تفسير سورة الطلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
القول
في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ
وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا
يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ
اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ( 1 ) فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ
عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ
لَهُ مَخْرَجًا ( 2 ) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ
اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ( 3 )
يعني
تعالى ذكره بقوله : ( يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
) يقول:
إذا طلقتم نساءكم فطلقوهنّ لطهرهنّ الذي يحصينه من عدتهنّ، طاهرًا من غير جماع،
ولا تطلقوهنّ بحيضهنّ الذي لا يعتددن به من قرئهنّ.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من
قال ذلك:
حدثنا
أَبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد
الرحمن بن يزيد، عن عبد الله، قال: الطلاق للعدّة طاهرًا من غير جماع.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن
عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) قال: بالطهر في غير جماع.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد
الله ( إِذَا
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) يقول: إذا طلقتم قال: الطهر
في غير جماع.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الله ( فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ ) قال:
طاهرًا من غير جماع.
حدثنا
ابن وكيع، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن داود بن حصين، عن عكرمة،
عن ابن عباس، أنه كان يرى طلاق السنة طاهرًا من غير جماع، وفي كلّ طهر، وهي العدة
التي أمر الله بها.
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن
حميد الأعرج، عن مجاهد، أن رجلا سأل ابن عباس فقال: إنه طلق امرأته مئة، فقال:
عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، ولم تتق الله فيجعل لك مخرجًا، وقرأ هذه الآية: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) ،
وقال: ( يا
أَيُّهَا الْنَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ الْنِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ
عِدَّتِهنَّ ) .
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا شعبة، عن حميد الأعرج، عن
مجاهد، عن ابن عباس بنحوه.
حدثني
يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن عبد الله بن كثير، عن
مجاهد، قال: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثًا، فسكت حتى
ظننا أنه رادّها عليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس
يا ابن عباس، وإن الله عزّ وجلّ قال: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) وإنك لم تتق الله فلا أجد لك
مخرجًا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك، قال الله: ( يا أَيُّهَا الْنَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ الْنِّسَاءَ
فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهنَّ ) .
حدثنا
محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت
مجاهدًا يحدّث عن ابن عباس في هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) قال
ابن عباس: في قبل عدتهنّ.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أُمية، عن عبد الله
بن كثير، عن مجاهد، أنه قرأ (
فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عِدَّتِهنَّ ) .
حدثنا
العباس بن عبد العظيم، قال: ثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا سفيان، عن منصور، عن
مجاهد (
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) قال:
طاهرًا في غير جماع.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، في قوله: ( فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ ) قال:
طاهرًا من غير حيض، أو حاملا قد استبان حملها.
قال ثنا
هارون، عن عيسى بن يزيد بن دأب، عن عمرو، عن الحسن وابن سيرين، فيمن أراد أن يطلق
ثلاث تطليقات جميعًا في كلمة واحدة، أنه لا بأس به بعد أن يطلقها في قبل عدتها،
كما أمره الله؛ وكان يكرهان أن يطلق الرجل امرأته تطليقة، أو تطليقتين، أو ثلاثًا،
إذا كان بغير العدّة التي ذكرها الله.
حدثني
يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عون، عن ابن سيرين أنه قال في قوله:
(
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) قالَ:
يطلقها وهي طاهر من غير جماع، أو حَبَل يستبين حملها.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عزّ وجلّ: ( فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ ) قال:
لطهرهن.
حدثنا
عليّ بن عبد الأعلى المحاربيّ، قال: ثنا المحاربيّ، عن جويبر، عن الضحاك، في قول
الله ( يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
) قال:
العدّة: القرْء، والقرء: الحيض. والطاهر: الطاهر من غير جماع، ثم تستقبل ثلاث
حِيَض.
حدثنا
بشر، قال ثنا يزيد، قال بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) والعدة: أن يطلقها طاهرًا من
غير جماع تطليقة واحدة.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ ) قال: إذا
طهرت من الحيض في غير جماع، قلت: كيف؟ قال: إذا طهرت فطلقها من قبل أن تمسها، فإن
بدا لك أن تطلقها أخرى تركتها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم طلقها إذا طهرت الثانية،
فإذا أردت طلاقها الثالثة أمهلتها حتى تحيض، فإذا طهرت طلقها الثالثة، ثم تعتدّ
حيضة واحدة، ثم تَنكِح إن شاءت.
قال ثنا
ابن ثور، عن معمر، قال: وقال ابن طاوس: إذا أردت الطلاق فطلقها حين تطهر، قبل أن
تمسها تطليقة واحدة، لا ينبغي لك أن تزيد عليها، حتى تخلو ثلاثة قروء، فإن واحدة
تبينها.
حُدثت عن
الحسين، فال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ ) يقول:
طلَّقها طاهرًا من غير جماع.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( فطلقوهن لعدتهن ) قال: إذا طلقتها للعدّة كان
مِلْكُها بيدك، من طلق للعدة جعل الله له في ذلك فسحة، وجعل له مِلْكًا إن أراد أن
يرتجع قبل أن تنقضي العدة ارتجع.
حدثنا
محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( إِذَا طَلَّقْتُمُ
النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) قال: طاهرًا في غير جماع، فإن كانت لا تحيض، فعند غرّةِّ كل
هلال.
حدثني
أَبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: طلَّقت
امرأتي وهي حائض؛ قال: فأتى عمر رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يخبره
بذلك، فقال: « مُرْه
فَلْيُرَاجِعهَا حَتَى تَطْهُر، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ
طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، وإنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، فَإنَها العِدَّةُ
التي قال اللُه عَزَّ وَجَلَّ » .
قال ثنا
ابن إدريس، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر بنحوه، عن النبيّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثنا
ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر « أنه طلق امرأته وهي حائض،
فسأل عُمر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال: » مُرْه فَلْيُرَاجِعهَا، ثُمَّ
لِيُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ إنْ شَاءَ
أَمْسَكَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا
النِّسَاءُ « . »
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن
عمر « أنه
طلق امرأته حائضًا، فأتى عمر النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فذكر ذلك له،
فأمره أن يراجعها، ثم يتركها حتى إذا طهرت ثم حاضت طلقها، قال النبيّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم: » فَهِيَ
الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ « ويقول: حين يطهرن. »
حدثنا
عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس في قوله: ( فَطَلِّقُوهُنَّ
لِعِدَّتِهِنَّ ) يقول:
لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه، ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت
طلقها تطليقة، فإن كانت تحيض فعدتها ثلاث حيض، وإن كانت لا تحيض فعدتها ثلاثة
أشهر، وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها.
حدثنا
ابن البرقيّ، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، سُئل عن قول الله
(
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) قال:
طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته وهي في قبل عدتها، وهي طاهر من غير جماع واحدة،
ثم يدعها، فإن شاء راجعها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة، وإن أراد أن يطلقها
ثلاثًا طلقها واحدة في قبل عدتها، وهي طاهر من غير جماع، ثم يدعها حتى إذا حاضت
وطهرت طلقها أخرى، ثم يدعها، حتى إذا حاضت وطهرت طلقها أخرى، ثم لا تحلّ له حتى
تنكح زوجًا غيره.
وذُكر أن
هذه الآية أنـزلت على رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم في سبب طلاقه
حَفْصة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: « طلق رسول الله صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم حفصة بنت عمر تطليقة، فأنـزلت هذه الآية: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) فقيل: راجعها فإنها صوّامة
قوّامة، وإنها من نسائك في الجنة » .
وقوله: ( وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ) يقول: وأحصُوا هذه العدّة
وأقراءَها فاحفظوها.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قوله: ( وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ) قال: احفظوا العدّة.
وقوله: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ
رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) يقول: وخافوا الله أيها الناس ربكم فاحذروا معصيته أن
تتعدّوا حده، لا تخرجوا من طلقتم من نسائكم لعدتهنّ من بيوتهنّ التي كنتم
أسكنتموهنّ فيها قبل الطلاق حتى تنقضي عدتهنّ.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ
رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) حتى تنقضي عدتهنّ.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: أخبرنا ابن جُرَيج، قال: قال عطاء: إن أذن لها
أن تعتدّ في غير بيته، فتعتدّ في بيت أهلها، فقد شاركها إذن في الإثم. ثم تلا ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال: قلت هذه الآية في هذه؟
قال: نعم.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا حيوة بن شريح، عن محمد بن عجلان، عن نافع،
أن عبد الله بن عمر كان يقول في هذه الآية ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا
أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال: خروجها قبل انقضاء العدّة. قال ابن عجلان عن زيد بن
أسلم: إذا أتت بفاحشة أخرجت.
وحدثنا
عليّ بن عبد الأعلى المحاربيّ، قال: ثنا المحاربيّ، عبد الرحمن بن محمد، عن جويبر،
عن الضحاك في قوله: ( لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال:
ليس لها أن تخرج إلا بإذنه، وليس للزوج أن يخرجها ما كانت في العدّة، فإن خرجت فلا
سُكْنى لها ولا نفقة.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: (
وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا
يَخْرُجْنَ ) قال:
هي المطلقة لا تخرج من بيتها، ما دام لزوجها عليها رجعة، وكانت في عدّة.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ ) وذلك إذا طلقها واحدة أو
ثنتين لها ما لم يطلقها ثلاثًا.
وقوله: ( وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ
يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) يقول جلّ ثناؤه: لا تخرجوهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة أنها
فاحشة لمن عاينها أو علمها.
واختلف أهل
التأويل في معنى الفاحشة التي ذكرت في هذا الموضع، والمعنى الذي من أجله أذن الله
بإخراجهنّ حالة كونهنّ في العدّة من بيوتهنّ، فقال بعضهم: الفاحشة التي ذكرها في
الموضع هي الزنى، والإخراج الذي أباح الله هو الإخراج لإقامة الحدّ.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال: الزنى، قال فتُخْرَج
ليُقام عليها الحدّ.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، مثله.
حدثنا
يعقوب بن إبراهيم، قال ثنا ابن عُلَية، عن صالح بن مسلم، قال: سألت عامرًا قلت رجل
طلق امرأته تطليقة أيخرجها من بيتها؟ قال: إن كانت زانية.
حدثنا
محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال ثنا الحسن،
قال ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال: إلا أن يزنين.
حدثنا
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال: قال الله جلّ ثناؤه
وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ قال: هؤلاء المحصنات،
فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ . .. الآية. قال: فجعل الله
سبيلهنّ الرجم، فهي لا ينبغي لها أن تخرج من بيتها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة، فإذا
أتت بفاحشة مبينة أخرجت إلى الحدّ فرجمت، وكان قبل هذا للمحصنة الحبس تحبس في
البيوت لا تترك تنكح، وكان للبكرين الأذى قال الله جلّ ثناؤه: وَاللَّذَانِ
يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا يا زان، يا زانية، فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا
فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا قال: ثم نُسخ هذا
كله، فجعل الرجم للمحصنة والمحصن، وجعل جلد مئة للبِكْرَين، قال: ونسخ هذا.
وقال
آخرون: الفاحشة التي عناها الله في هذا الموضع: البَذَاء على أحمائها.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أَبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، عن
ابن عباس قال الله: ( لا
تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال:
الفاحشة المبينة أن تبذُو على أهلها.
وقال
آخرون: بل هي كل معصية لله.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( إِلا أَنْ يَأْتِينَ
بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ )
والفاحشة: هي المعصية.
وقال
آخرون: بل ذلك نشوزها على زوجها، فيطلقها على النشوز، فيكون لها التحوّل حينئذ من
بيتها.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال قتادة: إلا أن يطلقها على
نشوز، فلها أن تحوّل من بيت زوجها.
وقال
آخرون: الفاحشة المبينة التي ذكر الله عزّ وجلّ في هذا الموضع خروجها من بيتها.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ
يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال: خروجها من بيتها فاحشة. قال بعضهم: خروجها إذا أتت
بفاحشة أن تخرج فيقام عليها الحدّ.
حدثني
ابن عبد الرحيم البرقيّ، قال: ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم، قال: أخبرنا يحيى بن
أيوب قال: ثني محمد بن عجلان، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، في قوله: ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ
بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) قال: خروجها قبل انقضاء العدة
فاحشة.
*
والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: عنى بالفاحشة في هذا الموضع: المعصية،
وذلك أن الفاحشة هي كلّ أمر قبيح تعدّى فيه حدّه، فالزنى من ذلك، والسرق والبذاء
على الأحماء، وخروجها متحوّلة عن منـزلها الذي يلزمها أن تعتدّ فيه منه، فأي ذلك
فعلت وهي في عدتها، فلزوجها إخراجها من بيتها ذلك، لإتيانها بالفاحشة التي ركبتها.
وقوله: ( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره: وهذه الأمور
التي بينتها لكم من الطلاق للعدّة، وإحصاء العدّة، والأمر باتقاء الله، وأن لا
تخرج المطلقة من بيتها، إلا أن تأتي بفاحشة مبينة حدود الله التي حدّها لكم أيها
الناس فلا تعتدوها (
وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) يقول تعالى ذكره: ومن يتجاوز
حدود الله التي حدّها لخلقه فقد ظلم نفسه: يقول: فقد أكسب نفسه وزرًا، فصار بذلك
لها ظالما، وعليها متعدّيا.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
عليّ بن عبد الأعلى، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن جويبر، عن الضحاك
في قول الله ( وَتِلْكَ
حُدُودُ اللَّهِ ) يقول:
تلك طاعة الله فلا تعتدوها، قال: يقول: من كان على غير هذه فقد ظلم نفسه.
وقوله: ( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ
يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) يقول
جلّ ثناؤه: لا تدري ما الذي يحدث؟ لعل الله يحدث بعد طلاقكم إياهنّ رجعة.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ، أن فاطمة بنت قيس كانت
تحت أَبي حفص المخزومي، وكان النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أمَّر عليًا على
بعض اليمن، فخرج معه، فبعث إليها بتطليقة كانت لها، وأمر عياش بن أبي ربيعة
المخزومي، والحارث بن هشام أن ينفقا عليها، فقالا لا والله ما لها علينا نفقة، إلا
أن تكون حاملا فأتت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فذكرت ذلك له، فلم يجعل
لها نفقة إلا أن تكون حاملا واستأذنته في الانتقال، فقالت: أين انتقل يا رسول
الله؟ قال: « عِنْدَ
ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ » ، وكان
أعمى، تضع ثيابها عنده، ولا يبصرها؛ فلم تزل هنالك حتى أنكحها النبيّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم أُسامة بن زيد حين مضت عدتها، فأرسل إليها مروان بن الحكم
يسألها عن هذا الحديث، فأخبرته، فقال مروان: لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة،
وسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها، فقالت فاطمة: بيني وبينكم الكتاب، قال
الله جلّ ثناؤه: (
فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) حتى
بلغ (
لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) قالت: فأي أمر يحدث بعد الثلاث، وإنما هو في مراجعة الرجل
امرأته، وكيف تحبس امرأة بغير نفقة؟
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) قال:
هذا في مراجعة الرجل امرأته.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ
أَمْرًا ) : أي
مراجعة.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ
يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) قال:
يراجعها في بيتها هذا في الواحدة والثنتين، هو أبعد من الزنى.
قال
سعيد، وقال الحسن: هذا في الواحدة والثنتين، وما يحدث الله بعد الثلاث.
حدثنا
يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، قال: سمعت الحسن وعكرمة يقولان:
المطلقة ثلاثًا، والمتوفى عنها لا سكنى لها ولا نفقة؛ قال: فقال عكرمة ( لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) فقال:
ما يحدث بعد الثلاث.
حدثنا
عليّ بن عبد الأعلى المحاربيّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جويبر،
عن الضحاك في قوله: (
لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) يقول: لعلّ الرجل يراجعها في عدتها.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ
يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) هذا ما
كان له عليها رجعة.
حدثنا
أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ
أَمْرًا ) قال:
الرجعة.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ
بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) قال:
لعلّ الله يحدث في قلبك تراجع زوجتك؛ قال: قال: ومن طلق للعدّة جعل الله له في ذلك
فسحة، وجعل له ملكًا إن أراد أن يرتجع قبل أن تنقضي العدّة ارتجع.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) قال: لعله يراجعها.
وقوله: ( فَإِذَا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ ) يقول
تعالى ذكره: فإذا بلغ المطلقات اللواتي هنّ في عدة أجلهنّ وذلك حين قرب انقضاء
عددهنّ (
فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) يقول:
فأمسكوهنّ برجعة تراجعوهن، إن أردتم ذلك بمَعْرُوف، يقول: بما أمرك الله به من
الإمساك وذلك بإعطائها الحقوق التي أوجبها الله عليه لها من النفقة والكسوة
والمسكن وحُسن الصحبة، أو فارقوهنّ بمعروف، أو اتركوهنّ حتى تنقضي عددهنّ، فتبين
منكم بمعروف، يعني بإيفائها ما لها من حق قبله من الصداق والمتعة على ما أوجب عليه
لها.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ بن عبد الأعلى، قال: ثني المحاربي بن عبد الرحمن بن محمد، عن جويبر، عن
الضحاك، قوله: (
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ) يقول:
إذا انقضت عدتها قبل أن تغتسل من الحيضة الثالثة، أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض،
يقول: فراجع إن كنت تريد المراجعة قبل أن تنقضي العدّة بإمساك بمعروف، والمعروف أن
تحسن صحبتها أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ والتسريح بإحسان: أن يدعها حتى تمضي
عدتها، ويعطيها مهرًا إن كان لها عليه إذا طلقها، فذلك التسريح بإحسان، والمُتعة
على قدر الميسرة.
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( فَإِذَا بَلَغْنَ
أَجَلَهُنَّ ) قال:
إذا طلقها واحدة أو ثنتين، يشاء أن يمسكها بمعروف، أو يسرّحها بإحسان.
وقوله: ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ
مِنْكُمْ )
وأشهدوا على الإمساك إن أمسكتموهنّ، وذلك هو الرجعة ذوي عدل منكم، وهما اللذان
يرضى دينهما وأمانتهما.
وقد بينا
فيما مضى قبل معنى العدل بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، وذكرنا ما قال أهل
العلم فيه.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قال: إن أراد
مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها، أشهد رجلين كما قال الله ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ
مِنْكُمْ ) عند
الطلاق وعند المراجعة، فإن راجعها فهي عنده على تطليقتين، وإن لم يراجعها فإذا
انقضت عدتها فقد بانت منه بواحدة، وهي أملك بنفسها، ثم تتزوّج من شاءت، هو أو
غيره.
حدثنا
أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) قال: على الطلاق والرجعة.
وقوله: ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ
لِلَّهِ ) يقول:
وأشهدوا على الحقّ إذا استشهدتم، وأدوها على صحة إذا أنتم دُعيتم إلى أدائها.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ
لِلَّهِ ) قال:
أشهدوا على الحقّ.
وقوله: ( ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) يقول تعالى ذكره: هذا الذي أمرتكم به، وعرَّفتكم من أمر الطلاق،
والواجب لبعضكم على بعض عند الفراق والإمساك عظة منا لكم، نعظ به من كان يؤمن
بالله واليوم الآخر، فيصدّق به.
وعُنِي
بقوله: ( مَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ) من
كانت صفته الإيمان بالله، كالذي حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط عن
السديّ، ( مَنْ
كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ) قالَ: يؤمن به.
وقوله: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) يقول
تعالى ذكره: من يخف الله فيعمل بما أمره به، ويجتنب ما نهاه عنه، يجعل له من أمره
مخرجًا بأن يعرّفه بأن ما قضى فلا بدّ من أن يكون، وذلك أن المطلق إذا طلَّق، كما
ندبه الله إليه للعدّة، ولم يراجعها في عدتها حتى انقضت ثم تتبعها نفسه، جعل الله
له مخرجًا فيما تتبعها نفسه. بأن جعل له السبيل إلى خطبتها ونكاحها، ولو طلقها
ثلاثًا لم يكن له إلى ذلك سبيل.
وقوله: ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا
يَحْتَسِبُ ) يقول:
ويسبب له أسباب الرزق من حيث لا يشعر، ولا يعلم.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وذكر بعضهم أن هده الآية نـزلت بسبب عوف بن
مالك الأشجعيّ.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أَبو كُرَيب، قال: ثنا ابن صَلْت، عن قيس، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق عن
عبد الله، في قوله: (
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) قال: يعلم أنه من عند الله، وأن الله هو الذي يعطي ويمنع.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أَبي الضحى، عن
مسروق (
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) قال: المخرج أن يعلم أن الله تبارك وتعالى لو شاء أعطاه وإن
شاء منعه، (
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) قال: من حيث لا يدري.
حدثني
أَبو السائب، قال: ثنا أَبو معاوية، عن الأعمش، عن أَبي الضحى، عن مسروق، مثله.
حدثني
عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) يقول:
نجاته من كل كرب في الدنيا والآخرة، ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) .
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الربيع بن المنذر، عن أبيه، عن
الربيع بن خثيم (
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) قال: من كلّ شيء ضاق على الناس.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) قال:
من طلق كما أمره الله يجعل له مخرجًا.
حدثني
عليّ بن عبد الأعلى المحاربيّ، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن جويبر،
عن الضحاك في قوله: (
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) ومن يتق الله يجعل له من أمره يُسرًا، قال: يعني بالمخرج
واليُسر إذا طلق واحدة ثم سكت عنها، فإن شاء راجعها بشهادة رجلين عدلين، فذلك
اليُسر الذي قال الله، وإن مضت عدتها ولم يراجعها، كان خاطبًا من الخطاب، وهذا
الذي أمر الله به، وهكذا طلاق السنة فأما من طلق عند كلّ حيضة فقد أخطأ السنة،
وعصى الربّ، وأخذ بالعسر.
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) قال:
يطلق للسُّنة، ويراجع للسُّنة؛ زعم أن رجلا من أصحاب النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم يقال له عوف الأشجعيّ، كان له ابن، وأن المشركين أسروه، فكان فيهم، فكان
أبوه يأتي النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فيشكوا إليه مكان ابنه، وحالته
التي هو بها وحاجته، فكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يأمره بالصبر
ويقول له: إن الله سيجعل له مخرجا، فلم يلبث بعد ذلك إلا يسيرًا إذا انفلت ابنه من
أيدي العدوّ، فمرّ بغنم من أغنام العدوّ فاستاقها، فجاء بها إلى أبيه، وجاء معه
بغنًى قد أصابه من الغنم، فنـزلت هذه الآية: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) .
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عمار بن أبي معاوية الدهنّي، عن سالم بن
أبي الجعد (
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) قال: نـزلت في رجل من أشجع جاء إلى النبيّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو مجهود، فسأله فقال له النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلَّم: « اتَّقِ
اللهَ وَاصْبِرْ » ، قال:
قد فعلت، فأتى قومه، فقالوا: ماذا قال لك؟ قال: قال: « اتق الله واصبر » ، فقلت: قد فعلت حتى قال ذلك
ثلاثًا، فرجع فإذا هو بابنه كان أسيرًا في بني فلان من العرب، فجاء معه بأعنـز
فرجع إلى النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: إن ابني كان أسيرًا في بني
فلان، وإنه جاء بأعنـز فطابت لنا؟ قال: « نعم » .
قال: ثنا
حكام، قال: ثنا عمرو، عن عمار الدهنّي، عن سالم بن أَبي الجعد في قوله: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) قال:
نـزلت في رجل من أشجع أصابه الجهد، فأتى النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم فقال
له: « اتَّقِ
اللهَ وَاصْبِرْ » ، فرجع
فوجد ابنًا له كان أسيرًا، قد فكه الله من أيديهم، وأصاب أعنـزا، فجاء، فذكر ذلك
لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، فقال: هل تطيبُ لي يا رسول الله؟ قال: « نَعَم » .
قال: ثنا
مهران، عن سفيان، عن ابن المنذر الثوريّ، عن أبيه، عن الربيع بن خثيم ( يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) قال: من كلّ شيء ضاق على
الناس.
قال: ثنا
مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن أَبي الضحى، عن مسروق ( يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) قال: يعلم أن الله إن شاء
منعه، وإن شاء أعطاه (
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) يقول: من حيث لا يدري.
قال: ثنا
مهران، عن سعيد بن أَبي عَروبة، عن قتادة ( يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ) قال: من شُبُهَات الأمور، والكرب عند الموت ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا
يَحْتَسِبُ ) : من
حيث لا يرجو ولا يؤمل.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) لا يأمل ولا يرجو.
وقوله: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )
يقول
تعالى ذكره: ومن يتق الله في أموره، ويفوّضها إليه فهو كافيه.
وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ
أَمْرِهِ ) منقطع
عن قوله: (
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) . ومعنى ذلك: إن الله بالغ
أمره بكل حال توكل عليه العبد أو لم يتوكل عليه.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أَبي الضحى، عن
مسروق (
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ
) توكل
عليه أو لم يتوكل عليه، غير أن المتوكل يُكَفِّرْ عنه سيئاته، ويُعظِم له أجرًا.
حدثنا
أَبو السائب، قال: ثنا أَبو معاوية، عن الأعمش، عن أَبي الضحى، عن مسروق بنحوه.
حدثنا
أَبو كريب، قال: ثنا ابن صلت عن قيس، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد
الله (
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) قال: ليس بمتوكل الذي قد
قُضيت حاجته، وجعل فضل من توكل عليه على من لم يتوكل أن يكفرَ عنه سيئاته، ويُعظم
له أجرًا.
قال: ثنا
جرير، عن منصور، عن الشعبيّ، قال: تجالس شُتير بن شكل ومسروق، فقال شُتير: إما أن
تحدّث ما سمعت من ابن مسعود فأصدّقك، وإما أن أحدث فتصدّقني؟ قال مسروق: لا بل
حدّث فأصدّقك، فقال: سمعت ابن مسعود يقول: إن أكبر آية في القرآن تفوّضًا : ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ) قال
مسروق: صدقت.
وقوله: ( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ
شَيْءٍ قَدْرًا ) يقول
تعالى ذكره: قد جعل الله لكلّ شيء من الطلاق والعدّة وغير ذلك حدًا وأجلا وقدرًا
يُنتهى إليه.
وبنحو الذي
قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
أَبو السائب، قال: ثنا أَبو معاوية، عن الأعمش، عن أَبي الضحى، عن مسروق ( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ
شَيْءٍ قَدْرًا ) قال:
أجلا.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن
مسروق ( قَدْ
جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) قال: منتهى.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن أَبي الضحى، عن مسروق مثله.
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ
شَيْءٍ قَدْرًا ) قال:
الحيض في الأجل والعدّة.
القول
في تأويل قوله تعالى : وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ
الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ
وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ( 4 )
يقول
تعالى ذكره: والنساء اللاتي قد ارتفع طمعهنّ عن المحيض، فلا يرجون أن يحضن من
نسائكم إن ارتبتم.
واختلف
أهل التأويل في معنى قوله: ( إِنِ
ارْتَبْتُمْ ) فقال
بعضهم: معنى ذلك: إن ارتبتم بالدم الذي يظهر منها لكبرها، أمن الحيض هو، أم من
الاستحاضة، فعِدَّتهنّ ثلاثة أشهر.
* ذكر من
قال ذكر:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) إن لم تعلموا التي قعدت عن
الحيضة، والتي لم تحض، فعدتهنّ ثلاثة أشهر.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهريّ ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) قال: في كبرها أن يكون ذلك من
الكبر، فإنها تعتدّ حين ترتاب ثلاثة أشهر؛ فأما إذا ارتفعت حيضة المرأة وهي شابة،
فإنه يتأنى بها حتى ينظر حامل هي أم غير حامل؟ فإن استبان حملها، فأجلها أن تضع
حملها، فإن لم يستبن حملها، فحتى يستبين بها، وأقصى ذلك سنة.
حدثنا
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ
الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ ) قال: إن ارتبت أنها لا تحيض
وقد ارتفعت حيضتها، أو ارتاب الرجال، أو قالت هي: تركتني الحيضة، فعدتهنّ ثلاثة
أشهر إن ارتاب، فلو كان الحمل انتَظَرَ الحملَ حتى تنقضي تسعة أشهر، فخاف وارتاب
هو، وهي أن تكون الحيضة قد انقطعت، فلا ينبغي لمسلمة أن تحبس، فاعتدت ثلاثة أشهر،
وجعل الله جلّ ثناؤه أيضًا للتي لم تحض الصغيرة ثلاثة أشهر.
حدثنا
ابن عبد الرحيم البَرْقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: أخبرنا أَبو معبد، قال:
سُئل سليمان عن المرتابة، قال: هي المرتابة التي قد قعدت من الولد تطلق، فتحيض
حيضة، فيأتي إبَّان حيضتها الثانية فلا تحيض؛ قال: تعتدّ حين ترتاب ثلاثة أشهر
مستقبلة؛ قال: فإن حاضت حيضتين ثم جاء إبان الثالثة فلم تحض اعتدّت حين ترتاب
ثلاثة أشهر مستقبلة، ولم يعتدّ بما مضى.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: إن ارتبتم بحكمهنّ فلم تدروا ما الحكم في عدتهنّ، فإن عدتهنّ
ثلاثة أشهر.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أَبو كُرَيب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا مطرف، عن عمرو بن سالم،
قال: « قال
أبيّ بن كعب: يا رسول الله إن عددًا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار
والكبار، وأولات الأحمال، فأنـزل الله ( وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ
ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ
الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) . »
وقال
آخرون: معنى ذلك: إن ارتبتم مما يظهر منهنّ من الدم، فلم تدروا أدم حيض، أم دم
مستحاضة من كبر كان ذلك أو علة؟
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، قال: إن من
الريبة: المرأة المستحاضة، والتي لا يستقيم لها الحيض، تحيض في الشهر مرارًا، وفي
الأشهر مرّة، فعدتها ثلاثة أشهر ، وهو قول قتادة. وأولى الأقوال في ذلك بالصحة قول
من قال: عُنِي بذلك: إن ارتبتم فلم تدروا ما الحكم فيهنّ، وذلك أن معنى ذلك لو كان
كما قاله من قال: إن ارتبتم بدمائهنّ فلم تدروا أدم حيض، أو استحاضة؟ لقيل: إن
ارتبتنّ لأنهنّ إذا أشكل الدم عليهنّ فهنّ المرتابات بدماء أنفسهنّ لا غيرهنّ، وفي
قوله: ( إِنِ
ارْتَبْتُمْ ) وخطابه
الرجال بذلك دون النساء الدليل الواضح على صحة ما قلنا من أن معناه: إن ارتبتم
أيها الرجال بالحكم فيهنّ؛ وأخرى وهو أنه جلّ ثناؤه قال: ( وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ
مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ ) واليائسة من المحيض هي التي لا ترجو محيضًا للكبر، ومحال أن
يقال: واللائي يئسن، ثم يقال: ارتبتم بيأسهنّ، لأن اليأس: هو انقطاع الرجاء
والمرتاب بيأسها مرجوّ لها، وغير جائز ارتفاع الرجاء ووجوده في وقت واحد، فإذا كان
الصواب من القول في ذلك ما قلنا، فبين أن تأويل الآية: واللائي يئسن من المحيض من
نسائكم إن ارتبتم بالحكم فيهنّ، وفي عِددهنّ، فلم تدروا ما هنّ، فإن حكم عددهنّ
إذا طلقن، وهنّ ممن دخل بهنّ أزواجهنّ، فعدتهن ثلاثة أشهر ( وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ ) يقول: وكذلك عدد اللائي لم
يحضن من الجواري لصغر إذا طلقهنّ أزواجهنّ بعد الدخول.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ في قوله: ( وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ ) يقول: التي قد ارتفع حيضها،
فعدتها ثلاثة أشهر (
وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ ) قال:
الجواري.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ
الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ ) وهنّ
اللواتي قعدن من المحيض فلا يحضن، واللائي لم يحضن هنّ الأبكار التي لم يحضن،
فعدتهنّ ثلاثة أشهر.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ
الْمَحِيضِ ) ...
الآية، قال: القواعد من النساء (
وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ ) : لم
يبلغن المحيض، وقد مُسِسْن، عدتهنّ ثلاثة.
وقوله: ( وَأُولاتُ الأحْمَالِ
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) في انقضاء عدتهنّ أن يضعن حملهنَّ، وذلك إجماع من جميع أهل
العلم في المطلقة الحامل، فأما في المتوفى عنها ففيها اختلاف بين أهل العلم.
وقد ذكرنا
اختلافهم فيما مضى من كتابنا هذا، وسنذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكره هنالك.
ذكر من
قال: حكم قوله: (
وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) عام في المطلَّقات والمتوفى
عنهنّ.
حدثنا
زكريا بن يحيى بن أبان المصريّ، قال: ثنا سعيد بن أبي مريم، قال: ثنا محمد بن
جعفر، قال: ثني ابن شبرمة الكوفي، عن إبراهيم، عن علقمة، عن قيس أن ابن مسعود قال:
من شاء لاعنته، ما نـزلت: (
وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) إلا بعد آية المتوفى عنها
زوجها، وإذا وضعت المتوفي عنها فقد حلت؛ يريد بآية المتوفي عنها وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا .
حدثنا
أَبو كريب، قال: ثنا مالك، يعني ابن إسماعيل، عن ابن عيينة، عن أيوب، عن ابن سيرين
عن أَبي عطية قال: سمعت ابن مسعود يقول: من شاء قاسمته نـزلت سورة النساء
القُصْرَي بعدها، يعني بعد أربعة أشهر وعشرًا.
حدثني
يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا أيوب، عن محمد، قال: لقيت أبا
عطية مالك بن عامر، فسألته عن ذلك، يعني عن المتوفى عنها زوجها إذا وضعت قبل الأربعة
أشهر والعشر، فأخذ يحدثني بحديث سُبيعة، قلت: لا هل سمعت من عبد الله في ذلك
شيئًا؟ قال: نعم، ذكرت ذات يوم أو ذات ليلة عند عبد الله، فقال: أرأيت إن مضت
الأربعة أشهر والعشر ولم تضع أقد أحلَّت؟ قالوا: لا قال: أفتجعلون عليها التغليظ،
ولا تجعلون لها الرخصة، فو الله لأنـزلت النساء القُصْرَى بعد الطُّولَى.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، قال: قال الشعبيُّ: من شاء حالفته لأنـزلت
النساء القُصْرَى بعد الأربعة الأشهر والعشر التي في سورة البقرة.
حدثني
أحمد بن منيع، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي،
قال: ذكر عبد الله بن مسعود آخر الأجلين، فقال: من شاء قاسمته بالله أن هذه الآية
التي أنـزلت في النساء القُصْرَى نـزلت بعد الأربعة الأشهر، ثم قال: أجل الحامل أن
تضع ما في بطنها.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مُغيرة، قال: قلت للشعبي: ما أصدّق أن عليًا رضي الله
عنه كان يقول: آخر الأجلين أن لا تتزوّج المتوفى عنها زوحها حتى يمضي آخر الأجلين؛
قال الشعبيّ: بلى وصدق أشدّ ما صدّقت بشيء قط؛ وقال عليّ رضي الله عنه إنما قوله:
(
وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) المطلقات، ثم قال: إن عليًا
رضي الله عنه وعبد الله كانا يقولان في الطلاق بحلول أجلها إذا وضعت حملها.
حدثنا
أَبو كريب، قال: ثنا موسى بن داود، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن
المسيب، عن أُبيّ بن كعب، قال: لما نـزلت هذه الآية: ( وَأُولاتُ الأحْمَالِ
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) قال: قلت: يا رسول الله، المتوفى عنها زوجها والمطلقة، قال:
« نَعَمْ
» .
حدثنا
أَبو كُرَيب، قال: ثنا مالك بن إسماعيل، عن ابن عيينة، عن عبد الكريم بن أبي
المخارق، يحدث عن أُبيّ بن كعب، قال: « سألت رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم عن ( وَأُولاتُ الأحْمَالِ
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) قال: أجَلُ كُلّ حامِل أن تضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا » .
حدثني
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: ( وَأُولاتُ الأحْمَالِ
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) قال: للمرأة الحُبلى التي يطلقها زوجها وهي حامل، فعدتها أن
تضع حملها.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ ) فإذا وضعت
ما في رحمها فقد انقضت عدتها، ليس المحيض من أمرها في شيء إذا كانت حاملا.
وقال
آخرون: ذلك خاصّ في المطلقات، وأما المتوفى عنها فإن عدتها آخر الأجلين، وذلك قول
مرويّ عن عليّ وابن عباس رضي الله عنهما.
وقد
ذكرنا الرواية بذلك عنهما فيما مضى قبل.
والصواب
من القول فى ذلك أنه عامّ في المطلقات والمتوفى عنهنّ، لأن الله جلّ وعزّ، عمّ
بقوله بذلك فقال: (
وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ولم يخصص بذلك الخبر عن مطلقة
دون متوفى عنها، بل عمّ الخبر به عن جميع أولات الأحمال، إن ظنّ ظانّ أن قوله: ( وَأُولاتُ الأحْمَالِ
أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) في سياق الخبر عن أحكام المطلقات دون المتوفى عنهنّ، فهو
بالخبر عن حكم المطلقة أولى بالخبر عنهنّ، وعن المتوفى عنهنّ، فإن الأمر بخلاف ما
ظنّ، وذلك أن ذلك وإن كان في سياق الخبر عن أحكام المطلقات، فإنه منقطع عن الخبر
عن أحكام المطلقات، بل هو خبر مبتدأ عن أحكام عدد جميع أولات الأحمال المطلقات
منهنّ وغير المطلقات، ولا دلالة على أنه مراد به بعض الحوامل دون بعض من خبر ولا
عقل، فهو على عمومه لما بيَّنا.
وقوله: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ) يقول جلّ ثناؤه: ومن يخف الله فرهبه، فاجتنب معاصيه، وأدّى
فرائضه، ولم يخالف إذنه في طلاق امرأته، فإنه يجعل الله له من طلاقه ذلك يسرًا،
وهو أن يسهل عليه إن أراد الرخصة لاتباع نفسه إياها الرجعة ما دامت في عدتها وإن
انقضت عدتها، ثم دعته نفسه إليها قدر على خطبتها.
القول
في تأويل قوله تعالى : ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ
أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ
وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ( 5 )
يقول
تعالى ذكره: هذا الذي بيَّنت لكم من حكم الطلاق والرجعة والعدّة، أمر الله الذي
أمركم به، أنـزله إليكم أيها الناس، لتأتمروا له، وتعملوا به.
وقوله: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ ) يقول:
ومن يخف الله فيتقه باجتناب معاصيه، وأداء فرائضه، يمح الله عنه ذنوبه وسيئات
أعماله (
وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ) يقول:
ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه، ومن إعظامه له الأجر عليه أن يدُخله جنته،
فيخلده فيها.
القول
في تأويل قوله تعالى : أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ
كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ
بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ( 6 ) لِيُنْفِقْ ذُو
سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ
اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ
عُسْرٍ يُسْرًا ( 7 )
يقول
تعالى ذكره: اسكنوا مطلقات نسائكم من الموضع الذي سكنتم ( مِنْ وُجْدِكُمْ ) : يقول: من سعتكم التي تجدون؛
وإنما أمر الرجال أن يعطوهنّ مسكنًا يسكنه مما يجدونه، حتى يقضين عِددَهنّ.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: (
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) يقول: من سعتكم.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ( مِنْ وُجْدِكُمْ ) قال: من سعتكم.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) قال:
من سعتكم.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، قوله: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ
وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) فإن لم تجد إلا ناحية بيتك فأسكنها فيه.
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدّي، في قوله: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) قال:
المرأة يطلقها، فعليه أن يسكنها، وينفق عليها.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ
سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) قال:
من مقدرتك حيث تقدر، فإن كنت لا تجد شيئًا، وكنت في مسكن ليس لك، فجاء أمر أخرجك
من المسكن، وليس لك مسكن تسكن فيه، وليس تجد فذاك، وإذا كان به قوّة على الكراء فذاك
وجده، لا يخرجها من منـزلها، وإذا لم يجد وقال صاحب المسكن: لا أنـزل هذه في بيتي
فلا وإذا كان يجد، كان ذلك عليه.
وقوله: ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ
لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ )
يقول جلّ
ثناؤه: ولا تضاروهنّ في المسكن الذي تسكنونهنّ فيه، وأنتم تجدون سعة من المنازل أن
تطلبوا التضييق عليهنّ، فذلك قوله: ( لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) يعني: لتضيقوا عليهنّ في
المسكن مع وجودكم السعة.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ
لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) قال:
في المسكن.
حدثني
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( مِنْ وُجْدِكُمْ ) قال: من ملككم، من مقدرتكم.
وفي
قوله: ( وَلا
تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) قال: لتضيقوا عليهن مساكنهنّ حتى يخرجن.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان: ( وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) قال: ليس ينبغي له أن يضارّها
ويضيق عليها مكانها (
حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) هذا
لمن يملك الرجعة، ولمن لا يملك الرجعة.
وقوله: ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ
فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) يقول تعالى ذكره: وإن كان
نساؤكم المطلقات أولات حمل وكنّ بائنات منكم، فأنفقوا عليهنّ في عدتهنّ منكم حتى
يضعن حملهنّ.
وبنحو الذي
قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ
فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) فهذه المرأة يطلقها زوجها،
فيبتّ طلاقها وهي حامل، فيأمره الله أن يسكنها، وينفق عليها حتى تضع، وإن أرضعت
فحتى تفطم، وإن أبان طلاقها، وليس بها حبل، فلها السكنى حتى تنقضي عدتها ولا نفقة،
وكذلك المرأة يموت عنها زوجها، فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ذي بطنها إذا
كان ميراث، وإن لم يكن ميراث أنفق عليها الوارث حتى تضع وتفطم ولدها كما قال الله
عزّ وجلّ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فإن لم تكن حاملا فإن نفقتها كانت من
مالها.
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ
فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) قال: ينفق على الحبلى إذا
كانت حاملا حتى تضع حملها.
وقال
آخرون: عُنِيَ بقوله: (
وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ
حَمْلَهُنَّ ) كلّ
مطلقة، ملك زوجُها رجْعَتَهَا أو لم يملك.
وممن قال
ذلك: عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.
* ذكر
الرواية عنهما بذلك:
حدثني
أَبو السائب، قال: ثنا أَبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان عمر وعبد
الله يجعلان للمطلقة ثلاثًا: السكنى، والنفقة، والمتعة. وكان عمر إذا ذكر عنده
حديث فاطمة بنت قيس أن النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أمرها أن تعتدّ في
غير بيت زوجها، قال: ما كنا لنجيز في ديننا شهادة امرأة.
حدثني
نصر بن عبد الرحمن الأوْدِيّ، قال: ثنا يحيى بن إبراهيم، عن عيسى بن قرطاس، قال:
سمعت عليّ بن الحسين يقول في المطلقة ثلاثًا: لها السكنى، والنفقة والمتعة، فإن
خرجت من بيتها فلا سكنى ولا نفقة ولا متعة.
حدثنا
يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: للمطلقة
ثلاثًا: السكنى والنفقة.
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم، قال: إذا
طلق الرجل ثلاثًا، فإن لها السكنى والنفقة.
والصواب
من القول في ذلك عندنا أن لا نفقة للمبتوتة إلا أن تكون حاملا لأن الله جلّ ثناؤه
جعل النفقة بقوله: ( وإن
كن أولات حمل فأنفقوا عليهن )
للحوامل دون غيرهنّ من البائنات من أزواجهن ولو كان البوائن من الحوامل وغير الحوامل
في الواجب لهنّ من النفقة على أزواجهنّ سواء، لم يكن لخصوص أولات الأحمال بالذكر
في هذا الموضع وجه مفهوم، إذ هنّ وغيرهنّ في ذلك سواء، وفي خصوصهن بالذكر دون
غيرهنّ أدل الدليل على أن لا نفقة لبائن إلا أن تكون حاملا.
وبالذي
قلنا في ذلك صحّ الخبر عن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثني
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا بشر بن بكر، عن الأوزاعيّ، قال: ثنا يحيى
بن أبي كثير، قال: ثني أَبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: حدثتني فاطمة بنت قيس أخت
الضحاك بن قيس أن أبا عمرو المخزوميّ، طلقها ثلاثًا فأمر لها بنفقة فاستقلتها،
وكان رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بعثه نحو اليمن، فانطلق خالد بن
الوليد في نفر من بني مخزوم إلى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم وهو عند
ميمونة، فقال: يا رسول الله إن أبا عمرو طلق فاطمة ثلاثًا، فهل لها من نفقة؟ فقال
رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: « لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ » ، فأرسل إليها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أن
انتقلي إلى بيت أمّ شريك وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك، ثم أرسل إليها أنّ أمّ
شريك يأتيها المهاجرون الأوّلون، فانتقلي إلى ابن أم مكتوم، فإنك إذا وضعت خمارك
لم يرك، فزوّجها رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم أُسامة بن زيد.
وقوله: ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) يقول
جلّ ثناؤه: فإن أرضع لكم نساؤكم البوائن منكم أولادهنّ الأطفال منكم بأجرة،
فآتوهنّ أجورهن على رضاعهنّ إياهم.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك أنه قال في الرضاع: إذا قام
على شيء فأُمّ الصبيّ أحقّ به، فإن شاءت أرضعته، وإن شاءت تركته إلا أن لا يقبل من
غيرها، فإذا كان كذلك أُجْبِرت على رضاعه.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) هي
أحقّ بولدها أن تأخذه بما كنت مسترضعًا به غيرَها.
حدثنا
محمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) قال: ما تراضوا عليه عَلَى
الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ .
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في الصبيّ إذا قام على
ثمن فأمه أحق أن ترضعه، فإن لم يجد له من يرضعه أجبرت الأم على الرضاع.
قال: ثنا
مهران، عن سفيان (
فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) قال:
إن أرضعت لك بأحر فهي أحقّ من غيرها، وإن هي أبت أن ترضعه ولم تواتك فيما بينك
وبينها عاسرتك في الأجر فاسترضع له أخرى.
وقوله: ( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ
بِمَعْرُوفٍ ) يقول
تعالى ذكره: وليقبل بعضكم أيها الناس من بعض ما أمركم بعضكم به بعضا من معروف.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ
بِمَعْرُوفٍ ) قال:
اصنعوا المعروف فيما بينكم.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ) حثّ بعضهم على بعض.
وقوله: ( وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ
فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) يقول:
وإن تعاسر الرجل والمرأة في رضاع ولدها منه، فامتنعت من رضاعه، فلا سبيل له عليها،
وليس له إكراهها على إرضاعه، ولكنه يستأجر للصبيّ مرضعة غير أمه البائنة منه.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ
فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) قال:
إن أبت الأم أن ترضع ولدها إذا طلقها أبوه التمس له مرضعة أخرى، الأمّ أحق إذا
رضيت من أجر الرضاع بما يرضى به غيرها، فلا ينبغي له أن ينتزع منها.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: إن هي أبت أن ترضعه ولم تواتك فيما
بينها وبينك عاسرتك في الأجر، فاسترضع له أخرى.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد في قول الله: ( وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ
فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) قال: فرض لها من قدر ما يجد،
فقالت: لا أرضى هذا؛ قال: وهذا بعد الفراق، فأما وهي زوجته فإنها ترضع له طائعة
ومكرهة إن شاءت وإن أبت، فقال لها: ليس لي زيادة على هذا إن أحببت أن ترضعي بهذا
فأرضعي، وإن كرهت استرضعت ولدي، فهذا قوله: ( وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى ) .
وقوله: ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ
سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) يقول تعالى ذكره: لينفق الذي
بانت منه امرأته إذا كان ذا سعة من المال، وغني من سعة ماله وغناه على امرأته
البائنة في أجر رضاع ولده منها، وعلى ولده الصغير ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ
رِزْقُهُ ) يقول:
ومن ضيق عليه رزقه فلم يوسع عليه، فلينفق مما أعطاه الله على قدر ماله، وما أعطى
منه.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ) قال: من سعة موجده، قال: ( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ
رِزْقُهُ ) قال:
من قتر عليه رزقه.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ) يقول: من طاقته.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ
سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) قال: فرض لها من قدر ما يجد.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن
قال: ثني ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ
سَعَتِهِ ) قال:
على المطلقة إذا أرضعت له.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أَبي سنان، قال: سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن
أَبي عُبيدة، فقيل له: إنه يلبس الغليظ من الثياب، ويأكل أخشن الطعام، فبعث إليه
بألف دينار، وقال للرسول: انظر ما يصنع إذا هو أخذها، فما لبث أن لبس ألين الثياب،
وأكل أطيب الطعام، فجاء الرسول فأخبره، فقال رحمه الله: تأول هذه الآية ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ
سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) .
وقوله: ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا )
يقول: لا
يكلف الله أحدًا من النفقة على من تلزمه نفقته بالقرابة والرحم إلا ما أعطاه، إن
كان ذا سعة فمن سعته، وإن كان مقدورًا عن رزقه فمما رزقه الله على قدر طاقته، لا
يُكلف الفقير نفقة الغنيّ، ولا أحد من خلقه إلا فرضه الذي أوجبه عليه.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا ) قال: يقول:
لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغنيّ.
حدثنا
عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان، عن هشيم ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا ) قال:
إلا ما افترض عليها.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا ) يقول: إلا ما أطاقت.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ
نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا ) قال:
لا يكلفه الله أن يتصدّق وليس عنده ما يتصدّق به، ولا يكلفه الله أن يزكي وليس
عنده ما يزكي.
القول
في تأويل قوله تعالى : وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ
عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا
وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ( 8 ) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ
عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا ( 9 )
يقول
تعالى ذكره: سَيَجْعَلُ اللَّهُ للمقلّ من المال المقدور عليه رزقه بَعْدَ عُسْرٍ
يُسْرًا يقول: من بعد شدّة رخاء، ومن بعد ضيق سعة، ومن بعد فقر غنى.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا بعد
الشدة الرخاء.
وقوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ
عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ) يقول تعالى ذكره: وكأين من أهل قرية طغوا عن أمر ربهم
وخالفوه، وعن أمر رسل ربهم، فتمادوا في طغيانهم وعتّوهم، ولجوا في كفرهم.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط عن السدي، في قوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ
عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ) قال: غَيَّرت وَعَصَت.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ
عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا ) قال: العتو هاهنا الكفر
والمعصية، عتُوّا: كفرًا، وعتت عن أمر ربها: تركته ولم تقبله.
وقيل:
إنهم كانوا قومًا خالفوا أمر ربهم في الطلاق، فتوعد الله بالخبر عنهم هذه الأمة أن
يفعل بهم فعله بهم إن خالفوا أمره في ذلك.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت عمر بن سليمان يقول
في قوله: (
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ) قال: قرية عذّبت في الطلاق.
وقوله: ( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا
شَدِيدًا ) يقول:
فحاسبناها على نعمتنا عندها وشكرها حسابًا شديدًا، يقول: حسابًا استقصينا فيه
عليهم، لم نعف لهم فيه عن شيء، ولم نتجاوز فيه عنهم.
كما
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، قوله: ( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا
شَدِيدًا ) قال:
لم نعف عنها الحساب الشديد الذي ليس فيه من العفو شيء.
حدثني
عليّ، قال: ثنا أَبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا
شَدِيدًا ) يقول:
لم نرحم.
وقوله: ( وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا
نُكْرًا ) يقول:
وعذبناها عذابًا عظيمًا منكرًا، وذلك عذاب جهنم.
وقوله: ( فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا
) يقول:
فذاقت هذه القرية التي عتت عن أمر ربها ورسله، عاقبة ما عملت وأتت من معاصي الله
والكفر به.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: ( فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا
) قال:
عقوبة أمرها.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله: ( فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا
) قال:
ذاقت عاقبة ما عملت من الشرّ، الوبال: العاقبة.
حدثنا بشر،
قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا ) يقول: عاقبة أمرها.
حدثنا
محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا
) قال:
جزاء أمرها.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: (
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا ) يعني
بوبال أمرها: جزاء أمرها الذي قد حلّ.
وقوله: ( وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا
خُسْرًا ) يقول تعالى
ذكره: وكان الذي أعقب أمرهم، وذلك كفرهم بالله وعصيانهم إياه خسرًا: يعني غَبْنا،
لأنهم باعوا نعيم الآخرة بخسيس من الدنيا قليل، وآثروا اتباع أهوائهم على اتباع
أمر الله.
القول
في تأويل قوله تعالى : أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ
عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا
قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ( 10 ) رَسُولا يَتْلُو عَلَيْكُمْ
آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ
يقول
تعالى ذكره: أعد الله لهؤلاء القوم الذين عتوا عن أمر ربهم ورسله عذابًا شديدًا،
وذلك عذاب النار الذي أعدّه لهم في القيامة ( فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الألْبَابِ ) يقول تعالى ذكره: فخافوا
الله، واحذروا سخطه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه يا أولي العقول.
كما
حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا
أُولِي الألْبَابِ ) قال:
يا أولي العقول.
وقوله: ( الَّذِينَ آمَنُوا ) يقول: الذين صدقوا الله
ورسله.
وقوله: ( قَدْ أَنـزلَ اللَّهُ
إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولا ) اختلف
أهل التأويل في المعني بالذكر والرسول في هذا الموضع، فقال بعضهم: الذكر هو
القرآن، والرسول محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: ( قَدْ أَنـزلَ اللَّهُ
إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولا ) قال:
الذكر: القرآن، والرسول: محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله عزّ وجلّ: ( قَدْ أَنـزلَ اللَّهُ
إِلَيْكُمْ ذِكْرًا ) قال:
القرآن روح من الله، وقرأ: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا
إلى آخر الآية، وقرأ: ( قَدْ
أَنـزلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولا ) قال: القرآن، وقرأ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ
لَمَّا جَاءَهُمْ قال: بالقرآن، وقرأ إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ قال:
القرآن، قال: وهو الذكر، وهو الروح.
وقال
آخرون: الذكر: هو الرسول.
والصواب
من القول في ذلك أن الرسول ترجمة عن الذكر، ذلك نصب لأنه مردود عليه على البيان
عنه والترجمة.
فتأويل
الكلام إذن: قد أنـزل الله إليكم يا أولي الألباب ذكرًا من الله لكم يذكركم به،
وينبهكم على حظكم من الإيمان بالله، والعمل بطاعته، رسولا يتلو عليكم آيات الله
التي أنـزلها عليه (
مُبَيِّنَاتٍ ) يقول:
مبينات لمن سمعها وتدبرها أنها من عند الله.
القول
في تأويل قوله تعالى : لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا ( 11 )
يقول
تعالى ذكره: قد أنـزل الله إليكم أيها الناس ذكرًا رسولا يتلو عليكم آيات الله
مبينات، كي يخرج الذين صدّقوا الله ورسوله: ( وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) يقول: وعملوا بما أمرهم الله به وأطاعوه ( مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ ) يعني
من الكفر وهي الظلمات، إلى النور يعني إلى الإيمان.
وقوله: ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ
وَيَعْمَلْ صَالِحًا ) يقول:
ومن يصدّق بالله ويعمل بطاعته (
يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ) يقول: يُدخله بساتين تجري من
تحت أشجارها الأنهار (
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) يقول:
ماكثين مقيمين في البساتين التي تجري من تحتها الأنهار أبدًا، لا يموتون، ولا
يخرجون منها أبدًا.
وقوله: ( قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ
رِزْقًا ) يقول:
قد وسع الله له في الجنات رزقًا، يعني بالرزق: ما رزقه فيها من المطاعم والمشارب،
وسائر ما أعدّ لأوليائه فيها، فطيبه لهم.
القول
في تأويل قوله تعالى : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ
لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ
أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ( 12 )
يقول
تعالى ذكره: (
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ) لا ما يعبده المشركون من الآلهة والأوثان التي لا تقدر على
خلق شيء.
وقوله: ( وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ ) يقول: وخلق من الأرض مثلهنّ
لما في كلّ واحدة منهنّ مثل ما في السموات من الخلق.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عمرو بن عليّ ومحمد بن المثنى، قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن
مرّة، عن أَبي الضحى، عن ابن عباس، قال في هذه الآية: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ ) قال عمرو: قال: في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من
الخلق. وقال ابن المثنى: في كلّ سماء إبراهيم.
حدثنا
عمرو بن عليّ، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا الأعمش، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن
ابن عباس، في قوله: (
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ ) قال: لو حدثتكم بتفسيرها
لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها.
حدثنا
أَبو كُرَيب، قال: ثنا أَبو بكر، عن عاصم، عن زِرّ، عن عبد الله، قال: خلق الله سبع
سموات غلظ كلّ واحدة مسيرة خمس مئة عام، وبين كلّ واحدة منهنّ خمس مئة عام، وفوق
السبع السموات الماء، والله جلّ ثناؤه فوق الماء، لا يخفى عليه شيء من أعمال بني
آدم. والأرض سبع، بين كلّ أرضين خمس مئة عام، وغلظ كلّ أرض خمس مئَة عام.
حدثنا
ابن حُمَيد، قال: ثنا يعقوب بن عبد الله بن سعد القُمي الأشعري، عن جعفر بن أبي
المُغيرة الخزاعي، عن سعيد بن جبَير، قال: قال رجل لابن عباس ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ ) ... الآية، فقال ابن عباس: ما يؤمنك أن أخبرك بها فتكفر.
قال: ثنا
عباس، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد، قال: هذه الأرض إلى تلك مثل الفسطاط ضربته في
فلاة، وهذه السماء إلى تلك السماء، مثل حلقة رميت بها في أرض فلاة.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أَبي جعفر، عن الربيع بن أنس، قال: السماء أوّلها موج
مكفوف؛ والثانية صخرة؛ والثالثة حديد؛ والرابعة نحاس؛ والخامسة فضة؛ والسادسة ذهب،
والسابعة ياقوتة.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا جرير بن حازم، قال: ثني حميد بن قيس، عن
مجاهد، قال: هذا البيت الكعبة رابع أربعة عشر بيتًا في كل سماء بيت، كل بيت منها
حذو صاحبه، لو وقع وقع عليه، وإن هذا الحرم حرمي بناؤه من السموات السبع والأرضين
السبع.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ
سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ ) خلق سبع سموات وسبع أرضين في كل سماء من سمائه، وأرض من
أرضه، خلق من خلقه وأمر من أمره، وقضاء من قضائه.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: بينا النبيّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم جالس مرّة مع أصحابه، إذ مرّت سحابة، فقال النبيّ صَلَّى الله
عَلَيْهِ وَسَلَّم « أتدرون
ما هَذَا؟ هَذِهِ العنَانُ، هَذِهِ رَوَايَا الأرْضِ يَسوُقُهَا اللهُ إلَى قَوْمٍ
لا يَعْبُدُونَهُ » ؛ قال: « أَتدْرُونَ مَا هَذِهِ
السَّمَاءُ؟ » قالوا:
الله ورسوله أعلم، قال: « هَذِهِ
السَّمَاءُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ » ؛ ثُم قال: « أَتَدْرُونَ مَا فَوْقَ
ذَلِك؟ » قالوا:
الله ورسوله أعلم، قال: « فَوْقَ
ذَلك سَمَاءٌ أُخْرَى » ، حتى
عدّ سبع سموات وهو يقول: «
أَتَدْرُونَ مَا بَيْنَهُمَا؟ خَمْس مِئَةِ سَنَةَ » ؛ ثم قال: « أَتَدْرُونَ مَا فَوْق ذَلك؟
» قالوا:
الله ورسوله أعلم، قال: « فَوْقَ
ذَلِكَ الْعَرْشُ » ، قال: « أتدرون ما بينهما؟ » قالوا: الله ورسوله أعلم قال: « بَينَهُمَا خَمْسُ مِائَةِ
سَنَةٍ » ؛ ثُمَّ
قَالَ: «
أَتَدْرُونَ مَا هذِهِ الأرْضُ؟ قالوا: الله وَرَسولُهُ أَعلم، قَالَ: » تَحْتَ ذِلكَ أَرْضٌ « ، قال: أَتَدْرُونَ كَمْ
بَيْنَهُمَا؟ قَالُوا: الله وَرسوله أَعلم. قال: » بَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ، حتى عدّ سبع
أرضين، ثم قال: «
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ دُلِي رَجُلٌ بِحَبْلٍ حَتى يَبْلُغَ أَسْفَلَ
الأرْضِينَ السَّابِعَةِ لَهَبَطَ عَلَى اللهِ » ؛ ثُم قَال: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ
وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: « التقى أربعة من الملائكة بين
السماء والأرض، فقال بعضهم لبعض: من أين جئت؟ قال أحدهم: أرْسلني ربي من السماء
السابعة، وتركته؛ ثمَّ، قال الآخر: أرسلني ربي من الأرض السابعة وتركته؛ ثمَّ، قال
الآخر: أرسلني ربي من المشرق وتركته؛ ثمَّ، قال الآخر: أرسلني ربي من المغرب
وتركته ثمَّ » .
وقوله: ( يَتَنـزلُ الأمْرُ
بَيْنَهُنَّ ) يقول
تعالى ذكره: يتنـزل أمر الله بين السماء السابعة والأرض السابعة.
كما
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أَبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا
الحسن قال: ثنا ورقاء جميعًا عن ابن أَبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( يَتَنـزلُ الأمْرُ
بَيْنَهُنَّ ) قال:
بين الأرض السابعة إلى السماء السابعة.
وقوله: ( لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) يقول
تعالى ذكره: ينـزل قضاء الله وأمره بين ذلك كي تعلموا أيها الناس كنه قدرته
وسلطانه، وأنه لا يتعذّر عليه شيء أراده، ولا يمتنع عليه أمر شاءه؛ ولكنه على ما
يشاء قدير، (
وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) يقول جلّ ثناؤه: ولتعلموا
أيها الناس أن الله بكل شيء من خلقه محيط علمًا، لا يعزُب عنه مثقالُ ذرّة في
الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر: يقول جلّ ثناؤه فخافوا أيها الناس
المخالفون أمر ربكم عقوبته، فإنه لا يمنعه من عقوبتكم مانع، وهو على ذلك قادر،
ومحيط أيضًا بأعمالكم، فلا يخفى عليه منها خاف، وهو محصيها عليكم، ليجازيكم بها،
يوم تجزى كلّ نفس ما كسبت.
آخر
تفسير سورة الطلاق