تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 14 من سورة يونس
القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)
قال أبو جعفر يقول تعالى ذكره: ثم جعلناكم ، أيها الناس، خلائف من بعد هؤلاء القرون الذين أهلكناهم لما ظلموا ، تخلفونهم في الأرض، وتكونون فيها بعدهم (37) (لننظر كيف تعملون) ، يقول: لينظر ربكم أين عملكم من عمل من هلك من قبلكم من الأمم بذنوبهم وكفرهم بربهم، تحتذون مثالهم فيه، فتستحقون من العقاب ما استحقوا، أم تخالفون سبيلَهم فتؤمنون بالله ورسوله وتقرّون بالبعث بعد الممات، فتستحقون من ربكم الثواب الجزيل، كما:-
17579- حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) ، ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: صدق ربُّنا ، ما جعلنا خُلفاء إلا لينظر كيف أعمالُنا، فأرُوا الله من أعمالكم خيرًا بالليل والنهار ، والسر والعلانية.
17580- حدثني المثنى قال ، حدثنا زيد بن عوف أبو ربيعة فهد قال ، حدثنا حماد عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: أن عوف بن مالك رضي الله عنه قال لأبي بكر رضي الله عنه: رأيتُ فيما يرى النائم كأن سببًا دُلِّي من السماء ، فانتُشِط رسول الله صلى الله عليه وسلم، (38)
ثم دُلِّي فانتُشِط أبو بكر، ثم ذُرِع الناس حول المنبر، (39)
ففضَل عمر رضي الله عنه بثلاث أذرع إلى المنبر. فقال عمر: دعنا من رؤياك، لا أرَبَ لنا فيها ! فلما استخلف عمر قال: يا عوف ، رؤياك! قال: وهل لك في رؤياي من حاجة؟ أو لم تنتهرني! قال: ويحك ! إني كرهت أن تنعَى لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه ! فقصّ عليه الرؤيا، حتى إذا بلغ : " ذُرِع الناس إلى المنبر بهذه الثلاث الأذرع " ، قال: أمّا إحداهن ، فإنه كائن خليفةً. وأما الثانية ، فإنه لا يخاف في الله لومة لائم. وأما الثالثة ، فإنه شهيد. قال: فقال يقول الله: (ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) ، فقد استخلفت يا ابن أم عمر، فانظر كيف تعمل.
وأما قوله: " فإني لا أخاف في الله لومة لائم " فما شاء الله.
وأما قوله: " فإني شهيد " فأنَّى لعمر الشهادة ، والمسلمون مُطِيفون به! ثم قال : إن الله على ما يشاء قدير. (40)
------------------------
الهوامش:
(37) انظر تفسير " الخلائف " فيما سلف 13 : 122 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(38) " انتشط " ( بالبناء للمجهول ) ، أي : انتزع ، جذب إلى السماء ورفع إليها ، من قولهم : " نشط الدلو من البئر " ، إذا نزعها وجذبها من البئر صعدا بغير بكرة .
(39) "ذرع الناس" ، أي : قدر ما بينهم وبين المنبر بالذراع . يقال: "ذرع الثوب " ، إذا قدره بالذراع.
(40) الأثر : 17580 - " زيد بن عوف القطعي " ، " أبو ربيعة " ، " فهد " ، متروك ، وقد مضى برقم : 5623 ، 14215 ، 14218 ، 14221 . وكان في المطبوعة هنا : " يزيد بن عوف ، أبو ربيعة ، بهذا " ، ومثله في تفسير ابن كثير 4 : 287 ، وهو اتفاق غريب على الخطأ ! .
وهذا الخبر ، رواه ابن سعد بغير هذا اللفظ ، بإسناد حسن في كتاب الطبقات الكبير 3 / 1 / 239 .