تفسير سورة القيامة
بسم الله الرحمن الرحيم
القول
في تأويل قوله تعالى : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ ( 1 ) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ( 2 ) أَيَحْسَبُ
الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ( 3 ) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ
نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ( 4 ) .
اختلفت
القرّاء في قراءة قوله: ( لا
أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) فقرأت
ذلك عامة قرّاء الأمصار: ( لا
أُقْسِمُ ) [ لا ] مفصولة من أقسم، سوى الحسن
والأعرج، فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرآن ذلك ( لأقسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ ) بمعنى: أقسم بيوم القيامة، ثم
أدخلت عليها لام القسم.
والقراءة
التي لا أستجيز غيرها في هذا الموضع « لا » مفصولة،
أقسم مبتدأة على ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليه.
وقد
اختلف الذين قرءوا ذلك على الوجه الذي اخترنا قراءته في تأويله، فقال بعضهم « لا » صلة، وإنما معنى الكلام: أقسم
بيوم القيامة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا أبو
هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم
بن يناق، عن سعيد بن جُبير ( لا
أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) قال:
أقسم بيوم القيامة.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جُبير
( لا
أُقْسِم ) قال:
أقسم.
وقال
آخرون منهم: بل دخلت « لا » توكيدًا للكلام.
ذكر
من قال ذلك:
سمعت أبا
هشام الرفاعي يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: قوله: ( لا أُقْسِمُ ) توكيد للقسم كقوله: لا والله.
وقال بعض نحويِّي الكوفة: لا ردّ لكلام قد مضى من كلام المشركين الذين كانوا
ينكرون الجنة والنار، ثم ابتدئ القسم، فقيل: أقسم بيوم القيامة، وكان يقول: كلّ
يمين قبلها ردّ لكلام، فلا بدّ من تقديم « لا » قبلها،
ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحدًا، واليمين التي تستأنف، ويقول: ألا ترى أنك
تقول مبتدئا: والله إن الرسول لحقّ; وإذا قلت: لا والله إن الرسول لحقّ، فكأنك
أكذبت قوما أنكروه.
واختلفوا
أيضا في ذلك، هل هو قسم أم لا؟ فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا بيوم القيامة،
وبالنفس اللوّامة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جبير، قال:
قال لي ابن عباس: ممن أنت ؟ فقلت: من أهل العراق، فقال: أيهم ؟ فقلت: من بني أسد،
فقال: من حريبهم ، أو ممن أنعم الله عليهم ؟ فقلت: لا بل ممن أنعم الله عليهم،
فقال لي: سل، فقلت: لا أقسم بيوم القيامة، فقال: يقسم ربك بما شاء من خلقه.
حدثنا بشر،
قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ
بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قال:
أقسم بهما جميعا.
وقال
آخرون: بل أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوّامة. وقال: معنى قوله: ( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ
اللَّوَّامَةِ ) ولست
أقسم بالنفس اللوّامة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن: أقسم بيوم القيامة،
ولم يقسم بالنفس اللوّامة.
وأولى
الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: إن الله أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوّامة،
وجعل « لا » ردا لكلام قد كان تقدّمه من
قوم، وجوابا لهم.
وإنما
قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب؛ لأن المعروف من كلام الناس في محاوراتهم إذا قال
أحدهم: لا والله، لا فعلت كذا، أنه يقصد بلا ردّ الكلام، وبقوله: والله، ابتداء
يمين، وكذلك قولهم: لا أقسم بالله لا فعلت كذا; فإذا كان المعروف من معنى ذلك ما
وصفنا، فالواجب أن يكون سائر ما جاء من نظائره جاريا مجراه، ما لم يخرج شيء من ذلك
عن المعروف بما يجب التسليم له. وبعد: فإن الجميع من الحجة مجمعون على أن قوله: ( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ ) قسم
فكذلك قوله: ( وَلا
أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) إلا أن تأتي حجة تدل على أن أحدهما قسم والآخر خبر. وقد
دللنا على أن قراءة من قرأ الحرف الأوّل لأقسم بوصل اللام بأقسم قراءة غير جائزة
بخلافها ما عليه الحجة مجمعة، فتأويل الكلام إذا: لا ما الأمر كما تقولون أيها الناس
من أن الله لا يبعث عباده بعد مماتهم أحياء، أقسم بيوم القيامة، وكانت جماعة تقول:
قيامة كل نفس موتها.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان ومسعر، عن زياد بن علاقة، عن المغيرة بن شعبة،
قال: يقولون: القيامة القيامة، وإنما قيامة أحدهم: موته.
قال ثنا
وكيع، عن مسعر وسفيان، عن أبي قبيس، قال: شهدت جنازة فيها علقمة، فلما دفن قال:
أما هذا فقد قامت قيامته.
وقوله: ( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ
اللَّوَّامَةِ ) اختلف
أهل التأويل في تأويل قوله: (
اللَّوَّامَةِ ) فقال
بعضهم: معناه: ولا أقسم بالنفس التي تلوم على الخير والشرّ.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن
سعيد بن جبير، في قوله: ( وَلا
أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قال: تلوم على الخير والشرّ.
حدثنا
أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سِماك، عن عكرِمة ( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ
اللَّوَّامَةِ ) قال:
تلوم على الخير والشرّ.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جُبير، قال:
قلت لابن عباس ( وَلا
أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قال: هي النفس اللئوم.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: أنها تلوم على ما فات وتندم.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) قال: تندم على ما فات وتلوم
عليه.
وقال
آخرون: بل اللوّامة: الفاجرة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ) أي: الفاجرة.
وقال
آخرون: بل هي المذمومة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ
اللَّوَّامَةِ ) يقول:
المذمومة.
وهذه
الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرناها عنه وإن اختلفت بها ألفاظ قائليها، فمتقاربات
المعاني، وأشبه القول في ذلك بظاهر التنـزيل أنها تلوم صاحبها على الخير والشرّ
وتندم على ما فات، والقرّاء كلهم مجمعون على قراءة هذه بفصل « لا » من أقسم.
وقوله: ( أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ
أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ ) يقول
تعالى ذكره: أيظنّ ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرّقها، بلى قادرين على
أعظم من ذلك، أن نسوي بنانه، وهي أصابع يديه ورجليه، فنجعلها شيئا واحدا كخفّ
البعير، أو حافر الحمار، فكان لا يأخذ ما يأكل إلا بفيه كسائر البهائم، ولكنه فرق
أصابع يديه يأخذ بها، ويتناول ويقبض إذا شاء ويبسط، فحسن خلقه.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من
قال ذلك:
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جُبير، قال:
قال لي ابن عباس: سل، فقلت: (
أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ
نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قال:
لو شاء لجعله خفا أو حافرا.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: ( بَلَى
قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قال: أنا قادر على أن أجعل كفه مجمرة مثل خفّ البعير.
حدثنا أبو
كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن إسرائيل، عن مغيرة، عمن حدثه عن سعيد بن جُبير عن ابن
عباس (
قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قال: نجعله خفا أو حافرا.
قال: ثنا
وكيع، عن النضر، عن عكرِمة ( عَلَى
أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قال:
على أن نجعله مثل خفّ البعير، أو حافر الحمار.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ
نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قال:
جعلها يدا، وجعلها أصابع يقبضهنّ ويبسطهنّ، ولو شاء لجمعهنّ، فاتقيت الأرض بفيك، ولكن
سوّاك خلقا حسنا. قال أبو رجاء: وسُئل عكرِمة فقال: لو شاء لجعلها كخفّ البعير.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ
بَنَانَهُ ) رجليه،
قال: كخفّ البعير فلا يعمل بهما شيئا.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ
نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) قادر
والله على أن يجعل بنانه كحافر الدابة، أو كخفّ البعير، ولو شاء لجعله كذلك، فإنما
ينقي طعامه بفيه.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ
بَنَانَهُ ) قال:
لو شاء جعل بنانه مثل خفّ البعير، أو حافر الدابة.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ
بَنَانَهُ ) قال:
البنان: الأصابع، يقول: نحن قادرون على أن نجعل بنانه مثل خفّ البعير.
واختلف
أهل العربية في وجه نصب (
قَادِرِينَ ) فقال
بعضهم: نصب لأنه واقع موقع نفعل، فلما ردّ إلى فاعل نصب، وقالوا: معنى الكلام:
أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى نقدر على أن نسوّي بنانه ; ثم صرف نقدر إلى
قادرين. وكان بعض نحويِّي الكوفة يقول: نصب على الخروج من نجمع، كأنه قيل في
الكلام: أيحسب أن لن نقوَى عليه ؟ بل قادرين على أقوى منك. يريد: بلى نقوى مقتدرين
على أكثر من ذا. وقال: قول الناس بلى نقدر، فلما صرفت إلى قادرين نصبت خطأ، لأن
الفعل لا ينصب بتحويله من يفعل إلى فاعل. ألا ترى أنك تقول: أتقوم إلينا، فإن
حوّلتها إلى فاعل قلت: أقائم، وكان خطأ أن تقول قائما; قال: وقد كانوا يحتجون بقول
الفرزدق:
عَـليَّ
قَسَـم لا أشْـتُمُ الدَّهْـرَ مُسْـلِما وَلا خارِجــا مِـنْ فِـيَّ زُورُ كَـلام
فقالوا:
إنما أراد: لا أشتم ولا يخرج، فلما صرفها إلى خارج نصبها، وإنما نصب لأنه أراد:
عاهدت ربي لا شاتما أحدا، ولا خارجا من فيّ زور كلام ; وقوله: لا أشتم، في موضع
نصب. وكان بعض نحويِّي البصرة يقول: نصب على نجمع، أي بل نجمعها قادرين على أن نسوّي
بنانه، وهذا القول الثاني أشبه بالصحة على مذهب أهل العربية.
القول
في تأويل قوله تعالى : بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ
لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ( 5 ) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ( 6 ) فَإِذَا
بَرِقَ الْبَصَرُ ( 7 ) وَخَسَفَ الْقَمَرُ ( 8 ) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
( 9 ) يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ( 10 ) كَلا لا وَزَرَ (
11 ) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ( 12 ) .
يقول
تعالى ذكره: ما يجهل ابن آدم أن ربه قادر على أن يجمع عظامه، ولكنه يريد أن يمضي
أمامه قُدُما في معاصي الله، لا يثنيه عنها شيء، ولا يتوب منها أبدا، ويسوّف
التوبة.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم الضبي، عن سعيد بن
جُبير، عن ابن عباس في قوله: ( بَلْ
يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) قال: يمضي قُدُمًا.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس
قوله: ( بَلْ
يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) يعني الأمل، يقول الإنسان: أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة،
ويقال: هو الكفر بالحقّ بين يدي القيامة.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) قال: يمضي أمامه راكبا رأسه.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ
لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) قال:
قال الحسن: لا تلقى ابن آدم إلا تنـزع نفسه إلى معصية الله قُدُما قدما، إلا من قد
عصم الله.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: ( لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) قال: قُدُما في المعاصي.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عمرو، عن إسماعيل السدي ( بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ
لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) قال:
قُدُما.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن النضر، عن عكرِمة ( بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) قال: قدما لا ينـزع عن فجور.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير ( لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) قال: سوف أتوب.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك أنه يركب رأسه في طلب الدنيا دائبا ولا يذكر الموت.
ذكر
من قال ذلك:
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ
لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) هو
الأمل يؤمل الإنسان، أعيش وأصيب من الدنيا كذا، وأصيب كذا، ولا يذكر الموت.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: بل يريد الإنسان الكافر ليكذب بيوم القيامة.
ذكر من
قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ
لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) يقول:
الكافر يكذّب بالحساب.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ( بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ
لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ) قال:
يكذّب بما أمامه يوم القيامة والحساب.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: بل يريد الإنسان ليكفر بالحقّ بين يدي القيامة، والهاء على
هذا القول في قوله: (
أمامَهُ ) من ذكر
القيامة، وقد ذكرنا الرواية بذلك قبل.
قوله: ( يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ ) يقول
تعالى ذكره: يسأل ابن آدم السائر دائبا في معصية الله قُدُما: متى يوم القيامة؟
تسويفا منه للتوبة، فبين الله له ذلك فقال: ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ... ) الآية.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا ابن عطية، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبير، عن
قتادة، قوله: (
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ) يقول: متى يوم القيامة، قال: وقال عمر بن الخطاب رضي الله
عنه: من سُئل عن يوم القيامة فليقرأ هذه السورة.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ
الْقِيَامَةِ ) متى
يكون ذلك، فقرأ: (
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) قال:
فكذلك يكون يوم القيامة.
وقوله: ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،
فقرأه أبو جعفر القارئ ونافع وابن أبي إسحاق ( فإذَا بَرَقَ ) بفتح الراء، بمعنى شخص، وفُتِح عند الموت ; وقرأ ذلك شيبة
وأبو عمرو وعامة قرّاء الكوفة (
بَرِقَ ) بكسر
الراء، بمعنى: فزع وشقّ.
وقد
حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثني حجاج، عن هارون، قال: سألت أبا
عمرو بن العلاء عنها، فقال: (
بَرِقَ ) بالكسر
بمعنى حار، قال: وسألت عنها عبد الله بن أبي إسحاق فقال: ( بَرَقَ ) بالفتح، إنما برق الخيطل
والنار والبرق. وأما البصر فبرق عند الموت. قال: وأخبرت بذلك ابن أبي إسحاق، فقال:
أخذت قراءتي عن الأشياخ نصر بن عاصم وأصحابه، فذكرت لأبي عمرو، فقال: لكن لا آخذ
عن نصر ولا عن أصحابه، فكأنه يقول: آخذ عن أهل الحجاز.
وأولى
القراءتين في ذلك عندنا بالصواب كسر الراء ( فَإِذَا بَرِقَ ) بمعنى: فزع فشُقّ وفُتِح من هول القيامة وفزع الموت. وبذلك
جاءت أشعار العرب. أنشدني بعض الرواة عن أبي عُبيدة الكلابي:
لَمّــا
أتــانِي ابْـنُ صُبَيْـحٍ رَاغِبـا أعْطَيْتُــهُ عَيْســاء مِنْهــا فَـبرَقْ
وحُدثت
عن أبي زكريا الفرّاء قال: أنشدني بعض العرب:
نَعــــانِي
حَنانَـــةُ طُوبالَـــةً تَسَــفُّ يَبيســا مِــنَ الْعِشْــرقِ
فَنَفْسَـــك
فـــانْعَ وَلا تَنْعَنِـــي ودَاوِ الْكُلـــــومَ وَلا تَــــبْرَقِ
بفتح
الراء، وفسَّره أنه يقول: لا تفزع من هول الجراح التي بك ; قال: وكذلك يبرُق البصر
يوم القيامة.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: (
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ) يعني
ببرق البصر: الموت، وبروق البصر: هي الساعة.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( بَرِقَ الْبَصَرُ ) قال: عند الموت.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ ) شخص البصر.
وقوله: ( وَخَسَفَ الْقَمَرُ ) يقول: ذهب ضوء القمر.
وبنحو الذي
قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَخَسَفَ الْقَمَرُ ) : ذهب ضوءه فلا ضوء له.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الحسن ( وَخَسَفَ الْقَمَرُ ) هو ضوءه، يقول: ذهب ضوءه.
وقوله: ( وَجُمِعَ الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ ) يقول
تعالى ذكره: وجمع بين الشمس والقمر في ذهاب الضوء، فلا ضوء لواحد منهما، وهي في
قراءة عبد الله فيما ذُكر لي (
وجُمِعَ بَين الشَّمْس والقَمَرِ ) وقيل:
إنهما يجمعان ثم يكوّران، كما قال جلّ ثناؤه: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وإنما
قيل: (
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) لما
ذكرت من أن معناه جمع بينهما. وكان بعض نحويِّي الكوفة يقول: إنما قيل: وجمع على
مذهب وجمع النوران، كأنه قيل: وجمع الضياءان، وهذا قول الكسائي.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَجُمِعَ الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ ) قال:
كوّرا يوم القيامة.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَجُمِعَ الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ ) قال:
جُمعا فرُمي بهما في الأرض.
وقوله:
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ قال: كوّرت في الأرض والقمر معها.
قال
أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن أبي شيبة الكوفيّ، عن زيد بن
أسلم عن عطاء بن يسار أنه تلا هذه الآية يوما: ( وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) قال: يجمعان يوم القيامة، ثم
يقذفان في البحر، فيكون نار الله الكبرى.
وقوله: ( يَقُولُ الإنْسَانُ
يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ) بفتح
الفاء، قرأ ذلك قرّاء الأمصار، لأن العين في الفعل منه مكسورة، وإذا كانت العين من
يفعل مكسورة، فإن العرب تفتحها في المصدر منه إذا نطقت به على مَفعَل، فتقول: فرّ
يفرّ مفرّا، يعني فرًّا، كما قال الشاعر:
يــا
لَبَكْــرٍ انْشِــرُوا لـي كُلَيْبـا يــا لَبَكْــرٍ أيْــنَ أيْــنَ
الْفِـرَارُ
إذا أريد
هذا المعنى من مفعل قالوا: أين المفرّ بفتح الفاء، وكذلك المدبّ من دبّ يدبّ، كما
قال بعضهم:
كــأنَّ
بَقايــا الأثْـرِ فَـوْقَ مُتُونِـه مَـدَبُّ الـدَّبَى فَـوْقَ النَّقا وَهْوَ
سارِح
وقد
يُنشد بكسر الدال، والفتح فيها أكثر، وقد تنطق العرب بذلك، وهو مصدر بكسر العين.
وزعم الفرّاء أنهما لغتان، وأنه سُمع: جاء على مَدبّ السيل، ومدِبّ السيل، وما في
قميصه مصَحّ ومصِحّ. فأما البصريون فإنهم في المصدر يفتحون العين من مَفْعَل إذا
كان الفعل على يَفعِل، وإنما يُجيزون كسرها إذا أريد بالمفعل المكان الذي يفرّ
إليه، وكذلك المضرب: المكان الذي يضرب فيه إذا كُسرت الراء. ورُوِي عن ابن عباس
أنه كان يقرأ ذلك بكسر الفاء، ويقول: إنما المفِرّ: مفِر الدابة حيث تفرّ.
والقراءة
التي لا أستجيز غيرها الفتح في الفاء من المَفرّ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها،
وأنها اللغة المعروفة في العرب إذا أريد بها الفرار، وهو في هذا الموضع الفرار.
وتأويل الكلام: يقول الإنسان يوم يعاين أهوال يوم القيامة: أين المفرّ من هول هذا
الذي قد نـزل، ولا فرار.
يقول
تعالى ذكره: ( لا
وَزَرَ ) يقول
جلّ ثناؤه: ليس هناك فرار ينفع صاحبه، لأنه لا ينجيه فِراره، ولا شيء يلجأ إليه من
حصن ولا جبل ولا معقل، من أمر الله الذي قد حضر، وهو الوزر.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( كَلا لا وَزَرَ ) يقول: لا حرز.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: ( كَلا
لا وَزَرَ ) يعني:
لا حصن، ولا ملجأ.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، قال: ثنا إبراهيم بن طريف، قال: سمعت مُطَرِّف بن
الشِّخِّير يقرأ: ( لا
أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ) فلما
أتى على: ( كَلا
لا وَزَرَ ) قال:
هو الجبل، إن الناس إذا فرّوا قالوا عليك بالوَزَر.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مَهديّ، عن شعبة، عن أدهم، قال: سمعت مُطَرِّفا
يقول: ( كَلا
لا وَزَرَ ) قال:
كلا لا جَبَل.
حدثنا
نصر بن عليّ الجهضمي، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن الحسن، قال: ( كَلا لا وَزَرَ ) قال: لا جبل.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( كَلا لا وَزَرَ ) قال: كانت العرب تخيف بعضها
بعضا، قال: كان الرجلان يكونان في ماشيتهما، فلا يشعران بشيء حتى تأتيهما الخيل،
فيقول أحدهما لصاحبه، يا فلان الوَزَر الوَزَر، الجَبَل الجَبَل.
حدثني
أبو حفص الحيريّ، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا أبو مودود، عن الحسن، في قوله: ( كَلا لا وَزَرَ ) قال: لا جبل.
حدثنا
محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي مودود، قال: سمعت
الحسن فذكر نحوه.
حدثني محمد
بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال:
ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( لا وَزَرَ ) لا ملجَأ ولا جبل.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( كَلا لا وَزَرَ ) لا جبل ولا حِرْز ولا منجى. قال الحسن: كانت العرب في
الجاهلية إذا خشوا عدوّا قالوا: عليكم الوزر: أي عليكم الجبل.
حدثنا
محمد بن عبيد، قال: ثنا ابن المبارك، عن سفيان عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي
قلابة في قوله: ( كَلا
لا وَزَرَ ) قال:
لا حصن.
حدثنا
أحمد بن هشام، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب،
عن أبي قلابة بمثله.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة
مثله.
قال ثنا
يحيى بن واضح، قال: ثنا مسلم بن طهمان، عن قتادة، في قوله: ( لا وَزَرَ ) يقول: لا حصن.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( لا وَزَرَ ) قال: لا جبل.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن مولى للحسن، عن سعيد بن جُبير ( لا وَزَرَ ) : لا حصن.
قال ثنا
وكيع، عن أبي حجير، عن الضحاك: لا حصن.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( كَلا لا وَزَرَ ) يعني: الجبل بلغة حِمْير.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( كَلا لا وَزَرَ ) قال: لا مُتَغَيَّب يُتَغيب
فيه من ذلك الأمر، لا منجَى له منه.
وقوله: ( إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ
الْمُسْتَقَرُّ ) يقول
تعالى ذكره: إلى ربك أيها الإنسان يومئذ الاستقرار، وهو الذي يقرّ جميع خلقه
مقرّهم.
واختلف
أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ
الْمُسْتَقَرُّ ) قال:
استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار. وقرأ قول الله: وَإِنَّ الدَّارَ
الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ .
وقال
آخرون: عني بذلك إلى ربك المنتهى.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ) : أي المنتهى.
القول
في تأويل قوله تعالى : يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ
يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ( 13 ) بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
( 14 ) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ( 15 ) .
يقول
تعالى ذكره: يُخْبَر الإنسان يومئذ، يعني يوم يُجْمَع الشمس والقمر فيكوّران بما
قدّم وأخَّر.
واختلف
أهل التأويل في تأويل قوله: ( بِمَا
قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) فقال
بعضهم: معنى ذلك: بما قدّم من عمل خير، أو شرّ أمامه، مما عمله في الدنيا قبل
مماته، وما أخَّر بعد مماته من سيئة وحسنة، أو سيئة يعمل بها من بعده.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ( يُنَبَّأُ الإنْسَانُ
يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) يقول: ما عمل قبل موته، وما سَنّ فعُمِل به بعد موته.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي
مريم عن ابن مسعود قال: ( بِمَا
قَدَّمَ ) من
عمله (
وأخَّرَ ) من سنة
عمل بها من بعده من خير أو شرّ.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: يُنَبأُ الإنسان بما قدم من المعصية، وأخر من الطاعة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس
قوله: (
يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) يقول: بما قدّم من المعصية، وأخَّر
من الطاعة، فينبأ بذلك.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: ينبأ بأوّل عمله وآخره.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور عن مجاهد ( يُنَبَّأُ الإنْسَانُ
يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) قال: بأول عمله وآخره.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد، مثله.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
وحدثنا
ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم، مثله.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: ( بمَا
قَدَّمَ ) من
طاعة (
وأخَّرَ ) من حقوق
الله التي ضيَّعها.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( يُنَبَّأُ الإنْسَانُ
يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ ) من
طاعة الله (
وأخَّرَ ) مما
ضيع من حقّ الله.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) قال: بما قَدّم من طاعته،
وأخَّر من حقوق الله.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: بما قدّم من خير أو شرّ مما عمله، وما أخَّر مما ترك عمله من
طاعة الله.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( يُنَبَّأُ الإنْسَانُ
يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) قال: ما أخر ما ترك من العمل لم يعمله، ما ترك من طاعة الله
لم يعمل به، وما قدم: ما عمل من خير أو شرّ.
والصواب
من القول في ذلك عندنا، أن ذلك خبر من الله أن الإنسان ينبأ بكلّ ما قدّم أمامه
مما عمل من خير أو شرّ في حياته، وأخَّر بعده من سنة حسنة أو سيئة مما قدّم
وأخَّر، كذلك ما قدّم من عمل عمله من خير أو شرّ، وأخَّر بعده من عمل كان عليه
فضيَّعه، فلم يعمله مما قدّم وأخَّر، ولم يخصص الله من ذلك بعضا دون بعض، فكلّ ذلك
مما ينبأ به الإنسان يوم القيامة.
وقوله: ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى
نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) يقول
تعالى ذكره: بل للإنسان على نفسه من نفسه رقباء يرقبونه بعمله، ويشهدون عليه به.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى
نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) يقول:
سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه، والبصيرة على هذا التأويل ما ذكره ابن عباس من
جوارح ابن آدم وهي مرفوعة بقوله: ( عَلَى نَفْسِهِ ) ، والإنسان مرفوع بالعائد من ذكره في قوله: نفسه.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: بل الإنسان شاهد على نفسه وحده، ومن قال هذا القول جعل
البصيرة خبرًا للإنسان، ورفع الإنسان بها.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى
نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) يقول:
الإنسان شاهد على نفسه وحده.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى
نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) قال:
شاهد عليها بعملها.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى
نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) إذا
شئت والله رأيته بصيرا بعيوب الناس وذنوبهم، غافلا عن ذنوبه؛ قال: وكان يقال: إن
في الإنجيل مكتوبا: يا ابن آدم تبصر القذاة في عين أخيك، ولا تبصر الجذع المعترض
في عينك.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ
بَصِيرَةٌ ) قال:
هو شاهد على نفسه، وقرأ: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ
حَسِيبًا ومن قال هذه المقالة يقول: أدخلت الهاء في قوله ( بَصِيرَةٌ ) وهي خبر للإنسان، كما يقال
للرجل: أنت حجة على نفسك، وهذا قول بعض نحويِّي البصرة. وكان بعضهم يقول: أدخلت
هذه الهاء في بصيرة وهي صفة للذكر، كما أدخلت في راوية وعلامة.
وقوله: ( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ
) اختلف
أهل الرواية في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: بل للإنسان على نفسه شهود من نفسه،
ولو اعتذر بالقول مما قد أتى من المآثم، وركب من المعاصي، وجادل بالباطل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ
) يعني
الاعتذار، ألم تسمع أنه قال: لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وقال الله:
وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ ، مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ
. وقولهم: وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ .
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن
جُبير، في قولة: ( بَلِ
الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) قال: شاهد على نفسه ولو اعتذر.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) ولو
جادل عنها، فهو بصيرة عليها.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عمران بن حدير، قال: سألت عكرِمة، عن قوله: ( بَلِ الإنْسَانُ عَلَى
نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) قال: فسكت، فقلت له: إن الحسن يقول: ابن آدم عملك أولى بك،
قال: صدق.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ
) قال:
معاذيرهم التي يعتذرون بها يوم القيامة فلا ينتفعون بها، قال: وَلا يُؤْذَنُ
لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم ويعتذرون بالكذب.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: بل للإنسان على نفسه من نفسه بصيرة ولو تجرّد.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
نصر بن عليّ الجهضمي، قال: ثني أبي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى،
عن ابن عباس، في قوله: (
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) قال:
لو تجرّد.
وقال آخرون:
بل معنى ذلك: ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا رَوّاد، عن أبي حمزة، عن السديّ في قوله: ( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ
) ولو
أرخى الستور، وأغلق الأبواب.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: (
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) لم
تقبل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
نصر بن عليّ، قال: ثني أ بي، عن خالد بن قيس، عن قتادة، عن الحسن: ( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ
) لم
تُقبل معاذيره.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ
) قال: ولو
اعتذر.
وأولى
الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معناه: ولو اعتذر لأن ذلك أشبه المعاني
بظاهر التنـزيل، وذلك أن الله جلّ ثناؤه أخبر عن الإنسان أن عليه شاهدًا من نفسه
بقوله: ( بَلِ
الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك، ولو جادل عنها بالباطل،
واعتذر بغير الحقّ، فشهادة نفسه عليه به أحقّ وأولى من اعتذاره بالباطل.
القول
في تأويل قوله تعالى : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
لِتَعْجَلَ بِهِ ( 16 ) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ( 17 ) فَإِذَا
قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ( 18 ) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ( 19 )
.
يقول
تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تحرّك يا محمد بالقرآن لسانك لتعجل
به.
واختلف
أهل التأويل في السبب الذي من أجله قيل له: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) فقال بعضهم: قيل له ذلك، لأنه
كان إذا نـزل عليه منه شيء عجل به، يريد حفظه من حبه إياه، فقيل له: لا تعجل به
فإنَّا سَنحفظُه عليك.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن حُبير، عن ابن
عباس، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نـزل عليه القرآن تعجَّل يريد حفظه،
فقال الله تعالى ذكره: ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
) وقال
ابن عباس: هكذا وحرّك شفتيه.
حدثني
عبيد بن إسماعيل الهبَّاريّ ويونس قالا ثنا سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، أن
النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نـزل عليه القرآن تعجَّل به يريد حفظه؛ وقال
يونس: يحرِّك شفتيه ليحفظه، فأنـزل الله: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ
عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) .
حدثني
عبيد بن إسماعيل الهبَّاريّ، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي عائشة، سمع سعيد بن
جُبير، عن ابن عباس مثله، وقال ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ) قال:
هكذا، وحرَّك سفيان فاه.
حدثنا
سفيان بن وكيع، قال: ثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن
عباس، في قوله: ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نـزل عليه جبريل
بالوحي، كان يحرّك به لسانه وشفتيه، فيشتدّ عليه، فكان يعرف ذلك فيه، فأنـزل الله
هذه الآية في لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ
عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) .
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن
ابن عباس، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا نـزل عليه القرآن، حرّك شفتيه،
فيعرف بذلك، فحاكاه سعيد، فقال: ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) قال: لتعجل بأخذه.
حدثنا
محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال:
سمعت سعيد بن جُبير يقول: ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) . قال: كان جبريل عليه السلام ينـزل بالقرآن، فيحرِّك به
لسانه، يستعجل به، فقال: ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) .
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثنا ربعي بن علية، قال: ثنا داود بن أبى هند، عن الشعبيّ في هذه
الآية: ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) قال: كان إذا نـزل عليه الوحي عَجِل يتكلم به من حبه إياه،
فنـزل: ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
) .
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
لِتَعْجَلَ بِهِ ) قال:
لا تكلم بالذي أوحينا إليك حتى يقضى إليك وحيه، فإذا قضينا إليك وحيه، فتكلم به.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
) قال:
كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إذا نـزل عليه الوحي من القرآن حرّك به لسانه
مخافة أن ينساه.
وقال
آخرون: بل السبب الذي من أجله قيل له ذلك، أنه كان يُكثر تلاوة القرآن مخافة
نسيانه، فقيل له: ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) إن علينا أن نجمعه لك، ونقرئكه فلا تنسى.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في
قوله: ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) قال: كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه، فقال الله: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
لِتَعْجَلَ بِهِ ) إن
علينا أن نجمعه لك، (
وقرآنه ) : أن
نقرئك فلا تنسى.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
) قال:
كان يستذكر القرآن مخافة النسيان، فقال له: كفيناكه يا محمد.
حدثني
يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن عُلَيَّه، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله:
( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرّك به لسانه
ليستذكره، فقال الله: ( لا
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) إنا سنحفظه عليك.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
لِتَعْجَلَ بِهِ ) كان
نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يحرّك به لسانه مخافة النسيان، فأنـزل الله ما تسمع.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ
) قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن فيكثر مخافة أن ينسى.
وأشبه
القولين بما دلّ عليه ظاهر التنـزيل، القول الذي ذُكر عن سعيد بن جُبير، عن ابن
عباس، وذلك أن قوله: ( إِنَّ
عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) ينبئ
أنه إنما نهى عن تحريك اللسان به متعجلا فيه قبل جمعه، ومعلوم أن دراسته للتذكر
إنما كانت تكون من النبيّ صلى الله عليه وسلم من بعد جمع الله له ما يدرس من ذلك.
وقوله: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ ) يقول
تعالى ذكره: إن علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمد حتى نثبته فيه ( وُقرآنَهُ ) يقول: وقرآنه حتى تقرأه بعد
أن جمعناه في صدرك.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير، عن
ابن عباس ( إِنَّ
عَلَيْنَا جَمْعَهُ ) قال:
في صدرك (
وَقُرآنَهُ ) قال:
تقرؤه بعد.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ ) أن
نجمعه لك، (
وَقُرآنَهُ ) : أن
نُقرئك فلا تنسى.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ
وَقُرْآنَهُ ) يقول:
إن علينا أن نجمعه لك حتى نثبته في قلبك.
وكان
آخرون يتأوّلون قوله: (
وَقُرآنَهُ )
وتأليفه. وكان معنى الكلام عندهم: إن علينا جمعه في قلبك حتى تحفظه، وتأليفه.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا بشر،
قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) يقول حفظه وتأليفه.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) قال: حفظه وتأليفه. وكان
قتادة وجَّه معنى القرآن إلى أنه مصدر من قول القائل: قد قَرَأَتْ هذه الناقةُ في
بطنها جَنينا، إذا ضمت رحمها على ولد، كما قال عمرو بن كلثوم:
ذِرَاعَــيْ
عَيْطَــلٍ أدْمَــاءَ بِكْـرٍ هِجــانِ اللَّــوْنِ لـمْ تَقـرأ جَنِينـا
يعني
بقوله: ( لَمْ
تَقرأ ) لم
تضمّ رحما على ولد. وأما ابن عباس والضحاك فإنما وجها ذلك إلى أنه مصدر من قول
القائل: قرأت أقرأ قرآنا وقراءة.
وقوله: ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) اختلف
أهل التأويل في تأويله. فقال بعضهم: تأويله: فإذا أنـزلناه إليك فاستمع قرآنه.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور وابن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير،
عن ابن عباس (
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ ) : فإذا
أنـزلناه إليك (
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) قال:
فاستمع قرآنه.
حدثنا
سفيان بن وكيع، قال: ثنا جرير، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن
عباس: (
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) : فإذا أنـزلناه إليك فاستمع له.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: إذا تُلي عليك فاتبع ما فيه من الشرائع والأحكام.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) يقول:
إذا تلي عليك فاتبع ما فيه.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) يقول: اتبع حلالَه، واجتنب
حرامه.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) يقول:
فاتبع حلاله، واجتنب حرامه.
حُدثت عن
الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) يقول: اتبع ما فيه.
وقال
آخرون: بل معناه: فإذا بيَّناه فاعمل به.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ) يقول:
اعمل به.
وأولى
هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: فإذا تُلي عليك فاعمل به من الأمر والنهي،
واتبع ما أُمرت به فيه، لأنه قيل له: ( إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ ) في صدرك (
وقُرآنَهُ ) ودللنا
على أن معنى قوله: (
وقُرآنَهُ ) :
وقراءته، فقد بين ذلك عن معنى قوله: ( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ
عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) يقول
تعالى ذكره: ثم إن علينا بيان ما فيه من حلاله وحرامه، وأحكامه لك مفصلة.
واختلف
أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: نحو الذي قلنا فيه.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا
بَيَانَهُ ) يقول: حلاله
وحرامه، فذلك بيانه.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) بيان حلاله، واجتناب حرامه،
ومعصيته وطاعته.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: ثم إن علينا تبيانه بلسانك.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس ( ثُمَّ
إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ) قال:
تبيانه بلسانك.
القول
في تأويل قوله تعالى : كَلا بَلْ تُحِبُّونَ
الْعَاجِلَةَ ( 20 ) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ ( 21 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (
22 ) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ( 23 ) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ( 24 )
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ( 25 ) .
يقول
تعالى ذكره لعباده المخاطبين بهذا القرآن المؤثرين زينة الحياة الدنيا على الآخرة:
ليس الأمر كما تقولون أيها الناس من أنكم لا تبعثون بعد مماتكم، ولا تجازون
بأعمالكم، لكن الذي دعاكم إلى قيل ذلك محبتكم الدنيا العاجلة، وإيثاركم شهواتها
على آجل الآخرة ونعيمها، فأنتم تومنون بالعاجلة، وتكذّبون بالآجلة.
كما
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( كَلا بَلْ تُحِبُّونَ
الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ ) اختار أكثر الناس العاجلة، إلا من رحم الله وعصم.
وقوله: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ ) يقول
تعالى ذكره: وجوه يومئذ، يعني يوم القيامة ناضرة: يقول حسنة جميلة من النعيم؛ يقال
من ذلك: نَضُر وجه فلان: إذا حَسُن من النعمة، ونضَّرَ الله وجهه: إذا حسَّنه
كذلك.
واختلف
أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم بالذي قلنا فيه.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن إسماعيل البخاري، قال: ثنا آدم، قال: ثنا المبارك، عن الحسن ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ ) قال:
حسنة.
حدثنا أبو
كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور عن مجاهد ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ ) قال:
نُضرة الوجوه: حُسنها.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ ) قال:
الناضرة: الناعمة.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ ) قال:
الوجوه الحسنة.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ) قال: من السرور والنعيم
والغبطة.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك أنها مسرورة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد، في قوله: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ
) قال:
مسرورة ( إِلَى
رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) .
اختلف
أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: أنها تنظر إلى ربها.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
محمد بن منصور الطوسي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري قالا ثنا عليّ بن الحسن بن شقيق،
قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحويّ، عن عكرِمة قال: ( تنظر إلى ربها نظرا ) .
حدثتا
محمد بن عليّ بن الحسن بن شقيق، قال: سمعت أبي يقول: أخبرني الحسين بن واقد في
قوله: (
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ) من
النعيم ( إِلَى
رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال:
أخبرني يزيد النحوي، عن عكرِمة وإسماعيل بن أبي خالد، وأشياخ من أهل الكوفة، قال:
تنظر إلى ربها نظرا.
حدثنا
محمد بن إسماعيل البخاري، قال: ثنا آدم قال: ثنا المبارك عن الحسن، في قوله: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ ) قال:
حسنة ( إِلَى
رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال:
تنظر إلى الخالق، وحُقَّ لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق.
حدثني
سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عرفجة،
عن عطية العوفي، في قوله: (
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: هم ينظرون إلى الله لا تحيط
أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم، فذلك قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ
وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ .
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: أنها تنتظر الثواب من ربها.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنتظر منه الثواب.
قال: ثنا
وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنتظر الثواب من ربها.
حدثنا
ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنتظر الثواب.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور عن مجاهد ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنتظر الثواب من ربها،
لا يراه من خلقه شيء.
حدثني
يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مجاهد ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
نَاضِرَةٌ ) قال:
نضرة من النعيم ( إِلَى
رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال:
تنتظر رزقه وفضله.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: كان أناس يقولون في حديث: « فيرون ربهم » فقلت لمجاهد: إن ناسا يقولون
إنه يرى، قال: يَرى ولا يراه شيء.
قال ثنا
جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنتظر من ربها ما أمر لها.
حدثني
أبو الخطاب الحساني، قال: ثنا مالك، عن سفيان، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن
أبي صالح، في قوله: (
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنتظر الثواب.
حدثنا
أبو كُرَيب، قال: ثنا الأشجعي، عن سفيان، عن ثوير، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: « إن أدنى أهل الجنة منـزلة لمن
ينظر إلى مُلكِه وسرره وخدمه مسيرة ألف سنة، يرى أقصاه كما يرى أدناه، وإن أرفع
أهل الجنة منـزلة لمن ينظر إلى وجه الله بُكرة وعشية » .
قال: ثنا
ابن يمان، قال: ثنا أشجع، عن أبي الصهباء الموصلي، قال: « إن أدنى أهل الجنة منـزلة، من
يرى سرره وخدمه ومُلكهُ في مسيرة ألف سنة، فيرى أقصاه كما يرى أدناه، وإن أفضلهم
منـزلة، من ينظر إلى وجه الله غدوة وعشية » .
وأولى
القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرِمة، من أن معنى ذلك
تنظر إلى خالقها، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
حدثني
عليّ بن الحسين بن أبجر، قال: ثنا مصعب بن المقدام، قال: ثنا إسرائيل بن يونس، عن
ثوير، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنَّ أدْنى أهْلِ الجَنَّةِ
مَنـزلَةً، لَمَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ ألْفَيْ سَنَةٍ، قال: وإنَّ أفضَلَهُمْ
مَنـزلَةً لَمَن يَنْظُرُ فِي وَجْهِ اللهِ كُلَّ يَوْم مَرَّتَينِ ; قال: ثم تلا
(
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: بالبياض والصفاء، قال: ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنظر كلّ يوم في وجه
الله عزّ وجلّ » .
وقوله: ( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
بَاسِرَةٌ ) يقول
تعالى ذكره: ووجوه يومئذ متغيرة الألوان، مسودة كالحة، يقال: بسرت وجهه أبسره
بسًرا: إذا فعلت ذلك، وبسر وجهه فهو باسر بيِّن البسور.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( باسِرَةٌ ) قال: كاشرة.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ ) أي: كالحة.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( باسِرَةٌ ) قال: عابسة.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( باسِرَةٌ ) قال: عابسة.
وقوله: ( تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا
فَاقِرَةٌ ) يقول
تعالى ذكره: تعلم أنه يفعل بها داهية، والفاقرة: الداهية.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا
فَاقِرَةٌ ) قال:
داهية.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ) أي: شرّ.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: ( تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا
فَاقِرَةٌ ) قال:
تظن أنها ستدخل النار، قال: تلك الفاقرة، وأصل الفاقرة: الوسم الذي يُفْقَر به على
الأنف.
القول
في تأويل قوله تعالى : كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ
( 26 ) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ( 27 ) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ( 28 ) وَالْتَفَّتِ
السَّاقُ بِالسَّاقِ ( 29 ) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ( 30 ) .
يقول
تعالى ذكره: ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء المشركون من أنهم لا يعاقبون على شركهم
ومعصيتهم ربهم بل إذا بلغت نفس أحدهم التراقي عند مماته وحشرج بها.
وقال ابن
زيد في قول الله: ( كَلا
إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ) قال:
التراقي: نفسه.
حدثني
بذلك يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ( وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ) يقول تعالى ذكره: وقال أهله:
من ذا يرقيه ليشفيه مما قد نـزل به، وطلبوا له الأطباء والمداوين، فلم يغنوا عنه
من أمر الله الذي قد نـزل به شيئا.
واختلف
أهل التأويل في معنى قوله: ( مَنْ
رَاقٍ ) فقال
بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو كُريب وأبو هشام، قالا ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرِمة ( وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ) قال: هل من راق يرقي.
حدثنا
أبو كُرَيب وأبو هشام، قالا ثنا وكيع، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن
أبي قِلابة (
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ) قال:
هل من طبيب شاف.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن شبيب، عن أبي قلابة،
مثله.
حدثنا
الحسن بن عرفة، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن أبي بسطام، عن الضحاك بن مزاحم في
قول الله تعالى ذكره: (
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ) قال:
هو الطبيب.
حدثنا
أبو كُريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن جويبر، عن الضحاك في ( وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ) قال: هل من مداوٍ.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ) أي: التمسوا له الأطباء فلم يُغْنوا عنه من قضاء الله شيئا.
حدثنا
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن يزيد في قوله: ( وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ) قال: أين الأطباء، والرُّقاة:
من يرقيه من الموت.
وقال
آخرون: بل هذا من قول الملائكة بعضهم لبعض، يقول بعضهم لبعض: من يَرقى بنفسه فيصعد
بها.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو هشام، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء،
عن ابن عباس ( كَلا
إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ) قال: إذا بلغت نفسه يرقى بها، قالت الملائكة: من يصعد بها،
ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب ؟
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، في قوله: ( وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ ) قال: بلغني عن أبي قلابة قال:
هل من طبيب ؟ قال: وبلغني عن أبي الجوزاء أنه قال: قالت الملائكة بعضهم لبعض: من
يرقَى: ملائكة الرحمة، أو ملائكة العذاب ؟
وقوله: ( وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ) يقول تعالى ذكره: وأيقن الذي
قد نـزل ذلك به أنه فراق الدنيا والأهل والمال والولد.
وبنحو
الذي قلنا في ذاك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ) أي: استيقن أنه الفراق.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ) قال: ليس أحد من خلق الله
يدفع الموت، ولا ينكره، ولكن لا يدري يموت من ذلك المرض أو من غيره ؟ فالظنّ كما
هاهنا هذا.
وقوله: ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) اختلف
أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: والتفَّت شدّة أمر الدنيا بشدّة
أمر الآخرة.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبى، عن عمرو بن مالك، عن أبي
الجوزاء عن ابن عباس (
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) قال: الدنيا بالآخرة شدّة
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ
) يقول:
آخر يوم من الدنيا، وأوّل يوم من الآخرة، فتلتقي الشدّة بالشدة، إلا من رحم الله.
حدثني
محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس،
قوله: (
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) يقول: والتفَّت الدنيا بالآخرة، وذلك ساق الدنيا والآخرة،
ألم تسمع أنه يقول: ( إِلَى
رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ) .
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ
) قال:
التفّ أمر الدنيا بأمر الآخرة عند الموت.
حدثنا
أبو كُريب وأبو هشام، قالا ثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، قال: آخر يوم من
الدنيا، وأول يوم من الآخرة.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) قال: قال الحسن: ساق الدنيا
بالآخرة.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن مجاهد، قال: هو أمر الدنيا والآخرة
عند الموت.
حدثني
عليّ بن الحسين، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أبي سنان الشيباني، عن ثابت، عن الضحاك
في قوله: (
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) قال: أهل الدنيا يجهزون الجسد، وأهل الآخرة يجهزون الروح.
حدثنا
أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي سنان، عن الضحاك، مثله
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك، قال: اجتمع عليه أمران، الناس
يجهِّزون جسده، والملائكة يجهزون روحه.
حدثنا
أبو هشام، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: ساق الدنيا بساق الآخرة.
حدثنا
أبو هشام، قال: ثنا جعفر بن عون، عن أبي جعفر، عن الربيع مثله، وزاد: ويقال:
التفافهما عند الموت.
حدثنا
أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية قال: الدنيا والآخرة.
قال: ثنا
ابن يمان، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، قال: أمر الدنيا بأمر الآخرة.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال:
أمر الدنيا بأمر الآخرة.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال:
الشدّة بالشدّة، ساق الدنيا بساق الآخرة.
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سألت إسماعيل بن أبي
خالد، فقال: عمل الدنيا بعمل الآخرة.
حدثنا
أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك، قال: هما الدنيا والآخرة.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال:
العلماء يقولون فيه قولين: منهم من يقول: ساق الآخرة بساق الدنيا. وقال آخرون: قلّ
ميت يموت إلا التفَّت إحدى ساقيه بالأخرى. قال ابن زيد: غير أنَّا لا نشكّ أنها
ساق الآخرة، وقرأ: ( إِلَى
رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ) قال:
لما التفَّت الآخرة بالدنيا، كان المساق إلى الله، قال: وهو أكثر قول من يقول ذلك.
وقال آخرون:
بل معنى ذلك: التفَّت ساقا الميت إذا لفتا في الكفن.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا بشير بن المهاجر، عن الحسن، في قوله: ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال:
لفُّهما في الكفن.
حدثنا
أبو هشام، قال: ثنا وكيع وابن اليمان، عن بشير بن المهاجر، عن الحسن، قال: هما
ساقاك إذا لفَّتا في. الكفن.
حدثنا
أبو كُريب، قال: حدثنا وكيع عن بشير بن المهاجر، عن الحسن، مثله.
وقال
آخرون: بل معنى ذلك: التفاف ساقي الميت عند الموت.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
حميد بن مسعدة، قال ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال:
ساقا الميت.
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب وعبد الأعلى، قالا ثنا داود، عن عامر قال:
التفَّت ساقاه عند الموت.
حدثنا
ابن المثنى، قال: ثني ابن أبى عديّ، عن داود، عن الشعبيّ مثله.
حدثني
إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد، عن داود، عن عامر، بنحوه.
حدثنا
أبو كُريب وأبو هشام قالا ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين عن أبي مالك ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال:
عند الموت.
حدثنا أبو
هشام، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السديّ، عن أبي مالك، قال: التفَّت
ساقاك عند الموت.
حدثني
يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ )
لفَّهما أمر الله.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر قال: قال الحسن: ساقا ابن آدم عند
الموت.
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل السديّ، عن أبي مالك ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال:
هما ساقاه إذا ضمت إحداهما بالأخرى.
حدثنا
ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال
قتادة: أما رأيته إذا ضرب برجله رجله الأخرى.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ) ماتت رجلاه فلا يحملانه إلى
شيء، فقد كان عليهما جوّالا.
حدثنا ابن
بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال:
ساقاه عند الموت.
وقال
آخرون: عُنِيَ بذلك يبسهما عند الموت.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو كُريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السديّ، عن أبي مالك ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال:
يبسهما عند الموت.
حدثنا
أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السديّ، مثله.
وقال
آخرون: معنى ذلك: والتفّ أمر بأمر.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو كُريب وأبو هشام قالا ثنا وكيع، قال: ثنا ابن أبي خالد، عن أبي عيسى ( وَالْتَفَّتِ السَّاقُ
بِالسَّاقِ ) قال:
الأمر بالأمر.
وقال
آخرون: بل عني بذلك: والتفّ بلاء ببلاء.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، قال:
بلاء ببلاء.
وأولى
الأقوال في ذلك بالصحة عندي قول من قال: معنى ذلك: والتفَّت ساق الدنيا بساق
الآخرة، وذلك شدّة كرب الموت بشدة هول المطلع، والذي يدل على أن ذلك تأويله، قوله:
( إِلَى
رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ) والعرب
تقول لكلّ أمر اشتدّ: قد شمر عن ساقه، وكشف عن ساقه، ومنه قول الشاعر:
إذَا
شَــمَّرَتْ لَــكَ عَــنْ سـاقها فَرِنهــــا رَبِيـــعُ وَلا تَســـأَم
عني
بقوله: (
الْتَفَّتِ السَّاقُ بالسَّاقِ ) التصقت
إحدى الشِّدّتين بالأخرى، كما يقال للمرأة إذا التصقت إحدى فخذيها بالأخرى:
لفَّاء.
وقوله: ( إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ
الْمَسَاقُ ) يقول:
إلى ربك يا محمد يوم التفاف الساق بالساق مساقه.
القول
في تأويل قوله تعالى : فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (
31 ) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ( 32 ) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى
( 33 ) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ( 34 ) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ( 35 )
أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ( 36 ) .
يقول
تعالى ذكره: فلم يصدّق بكتاب الله، ولم يصلّ له صلاة، ولكنه كذّب بكتاب الله،
وتولى فأدبر عن طاعة الله.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى ) لا صدّق بكتاب الله، ولا صلى لله ( وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى
) كذّب
بكتاب الله، وتولى عن طاعة الله.
وقوله: ( ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ
يَتَمَطَّى ) يقول
تعالى ذكره: ثم مضى إلى أهله منصرفا إليهم، يتبختر في مِشيته.
وبنحو الذي
قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ) أي: يتبختر.
حدثني
سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية بن الوليد، عن ميسرة بن عبيد، عن زيد بن
أسلم، في قوله: ( ثُمَّ
ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ) قال: يتبختر، قال: هي مشية بني مخزوم.
حدثنا
أبو كُريب، قال: ثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن إسماعيل بن أمية عن مجاهد ( ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ
يَتَمَطَّى ) قال:
رأى رجلا من قريش يمشي، فقال: هكذا كان يمشي كما يمشي هذا، كان يتبختر.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ( يَتَمَطَّى ) قال: يتبختر وهو أبو جهل بن
هشام، كانت مِشيته.
وقيل: إن
هذه الآية نـزلت في أبي جهل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( يَتَمَطَّى ) قال: أبو جهل.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى
وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى ) قال: هذا في أبي جهل متبخترا.
وإنما
عُني بقوله: (
يَتَمَطَّى ) يلوي
مطاه تبخترا، والمطا: هو الظهر، ومنه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذَا مَشَتْ أُمَّتِي
المُطَيطَاءَ » وذلك أن
يلقي الرجل بيديه ويتكفأ.
وقوله ( أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى
ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) هذا
وعيد من الله على وعيد لأبي جهل.
كما
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى
ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) وعيد
على وعيد، كما تسمعون، زعم أن هذا أنـزل في عدوّ الله أبي جهل. ذُكر لنا أن نبيّ
الله صلى الله عليه وسلم أخذ بمجامع ثيابه فقال: ( أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) فقال عدوّ الله أبو جهل:
أيوعدني محمد؟ والله ما تستطيع لي أنت ولا ربك شيئا، والله لأنا أعزّ من مشى بين
جبليها.
حدثنا
ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: أخذ النبيّ صلى الله
عليه وسلم بيده، يعني بيد أبي جهل، فقال: ( أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) فقال: يا محمد، ما تستطيع أنت
وربك فيّ شيئا، إني لأعزّ من مشى بين جبليها، فلما كان يوم بدر أشرف عليهم فقال:
لا يُعبد الله بعد هذا اليوم، وضرب الله عنقه، وقتله شرّ قِتلة.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى
ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) قال:
قال أبو جهل: إن محمدا ليوعدني، وأنا أعزّ أهل مكة والبطحاء، وقرأ: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ
* سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ .
حدثنا
ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: قلت لسعيد بن
جُبير: أشيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من قِبَل نفسه، أم أمر أمره الله
به ؟ قال: بل قاله من قِبَل نفسه، ثم أنـزل الله: ( أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى
ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ) .
وقوله: ( أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ
يُتْرَكَ سُدًى ) يقول
تعالى ذكره: أيظنّ هذا الإنسان الكافر بالله أن يترك هملا أن لا يؤمر ولا ينهى،
ولا يتعبد بعبادة.
وبنحو
الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر
من قال ذلك:
حدثني
عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قوله: ( أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ
يُتْرَكَ سُدًى ) يقول:
هملا.
حدثني
محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن،
قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ
يُتْرَكَ سُدًى ) قال:
لا يُؤمر، ولا يُنْهى.
حدثني
يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ
يُتْرَكَ سُدًى ) قال
السديّ: الذي لا يفترض عليه عمل ولا يعمل.
القول
في تأويل قوله تعالى : أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ
مَنِيٍّ يُمْنَى ( 37 ) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ( 38 ) فَجَعَلَ
مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ( 39 ) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ
عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ( 40 ) .
يقول
تعالى ذكره: ألم يك هذا المنكر قدرة الله على إحيائه من بعد مماته، وإيجاده من بعد
فنائه (
نُطْفَةً ) يعني:
ماء قليلا في صلب الرجل من منيّ.
واختلفت
القرّاء في قراءة قوله: (
يُمْنَى ) فقرأه
عامة قرّاء المدينة والكوفة: (
تُمْنَى ) بالتاء
بمعنى: تمنى النطفة، وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة والبصرة: ( يُمْنَى ) بالياء، بمعنى: يمنى المنيّ.
والصواب
من القول أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: ( ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً ) يقول تعالى ذكره: ثم كان دما
من بعد ما كان نطفة، ثم علقة، ثم سوّاه بشرًا سويا، ناطقا سميعا بصيرا ( فَجَعَلَ مِنْهُ
الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى ) يقول تعالى ذكره: فجعل من هذا الإنسان بعدما سوّاه خلقا
سويا أولادًا له، ذكورا وإناثا (
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) يقول تعالى ذكره: أليس الذي
فعل ذلك فخلق هذا الإنسان من نطفة، ثم علقة حتى صيره إنسانا سويا، له أولاد ذكور
وإناث، بقادر على أن يُحيي الموتى من مماتهم، فيوجدهم كما كانوا من قبل مماتهم.
يقول: معلوم أن الذي قَدِر على خَلق الإنسان من نطفة من منيّ يمنى، حتى صيره بشرا
سويًا، لا يُعجزه إحياء ميت من بعد مماته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا
قرأ ذلك قال: بلى.
حدثنا
بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ
عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) ذُكر لنا
أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحانك وبلَى.
آخر
تفسير سورة القيامة.