تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 30 من سورة إبراهيم
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم ( قُلْ) يا محمد ( لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا ) بك ، وصدّقوا أن ما جئتهم به من عندي ( يُقِيمُوا الصَّلاةَ ) يقول: قل لهم: فليقيموا الصلوات الخمس المفروضة عليهم بحدودها ، ولينفقوا مما رزقناهم، فخوّلناهم من فضلنا سرّا وعلانية ، فليؤدّوا ما أوجبت عليهم من الحقوق فيها سرّا وإعلانا( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ ) يقول: لا يقبل فيه فدية وعوض من نفس وجب عليها عقاب الله بما كان منها من معصية ربها في الدنيا ، فيقبل منها الفدية ، وتترك فلا تعاقب. فسمى الله جل ثناؤه الفدية عوضا ، إذ كان أخذ عوض من معتاض منه. وقوله ( وَلا خِلالٌ ) يقول: وليس ، هناك مخالة خليل ، فيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لمخالته ، بل هنالك العدل والقسط ، فالخلال مصدر من قول القائل: خاللت فلانا فأنا أخاله مخالة وخلالا ومنه قول امرئ القيس:
صـرفْتُ الهَوَى عَنْهُنَّ مِنْ خَشْيَهِ الرَّدَى
وَلَسْــتُ بِمَقْـلِيَ الخِـلالِ ولا قـالي (47)
وجزم قوله ( يُقِيمُوا الصَّلاةَ ) بتأويل الجزاء ، ومعناه: الأمر يراد قل لهم ليقيموا الصلاة.
حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ( قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ ) يعني الصلوات الخمس ( وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) يقول: زكاة أموالهم.
حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة ، في قوله ( مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ ) قال قتادة: إن الله تبارك وتعالى قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلالا يتخالُّون بها في الدنيا ، فينظر رجل من يخالل وعلام يصاحب ، فإن كان لله فليداوم ، وإن كان لغير الله فإنها ستنقطع.
-------------------------
الهوامش :
(47) البيت لامرئ القيس ( مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا ، طبعة الحلبي ص 40 ) قال : الردى هنا : الفضيحة ، أي لم أنصرف عنهن لأني قليّهن ، ولا لأنهن قلينني ، ولكن خشية الفضيحة والعار. والخلال هنا : مصدر خاله يخاله خلال ومخالة ، بمعنى المصادقة ، وبه استشهد المؤلف على هذا المعنى وفي ( اللسان : خلل ) وقوله تعالى : " لا بيع فيه ولا خلال " : قيل : هو مصدر خالك ، وقيل : هو جمع خلة ( بضم الخاء ) كجلة وجلال ، وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة : مجازة : مبايعة فدية ، ولا مخالة خليل ، وله موضع آخر أيضا ، تجعله جمع خلة بمنزلة جلة ، والجمع : جلال ؛ وقلة ، والجمع : قلال .