذكر القرآن.
وقوله: ( فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) يقول تعالى ذكره: هو في كتاب
مصون عند الله لا يمسه شيء من أذى من غبار ولا غيره.
وبنحو الذي
قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) الكتاب
الذي في السماء.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: الحسن، قال:
ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) قال: القرآن في كتابه المكنون
الذي لا يمسه شيء من تراب ولا غبار.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) زعموا
أن الشياطين تنـزلت به على محمد، فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك، ولا تستطيعه،
ما ينبغي لهم أن ينـزلوا بهذا ، وهو محجوب عنهم، وقرأ قول الله وَمَا يَنْبَغِي
لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ * إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ .
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن جابر بن
زيد وأبي نهيك، في قوله: ( فِي
كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) قال:
هو كتاب في السماء.
قوله: ( لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) يقول
تعالى ذكره: لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهَّرهم الله من الذنوب.
واختلف
أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: ( إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) فقال بعضهم: هم الملائكة.
ذكر من
قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قال: إذا أراد الله أن ينـزل كتابا نسخته السفرة، فلا يمسه إلا المطهرون، قال:
يعني الملائكة.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد
بن جبير ( لا
يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال:
الملائكة الذين في السماء.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جبير ( لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) قال:
الملائكة.
حدثنا
أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جبير
( لا
يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال:
الملائكة.
حدثنا ابن
حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن جبار بن زيد
وأبي نهيك في قوله: ( لا
يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) يقول:
الملائكة.
قال: ثنا
مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال الملائكة.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) قال
الملائكة.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، عن أبي العالية ( لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) قال:
الملائكة.
وقال
آخرون: هم حملة التوراة والإنجيل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة ( لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) قال:
حملة التوراة والإنجيل.
وقال
آخرون في ذلك: هم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا مروان، قال: أخبرنا عاصم الأحول، عن أبي العالية
الرياحي، في قوله: ( لا
يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ) قال:
ليس أنتم أنتم أصحاب الذنوب.
حدثني
يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) قال:
الملائكة والأنبياء والرسل التي تنـزل به من عند الله مطهرة، والأنبياء مطهرة،
فجبريل ينـزل به مُطَهَّر، والرسل الذين تجيئهم به مُطَهَّرون فذلك قوله: ( لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ
)
والملائكة والأنبياء والرسل من الملائكة، والرسل من بني آدم، فهؤلاء ينـزلون به
مطهرون، وهؤلاء يتلونه على الناس مطهرون، وقرأ قول الله بِأَيْدِي سَفَرَةٍ *
كِرَامٍ بَرَرَةٍ قال: بأيدي الملائكة الذين يحصون على الناس أعمالهم.
وقال
آخرون: عني بذلك: أنه لا يمسه عند الله إلا المطهرون.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) ذاكم
عند ربّ العالمين، فأما عندكم فيمسه المشرك النجس، والمنافق الرَّجِس.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: ( لا يَمَسُّهُ إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) قال لا
يمسه عند الله إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسيّ النجس، والمنافق
الرجس. وقال في حرف ابن مسعود ( ما
يَمَسُّهُ إلا المُطَهَّرُونَ ) .
والصواب
من القول من ذلك عندنا، أن الله جلّ ثناؤه، أخبر أنه لا يمس الكتاب المكنون إلا
المطهرون فعمّ بخبره المطهرين، ولم يخصص بعضًا دون بعض؛ فالملائكة من المطهرين،
والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرًا من الذنوب، فهو ممن استثني، وعني
بقوله: ( إِلا
الْمُطَهَّرُونَ ) .
وقوله: ( تَنـزيلٌ مِنْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ ) يقول:
هذا القرآن تنـزيل من رب العالمين، نـزله من الكتاب المكنون.
كما
حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله العتكي، عن جابر بن
زيد وأبي نهيك، في قوله: (
تَنـزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) قال: القرآن من ذلك الكتاب.
القول
في تأويل قوله تعالى : أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ
أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ( 81 ) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (
82 ) فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ( 83 ) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ
تَنْظُرُونَ ( 84 ) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ
( 85 )
يقول
تعالى ذكره: أفبهذا القرآن الذي أنبأتكم خبره، وقصصت عليكم أمره أيها الناس أنتم
تلينون القول للمكذّبين به، ممالأة منكم لهم على التكذيب به والكفر.
واختلف
أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم في ذلك نحو قولنا فيه.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ
أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ) قال:
تريدون أن تمالئوهم فيه، وتركنوا إليهم.
وقال
آخرون: بل معناه: أفبهذا الحديث أنتم مكذّبون.
ذكر
من قال ذلك
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثن أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس قوله:
(
أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ) يقول: مكذّبون غير مصدّقين.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ( أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ ) يقول: مكذبون.
وقوله: ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ
أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) يقول:
وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم التكذيب، وذلك كقول القائل الآخر: جعلت إحساني
إليك إساءة منك إليّ، بمعنى: جعلت: شكر إحساني، أو ثواب إحساني إليك إساءة منك
إليّ.
وقد ذُكر
عن الهيثم بن عدّي: أن من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان: بمعنى ما شكر.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأمل على اختلاف فيه منهم.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا ابن
بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، قال: ثني عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي عبد
الرحمن السلميّ، عن عليّ رضي الله عنه ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) قال: شكركم.
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن
أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ رفعه ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) قال: شكركم تقولون مُطرنا
بنوء كذا وكذا، وبنجم كذا وكذا.
حدثني
يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى بن أبي بكر، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن أبي
عبد الرحمن، عن عليّ، عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال « ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ
أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) قال:
شُكْرَكُمْ أنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، قال: ويقولون مطرنا بنوء كذا وكذا » .
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس، قال: ما مُطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرًا، يقولون: مُطرنا بنوء كذا
وكذَا، وقرأ ابن عباس (
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) .
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا معاذ بن سليمان، عن جعفر، عن سعيد بن
جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) ثم قال: ما مُطر الناس ليلة
قطّ، إلا أصبح بعض الناس مشركين يقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذا، قال: وقال وتجعلون
شكركم أنكم تكذّبون.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ ) يقول: شكركم على ما أنـزلت
عليكم من الغيث والرحمة تقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذا؛ قال: فكان ذلك منهم كفرًا
بما أنعم عليهم.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، قال: أحسبه أو غيره « أن رسول الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم سمع رجلا ومطروا يقول: مُطرنا ببعض عثانين الأسد، فقال:
كَذَبْتَ بَلْ هـُوَ رِزْقُ الله » .
حدثني
يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي،
عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: « إِنَّ اللهَ لَيُصَبَّحُ
القَوْمَ بالنِّعْمَةِ، أَوْ يُمَسِّيهِم بِهَا، فَيُصْبِحُ بِهَا قَوْمٌ
كَافِرينَ يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوءِ كَذَا وَكَذَا » قال محمد: فذكرت هذا الحديث لسعيد
بن المسيب، فقال: ونحن قد سمعنا من أبي هريرة، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب
رضي الله عنه وهو يستسقي فلما استسقى التفت إلى العباس فقال: يا عباس يا عمَّ رسول
الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: العلماء بها
يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعًا، قال: فما مضت سابعة حتى مُطروا.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ
(
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) قال: كان يقرؤها ( وتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أنَّكُم تُكَذِّبُونَ ) يقول: جعلتم رزق الله بنوء
النجم، وكان رزقهم في أنفسهم بالأنواء أنواء المطر إذا نـزل عليهم المطر، قالوا:
رُزقنا بنوء كذا وكذا، وإذا أمسك عنهم كذّبوا، فذلك تكذيبهم.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني، في قوله: ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ
أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) قال:
كان ناس يمطرون فيقولون: مُطرنا بنوء كذا، مُطرنا بنوء كذا.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ
أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) قال:
قولهم في الأنواء: مُطرنا بنوء كذا ونوء كذا، يقول: قولوا هو من عند الله وهو
رزقه.
حُدثت،
عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ
أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) يقول:
جعل الله رزقكم في السماء، وأنتم تجعلونه في الأنواء.
حدثني
أبو صالح الصراري، قال: ثنا أبو جابر « محمد بن عبد الملك الأزدي » قال: ثنا جعفر بن الزبير، عن القاسم بن أبي أمامة، عن النبيّ
صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: « ما مُطِرَ قَوْمٌ مِنْ لَيْلَةٍ إلا أَصْبَحَ قَوْمٌ بِهَا
كَافِرِينَ، ثم قال: (
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) » يقول
قَائلٌ مُطِرْنا بنَجْمِ كَذَا وَكَذَا.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: وتجعلون حظكم منه التكذيب.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ
أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) أما
الحسن فكان يقول: بئسما أخذ قوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب به.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: ( وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ
أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ) خسر
عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب.
وقوله: ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ
الْحُلْقُومَ ) يقول
تعالى ذكره: فهلا إذا بلغت النفوس عند خروجها من أجسادكم أيها الناس حلاقيمكم ( وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ
تَنْظُرُونَ ) يقول
ومن حضرهم منكم من أهليهم حينئذ إليهم ينظر، وخرج الخطاب ها هنّا عاما للجميع،
والمراد به: من حضر الميت من أهله وغيرهم وذلك معروف من كلام العرب وهو أن يخاطب
الجماعة بالفعل، كأنهم أهله وأصحابه، والمراد به بعضهم غائبا كان أو شاهدا، فيقول:
قتلتم فلانًا، والقاتل منهم واحد، إما غائب، وإما شاهد. وقد بيَّنا نظائر ذلك في
مواضع كثيرة من كتابنا هذا.
يقول ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ
مِنْكُمْ ) يقول:
ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم، ( وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ ) .
وكان بعض
أهل العربية من أهل البصرة يقول: قيل ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ
حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ) كأنه
قد سمع منهم، والله أعلم: إنا نقدر على أن لا نموت، فقال ( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ
الْحُلْقُومَ ) ، ثم
قال فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ أي غير مجزيين ترجعون تلك النفوس
وأنتم ترون كيف تخرج عند ذلك إن كنتم صادقين بأنكم تمتنعون من الموت.
القول
في تأويل قوله تعالى : فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ
غَيْرَ مَدِينِينَ ( 86 ) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 87 )
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( 88 ) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ
نَعِيمٍ ( 89 )
يقول
تعالى ذكره: فهلا إن كنتم أيها الناس غير مدينين.
واختلف
أهل التأويل في تأويل قوله: (
مَدِينِينَ ) فقال
بعضهم: غير محاسبين.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ
غَيْرَ مَدِينِينَ ) يقول:
غير محاسبين.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( غَيْرَ مَدِينِينَ ) قال: محاسبين.
حدثنا بشر،
قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ) : أي محاسبين.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله ( فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ
غَيْرَ مَدِينِينَ ) قال:
كانوا يجحدون أن يُدانوا بعد الموت، قال: وهو مالك يوم الدين، يوم يُدان الناس
بأعمالهم، قال: يدانون: يحاسبون.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: ( فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ
غَيْرَ مَدِينِينَ ) قال:
غير محاسبين.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة ( فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ
غَيْرَ مَدِينِينَ ) قال
غير مبعوثين، غير محاسبين.
وقال
آخرون: معناه: غير مبعوثين.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن بشار، قال ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن ( فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ) غير مبعوثين يوم القيامة،
ترجعونها إن كنتم صادقين.
وقال
آخرون: بل معناه: غير مجزيين بأعمالكم.
وأولى
الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: غير محاسبين فمجزيين بأعمالكم من قولهم: كما
تدين تدان، ومن قول الله مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .
وقوله: ( تَرْجِعُونَهَا إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) يقول:
تردّون تلك النفوس من بعد مصيرها إلى الحلاقيم إلى مستقرّها من الأجساد إن كنتم
صادقين، إن كنتم تمتنعون من الموت والحساب والمجازاة، وجواب قوله: فَلَوْلا إِذَا
بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ، وجواب قوله: ( فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ) جواب واحد وهو قوله: ( تَرْجِعُونَهَا ) وذلك نحو قوله: فَإِمَّا
يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ جعل
جواب الجزاءين جوابًا واحدًا.
وبنحو
الذي قلنا في قوله: (
تَرْجِعُونَهَا ) قال
أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني يونس،
قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد، في قوله: ( تَرْجِعُونَهَا ) قال: لتلك النفس ( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) .
وقوله: ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ
الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) يقول تعالى ذكره: فأما إن كان الميت من المقرّبين الذين
قرّبهم الله من جواره في جنانه (
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) يقول:
فله روح وريحان.
واختلف
القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار ( فَرَوْحٌ ) بفتح الراء، بمعنى: فله برد.
(
وَرَيْحَانٌ ) يقول:
ورزق واسع في قول بعضهم، وفي قول آخرين فله راحة وريحان وقرأ ذلك الحسن البصريّ ( فَرُوحٌ ) بضم الراء، بمعنى: أن روحه
تخرج في ريحانة.
وأولى
القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بالفتح لإجماع الحجة من القرّاء عليه،
بمعنى: فله الرحمة والمغفرة، والرزق الطيب الهنيّ.
واختلف
أهل التأويل في تأويل قوله: (
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) فقال
بعضهم: معنى ذلك: فراحة ومستراح.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) يقول: راحة ومستراح.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: (
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: يعني بالريحان: المستريح
من الدنيا (
وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) يقول:
مغفرة ورحمة.
وقال
آخرون: الرَّوح: الراحة، والرَّيحان: الرزق.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: راحة: وقوله: وريحان
قال: الرزق.
وقال
آخرون: الرَّوْح: الفرح، والرَّيْحان: الرزق.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو كُريب، قال: ثنا إدريس، قال: سمعت أبي، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، في
قوله: (
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال:
الرَّوْح: الفرح، والرَّيحان: الرزق.
وأما
الذين قرءوا ذلك بضم الراء فإنهم قالوا: الرُّوح: هي روح الإنسان، والرَّيحان: هو
الريحان المعروف: وقالوا: معنى ذلك: أن أرواح المقرّبين تخرج من أبدانهم عند الموت
برَيحان تشمه.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن الحسن ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: تخرج روحه في ريحانة.
حدثنا ابن
حُميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ
الْمُقَرَّبِينَ ) قال:
لم يكن أحد من المقرّبين يفارق الدنيا، والمقربون السابقون، حتى يؤتى بغصن من
ريحان الجنة فيشمه، ثم يُقبض.
وقال
آخرون ممن قرأ ذلك بفتح الراء: الرَّوْح: الرحمة، والرَّيحان: الريحان المعروف.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال: الروح: الرحمة، والرَّيحان: يتلقى به عند الموت.
وقال
آخرون منهم: الرَّوْح: الرحمة، والرَّيحان: الاستراحة.
ذكر من
قال ذلك:
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول ( فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) الرَّوْح: المغفرة والرحمة،
والرَّيحان: الاستراحة.
حدثنا
ابن حُميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن منذر الثوريّ، عن الربيع بن
خثيم ( فَأَمَّا
إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ) قال:
هذا عند الموت (
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ ) قال:
يُجاء له من الجنة.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله: ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ
الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) قال: ذلك في الآخرة، فقال له
بعض القوم قال: أما والله إنهم ليرون عند الموت.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا حماد، قال: ثنا قرة، عن الحسن، بمثله.
وأولى
الأقوال في ذلك بالصواب عندي: قول من قال: عني بالرَّوْح: الفرح والرحمة والمغفرة،
وأصله من قولهم: وجدت روحا: إذا وجد نسيما يستروح إليه من كرب الحرّ. وأما
الريحان، فإنه عندي الريحان الذي يتلقى به عند الموت، كما قال أبو العالية والحسن،
ومن قال في ذلك نحو قولهما، لأن ذلك الأغلب والأظهر من معانيه.
وقوله: ( وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ) يقول: وله مع ذلك بستان نعيم
يتنعم فيه.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وجنة نعيم قال: قد عُرِضت عليه .
القول
في تأويل قوله تعالى : وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ
أَصْحَابِ الْيَمِينِ ( 90 ) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ( 91 )
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ( 92 ) فَنُزُلٌ مِنْ
حَمِيمٍ ( 93 ) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ( 94 )
يقول
تعالى ذكره: (
وَأَمَّا إِنْ كَانَ ) الميت
( مِنْ
أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) الذين
يؤخذ بهم إلى الجنة من ذات أيمانهم ( فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) .
ثم اختلف
في معنى قوله: (
فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) فقال أهل التأويل فيه ما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال:
ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) فسلام لك من أصحاب اليمين قال: سلام من عند الله، وسلمت
عليه ملائكة الله.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ
أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) قال: سلم مما يكره.
وأما أهل
العربية، فإنهم اختلفوا في ذلك فقال بعض نحوَّيي البصرة ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ
أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) : أي فيقال سلم لك. وقال بعض
نحوَّيي الكوفة: قوله: (
فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) : أي فذلك مسلم لك أنك من أصحاب اليمين، وألقيت « أن » ونوى معناها، كما تقول: أنت مصدّق
مسافر عن قليل، إذا كان قد قال: إني مسافر عن قليل، وكذلك يجب معناه أنك مسافر عن
قليل، ومصدّق عن قليل. قال: وقوله: ( فَسَلامٌ لَكَ ) معناه: فسلم لك أنت من أصحاب اليَمِين. قال: وقد يكون
كالدعاء له، كقوله: فسُقيًا لك من الرجال. قال: وإن رفعت السلام فهو دعاء، والله
أعلم بصوابه.
وقال آخر
منهم قوله: فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فإنه جمع بين جوابين، ليعلم
أن أمَّا جزاء: قال: وأما قوله: (
فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) قال: وهذا أصل الكلمة مسلم لك هذا، ثم حذفت « أن » وأقيم « مِنْ » مَقامها. قال: وقد قيل: فسلام
لك أنت من أصحاب اليَمِين، فهو على ذاك: أي سلام لك، يقال: أنت من أصحاب اليمين،
وهذا كله على كلامين.
قال: وقد
قيل مسلم: أي كما تقول: فسلام لك من القوم، كما تقول: فسُقيًا لك من القوم، فتكون
كلمة واحدة.
وأولى
الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معناه: فسلام لك إنك من أصحاب اليمين، ثم حُذفت
واجتزئ بدلالة مِنْ عليها منها، فسلمت من عذاب الله، ومما تكره، لأنك من أصحاب
اليمين.
وقوله: ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ
الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنـزلٌ مِنْ حَمِيمٍ ) يقول تعالى: وأما إن كان
الميت من المكذّبين بآيات الله، الجائرين عن سبيله، فله نـزل من حميم قد أغلي حتى
انتهى حرّه، فهو شرابه. (
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ) يقول:
وحريق النار يحرق بها؛ والتصلية: التفعلة من صلاة الله النار فهو يصليه تصلية،
وذلك إذا أحرقه بها.
القول
في تأويل قوله تعالى : إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ
الْيَقِينِ ( 95 ) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ( 96 )
يقول
تعالى ذكره: إن هذا الذي أخبرتكم به أيها الناس من الخبر عن المقرّبين وأصحاب
اليمين، وعن المكذّبين الضالين، وما إليه صائرة أمورهم ( لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ ) يقول: لهو الحقّ من الخبر
اليقين لا شكّ فيه.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ
) قال:
الخبر اليقين.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ
الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ *
إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ حتى ختم، إن الله تعالى ليس تاركا أحدا من
خلقه حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن. فأما المؤمن فأيقن في الدنيا، فنفعه ذلك
يوم القيامة. وأما الكافر، فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه.
واختلف
أهل العربية في وجه إضافة الحقّ إلى اليقين، والحق ليقين، فقال بعض نحويي البصرة،
قال: حقّ اليقين، فأضاف الحق إلى اليقين، كما قال وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ أي
ذلك دين الملَّة القيمة، وذلك حقّ الأمر اليقين. قال: وأما هذا رجل السَّوء، فلا
يكون فيه هذا الرجل السَّوء، كما يكون في الحق اليقين، لأن السوء ليس بالرجل،
واليقين هو الحقّ. وقال بعض أهل الكوفة: اليقين نعت للحقّ، كأنه قال: الحقّ
اليقين، والدين القيم، فقد جاء مثله في كثير من الكلام والقرآن وَلَدَارُ
الآخِرَةِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ قال: فإذا أضيف توهم به غير الأوّل.
وقوله: ( فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ
الْعَظِيمِ ) يقول
تعالى ذكره: فسبح بتسمية ربك العظيم بأسمائه الحسنى.
آخر
تفسير سورة الواقعة