تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 48 من سورة يوسف
القول في تأويل قوله تعالى : ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلا قَلِيلا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)
قال أبو جعفر : يقول: ثم يجيء من بعد السنين السبع التي تزرعون فيها دأبًا ، سنون سبع شداد، يقول: جدوب قحطة ، (يأكلن ما قدمتم لهن)، يقول: يؤكل فيهنّ ما قدمتم في إعداد ما أعددتم لهن في السنين السبعة الخصبة من الطعام والأقوات .
* * *
وقال جل ثناؤه: (يأكلن)، فوصف السنين بأنهن ( يأكلهن) ، وإنما المعنى: أن أهل تلك الناحية يأكلون فيهن ، كما قيل: (12)
نَهَـارُكَ يَـا مَغْـرُورُ سَـهْوٌ وَغَفْلَـةٌ
وَلَيْلُــكَ نَــوْمٌ والـرَّدَى لَـكَ لازِمُ (13)
فوصف النهار بالسهو والغفلة، والليل بالنوم ، وإنما يسهى في هذا ويغفل فيه، وينام في هذا ، لمعرفة المخاطبين بمعناه والمراد منه.
* * *
، ( إلا قليلا مما تحصنون) ، يقول: إلا يسيرًا مما تحرزونه .
* * *
والإحصان: التصيير في الحصن، وإنما المراد منه الإحراز .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
*ذكر من قال ذلك:
19371 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قوله: (يأكلن ما قدمتم لهن)، يقول: يأكلن ما كنتم اتخذتم فيهن من القوت ، (إلا قليلا مما تحصنون).
19372- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد)، وهنّ الجدوب المحُول ، (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون).
19373- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة: (ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد)، وهن الجدوب ، (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون) ، مما تدَّخرون.
19374 - حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله: (إلا قليلا مما تحصنون)، يقول: تخزنون.
19375- حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ،قال ابن عباس: (تحصنون) ، تحرزون.
19376 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: (يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون)، قال: مما تَرْفَعون.
* * *
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال في قوله: (تحصنون)، وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيه ، فإن معانيها متقاربة ، وأصل الكلمة وتأويلها على ما بيَّنت .
----------------------
الهوامش:
(12) هو عبد الله بن عبد الأعلى بن أبي عمرة .
(13) الأخبار الطوال : 333 ، سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي : 225 ، تاريخ ابن كثير 9 : 206 ، وغيرها ، يقول :
أَيَقْظَـانُ أَنْـتَ اليَـوْمَ أَمْ أَنْـتَ حَـالِمُ
وكـيف يطيـق النَّـوْمَ حَـيْرَانُ هَـائِمُ
فَلَـوْ كُـنْتَ يَقْظَـانَ الغَـدَاةَ لَحَـرَّقَتْ
مَحَــاجِرَ عَيْنَيْـكَ الدُّمُـوعُ السَّـوَاجِمُ
بَلَ أَصْبَحْتَ فِي النَّوْمِ الطَّـوِيلِ وَقَدْ دَنَتْ
إلَيْــكَ أُمُــورٌ مُفْظِعَــاتٌ عَظَـائمُ
نَهَـارُكَ يَـا مَغْـرُورُ سَـهْوٌ وَغَفْلَـةٌ
ولَيْلُــكَ نَــوْمٌ , وَالـرَّدَى لـك لاَزِمُ
تُسَـرُّ بِمَا يَبْـلَى , وَتُشْـغَلُ بِـالمُنَى
كَمَـا سُـرَّ بِـالأَحْلامِ فِـي النَّـوْم نَائِمُ
وَسَـعْيُكَ فِيمـا سَـوْفَ تَكْـرَهُ غِبَّـهُ
كَــذَلِكَ فِــي الدُّنْيَـا تَعِيشُ البَهَـائِمُ
فَـلا أَنْـتَ فِـي النُّـوَّامِ يَوْمًـا بِسَالِمٍ
وَلا أَنْـتَ فِــي الأيْقَـاظِ يَقْظَانُ حَازِمُ
.