تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 2 من سورة المائدة
يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر
القول في تأويل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } اختلف أهل التأويل في معنى قول الله : { لا تحلوا شعائر الله } فقال بعضهم : معناه : لا تحلوا حرمات الله , ولا تتعدوا حدوده . كأنهم وجهوا الشعائر إلى المعالم , وتأولوا لا تحلوا شعائر الله : معالم حدود الله , وأمره , ونهيه , وفرائضه . ذكر من قال ذلك : 8594 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الوهاب الثقفي , قال : ثنا حبيب المعلم , عن عطاء أنه سئل عن شعائر الله , فقال : حرمات الله : اجتناب سخط الله , واتباع طاعته , فذلك شعائر الله . وقال آخرون : معنى قوله : { لا تحلوا } حرم الله . فكأنهم وجهوا معنى قوله : { شعائر الله } أي معالم حرم الله من البلاد . ذكر من قال ذلك : 8595 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } قال : أما شعائر الله : فحرم الله . وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا مناسك الحج فتضيعوها . وكأنهم وجهوا تأويل ذلك إلى : لا تحلوا معالم حدود الله التي حدها لكم في حجكم . ذكر من قال ذلك : 8596 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج , قال ابن عباس : { لا تحلوا شعائر الله } قال : مناسك الحج . 8597 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } قال : كان المشركون يحجون البيت الحرام , ويهدون الهدايا , ويعظمون حرمة المشاعر , ويتجرون في حجهم , فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم , فقال الله عز وجل : { لا تحلوا شعائر الله } . 8598 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { شعائر الله } الصفا والمروة , والهدي , والبدن , كل هذا من شعائر الله . * - حدثني المثنى , قال : ثني أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . وقال آخرون : معنى ذلك : لا تحلوا ما حرم الله عليكم في حال إحرامكم . ذكر من قال ذلك : 8599 - حدثنا محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله : { لا تحلوا شعائر الله } قال : شعائر الله : ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت محرم . وكأن الذين قالوا هذه المقالة , وجهوا تأويل ذلك إلى : لا تحلوا معالم حدود الله التي حرمها عليكم في إحرامكم . وأولى التأويلات بقوله : { لا تحلوا شعائر الله } قول عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك إلى : لا تحلوا حرمات الله , ولا تضيعوا فرائضه ; لأن الشعائر جمع شعيرة , والشعيرة : فعيلة من قول القائل : قد شعر فلان بهذا الأمر : إذا علم به , فالشعائر : المعالم من ذلك . وإذا كان ذلك كذلك , كان معنى الكلام : لا تستحلوا أيها الذين آمنوا معالم الله , فيدخل في ذلك معالم الله كلها في مناسك الحج , من تحريم ما حرم الله إصابته فيها على المحرم , وتضييع ما نهى عن تضييعه فيها , وفيما حرم من استحلال حرمات حرمه , وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه ; لأن كل ذلك من معالمه وشعائره التي جعلها أمارات بين الحق والباطل , يعلم بها حلاله وحرامه وأمره ونهيه . وإنما قلنا ذلك القول أولى بتأويل قوله تعالى : { لا تحلوا شعائر الله } لأن الله نهى عن استحلال شعائره ومعالم حدوده , وإحلالها نهيا عاما من غير اختصاص شيء من ذلك دون شيء , فلم يجز لأحد أن يوجه معنى ذلك إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها , ولا حجة بذلك كذلك .الله ولا الشهر
القول في تأويل قوله تعالى : { ولا الشهر الحرام } يعني جل ثناؤه بقوله : { ولا الشهر الحرام } ولا تستحلوا الشهر الحرام بقتالكم به أعداءكم من المشركين , وهو كقوله : { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير } وبنحو الذي قلنا في ذلك قال ابن عباس وغيره . ذكر من قال ذلك : 8600 - حدثني المثنى قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { ولا الشهر الحرام } يعني : لا تستحلوا قتالا فيه . 8601 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : كان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت , فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت . وأما الشهر الحرام الذي عناه الله بقوله : { ولا الشهر الحرام } فرجب مضر , وهو شهر كانت مضر تحرم فيه القتال . وقد قيل : هو في هذا الموضع ذو القعدة . ذكر من قال ذلك : 8602 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , عن ابن جريج , عن عكرمة , قال : هو ذو القعدة . وقد بينا الدلالة على صحة ما قلنا في ذلك فيما مضى , وذلك في تأويل قوله : { يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه }الحرام ولا الهدي ولا
القول في تأويل قوله تعالى : { ولا الهدي ولا القلائد } أما الهدي : فهو ما أهداه المرء من بعير أو بقرة أو شاة أو غير ذلك إلى بيت الله , تقربا به إلى الله وطلب ثوابه . يقول الله عز وجل : فلا تستحلوا ذلك فتغضبوا أهله عليه , ولا تحولوا بينهم وبين ما أهدوا من ذلك أن يبلغوا به المحل الذي جعله الله محله من كعبته . وقد روي عن ابن عباس أن الهدي إنما يكون هديا ما لم يقلد . 8603 - حدثني بذلك محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله : { ولا الهدي } قال : الهدي ما لم يقلد , وقد جعل على نفسه أن يهديه ويقلده . وأما قوله : { ولا القلائد } فإنه يعني : ولا تحلوا أيضا القلائد . ثم اختلف أهل التأويل في القلائد التي نهى الله عز وجل عن إحلالها , فقال بعضهم : عنى بالقلائد : قلائد الهدي ; وقالوا : إنما أراد الله بقوله : { ولا الهدي ولا القلائد } ولا تحلوا الهدايا المقلدات منها وغير المقلدات ; فقوله : { ولا الهدي } ما لم يقلد من الهدايا , { ولا القلائد } المقلد منها . قالوا : ودل بقوله : { ولا القلائد } على معنى ما أراد من النهي عن استحلال الهدايا المقلدة . ذكر من قال ذلك : 8604 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { ولا القلائد } القلائد : مقلدات الهدي , وإذا قلد الرجل هديه فقد أحرم , فإن فعل ذلك وعليه قميصه فليخلعه . وقال آخرون : يعني بذلك : القلائد التي كان المشركون يتقلدونها إذا أرادوا الحج مقبلين إلى مكة من لحاء السمر , وإذا خرجوا منها إلى منازلهم منصرفين منها , من الشعر . ذكر من قال ذلك : 8605 - حدثني الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام } قال : كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من السمر فلم يعرض له أحد , فإذا رجع تقلد قلادة شعر فلم يعرض له أحد . وقال آخرون : بل كان الرجل منهم يتقلد إذا أراد الخروج من الحرم أو خرج من لحاء شجر الحرم فيأمن بذلك من سائر قبائل العرب أن يعرضوا له بسوء . ذكر من قال ذلك : 8606 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن مالك بن مغول , عن عطاء : { ولا القلائد } قال : كانوا يتقلدون من لحاء شجر الحرم , يأمنون بذلك إذا خرجوا من الحرم , فنزلت : { لا تحلوا شعائر الله } الآية , { ولا الهدي ولا القلائد } . 8607 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { ولا القلائد } قال : القلائد : اللحاء في رقاب الناس والبهائم أمن لهم . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 8608 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قوله : { ولا الهدي ولا القلائد } قال : إن العرب كانوا يتقلدون من لحاء شجر مكة , فيقيم الرجل بمكانه , حتى إذا انقضت الأشهر الحرم فأراد أن يرجع إلى أهله قلد نفسه وناقته من لحاء الشجر , فيأمن حتى يأتي أهله . 8609 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال ابن زيد في قوله : { ولا القلائد } قال : القلائد : كان الرجل يأخذ لحاء شجرة من شجر الحرم فيتقلدها , ثم يذهب حيث شاء , فيأمن بذلك , فذلك القلائد . وقال آخرون : إنما نهى الله المؤمنين بقوله : { ولا القلائد } أن ينزعوا شيئا من شجر الحرم فيتقلدوه كما كان المشركون يفعلون في جاهليتهم . ذكر من قال ذلك : 8610 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن عبد الملك , عن عطاء في قوله : { ولا الهدي ولا القلائد } كان المشركون يأخذون من شجر مكة من لحاء السمر , فيتقلدونها , فيأمنون بها من الناس , فنهى الله أن ينزع شجرها فيتقلد . 8611 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبيد الله , عن أبي جعفر الرازي , عن الربيع بن أنس , قال : جلسنا إلى مطرف بن الشخير , وعنده رجل , فحدثهم في قوله : { ولا القلائد } قال : كان المشركون يأخذون من شجر مكة من لحاء السمر فيتقلدون , فيأمنون بها في الناس , فنهى الله عز ذكره أن ينزع شجرها فيتقلد . والذي هو أولى بتأويل قوله : { ولا القلائد } إذ كانت معطوفة على أول الكلام , ولم يكن في الكلام ما يدل على انقطاعها عن أوله , ولا أنه عنى بها النهي عن التقلد أو اتخاذ القلائد من شيء ; أن يكون معناه : ولا تحلوا القلائد . فإذا كان ذلك بتأويله أولى , فمعلوم أنه نهي من الله جل ذكره عن استحلال حرمة المقلد هديا كان ذلك أو إنسانا , دون حرمة القلادة ; وأن الله عز ذكره إنما دل بتحريمه حرمة القلادة على ما ذكرنا من حرمة المقلد , فاجتزأ بذكره القلائد من ذكر المقلد , إذ كان مفهوما عند المخاطبين بذلك معنى ما أريد به . فمعنى الآية إذ كان الأمر على ما وصفنا : يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله , ولا الشهر الحرام , ولا الهدي , ولا المقلد بقسميه بقلائد الحرم . وقد ذكر بعض الشعراء في شعره , ما ذكرنا عمن تأول القلائد أنها قلائد لحاء شجر الحرم الذي كان أهل الجاهلية يتقلدونه , فقال وهو يعيب رجلين قتلا رجلين كانا تقلدا ذلك : ألم تقتلا الحرجين إذ أعوراكما يمران بالأيدي اللحاء المضفرا والحرجان : المقتولان كذلك . ومعنى قوله : أعوراكما : أمكناكما من عورتهما .القلائد ولا آمين البيت
القول في تأويل قوله تعالى : { ولا آمين البيت الحرام } يعني بقوله عز ذكره { ولا آمين البيت الحرام } ولا تحلوا قاصدين البيت الحرام العامدية , تقول منه : أممت كذا : إذا قصدته وعمدته , وبعضهم يقول : يممته , كما قال الشاعر : إني كذاك إذا ما ساءني بلد يممت صدر بعيري غيره بلدا والبيت الحرام : بيت الله الذي بمكة ; وقد بينت فيما مضى لم قيل له الحرام . { يبتغون فضلا من ربهم } يعني : يلتمسون أرباحا في تجارتهم من الله . { ورضوانا } يقول : وأن يرضى الله عنهم بنسكهم . وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في رجل من بني ربيعة يقال له الحطم . ذكر من قال ذلك : 8612 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : أقبل الحطم بن هند البكري , ثم أحد بني قيس بن ثعلبة , حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم وحده , وخلف خيله خارجة من المدينة , فدعاه فقال : إلام تدعو ؟ فأخبره , وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : " يدخل اليوم عليكم رجل من ربيعة , يتكلم بلسان شيطان " . فلما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم قال : انظروا لعلي أسلم , ولي من أشاوره . فخرج من عنده , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد دخل بوجه كافر , وخرج بعقب غادر " . فمر بسرح من سرح المدينة , فساقه , فانطلق به وهو يرتجز : قد لفها الليل بسواق حطم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزار على ظهر الوضم باتوا نياما وابن هند لم ينم بات يقاسيها غلام كالزلم خدلج الساقين ممسوح القدم ثم أقبل من عام قابل حاجا قد قلد وأهدى , فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه , فنزلت هذه الآية , حتى بلغ : { ولا آمين البيت الحرام } قال له ناس من أصحابه : يا رسول الله خل بيننا وبينه , فإنه صاحبنا ! قال : " إنه قد قلد " . قالوا : إنما هو شيء كنا نصنعه في الجاهلية . فأبى عليهم , فنزلت هذه الآية 8613 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , عن عكرمة , قال : قدم الحطم أخو بني ضبيعة بن ثعلبة البكري المدينة في عير له يحمل طعاما , فباعه . ثم دخل على النبي صلى الله عليه وسلم , فبايعه , وأسلم . فلما ولى خارجا نظر إليه , فقال لمن عنده : " لقد دخل علي بوجه فاجر وولى بقفا غادر " . فلما قدم اليمامة ارتد عن الإسلام , وخرج في عير له تحمل الطعام في ذي القعدة , يريد مكة ; فلما سمع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , تهيأ للخروج إليه نفر من المهاجرين والأنصار ليقتطعوه في عيره , فأنزل الله : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } الآية , فانتهى القوم . قال ابن جريج : قوله : { ولا آمين البيت الحرام } قال : ينهى عن الحجاج أن تقطع سبلهم . قال : وذلك أن الحطم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ليرتاد وينظر , فقال : إني داعية قومي , فاعرض علي ما تقول ! قال له : " أدعوك إلى الله أن تعبده ولا تشرك به شيئا , وتقيم الصلاة , وتؤتي الزكاة , وتصوم شهر رمضان , وتحج البيت " . قال الحطم : في أمرك هذا غلظة , أرجع إلى قومي فأذكر لهم ما ذكرت , فإن قبلوه أقبلت معهم , وإن أدبروا كنت معهم . قال له : " ارجع ! " فلما خرج , قال : " لقد دخل علي بوجه كافر وخرج من عندي بعقبى غادر , وما الرجل بمسلم " . فمر على سرح لأهل المدينة , فانطلق به فطلبه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , ففاتهم . وقدم اليمامة , وحضر الحج , فجهز خارجا , وكان عظيم التجارة , فاستأذنوا أن يتلقوه ويأخذوا ما معه , فأنزل الله عز وجل : { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام } 8614 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { ولا آمين البيت الحرام } 000 الآية , قال : هذا يوم الفتح جاء ناس يؤمون البيت من المشركين , يهلون بعمرة , فقال المسلمون : يا رسول الله إنما هؤلاء مشركون , فمثل هؤلاء فلن ندعهم إلا أن نغير عليهم ! فنزل القرآن : { ولا آمين البيت الحرام } 8615 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { ولا آمين البيت الحرام } يقول : من توجه حاجا . 8616 - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : أخبرنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { ولا آمين البيت الحرام } يعني : الحاج . 8617 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبيد الله بن موسى , عن أبي جعفر الرازي , عن الربيع بن أنس , قال : جلسنا إلى مطرف بن الشخير وعنده رجل , فحدثهم فقال : { ولا آمين البيت الحرام } قال : الذين يريدون البيت . ثم اختلف أهل العلم فيما نسخ من هذه الآية بعد إجماعهم على أن منها منسوخا , فقال بعضهم : نسخ جميعها . ذكر من قال ذلك : 8618 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا جرير , عن بيان , عن عامر , قال : لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد } . 8619 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا يزيد بن هارون , عن سفيان بن حسين , عن الحكم , عن مجاهد : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } نسختها : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا الثوري , عن بيان , عن الشعبي , قال : لم ينسخ من سورة المائدة غير هذه الآية : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } . 8620 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام } الآية , قال : منسوخ . قال : كان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت , فأمروا أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ولا عند البيت , فنسخها قوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } . 8621 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو معاوية , عن جويبر , عن الضحاك : { لا تحلوا شعائر الله } إلى قوله : { ولا آمين البيت الحرام } قال : نسختها براءة : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } . * - حدثني المثنى , قال : ثنا عمرو بن عون , قال : ثنا هشيم , عن الضحاك , مثله . * - حدثنا ابن حميد وابن وكيع , قالا : ثنا جرير , عن منصور , عن حبيب بن أبي ثابت : { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد } قال : هذا شيء نهي عنه , فترك كما هو . 8622 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام } قال : هذا كله منسوخ , نسخ هذا أمره بجهادهم كافة . وقال آخرون : الذي نسخ من هذه الآية , قوله : { ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام } ذكر من قال ذلك : 8623 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبدة بن سليمان , قال : قرأت على ابن أبي عروبة , فقال : هكذا سمعته من قتادة نسخ من المائدة : { آمين البيت الحرام } نسختها براءة , قال الله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } , وقال : { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر } , وقال : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } وهو العام الذي حج فيه أبو بكر , فنادى فيه بالأذان . * - حدثني المثنى , قال : ثنا الحجاج بن المنهال , قال : ثنا همام بن يحيى , عن قتادة , قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله } الآية , قال : فنسخ منها : { آمين البيت الحرام } نسختها براءة , فقال : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } , فذكر نحو حديث عبدة . 8624 - حدثنا محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي , قال : نزل في شأن الحطم : { ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام } ثم نسخه الله فقال : { اقتلوهم حيث ثقفتموهم } . 8625 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { لا تحلوا شعائر الله } إلى قوله : { ولا آمين البيت } جميعا , فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا أن يحج البيت أو يعرضوا له من مؤمن أو كافر , ثم أنزل الله بعد هذا : { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } , وقال : { ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله } , وقال : { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر } فنفى المشركين من المسجد الحرام . 8626 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام } الآية , قال : منسوخ , كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج , تقلد من السمر فلم يعرض له أحد , وإذا رجع تقلد قلادة شعر فلم يعرض له أحد , وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت , وأمروا أن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم ولا عند البيت , فنسخها قوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } . وقال آخرون : لم ينسخ من ذلك شيء إلا القلائد التي كانت في الجاهلية يتقلدونها من لحاء الشجر . ذكر من قال ذلك : 8627 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قوله : { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام } الآية , قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : هذا كله من عمل الجاهلية , فعله وإقامته , فحرم الله ذلك كله بالإسلام , إلا لحاء القلائد , فترك ذلك . { ولا آمين البيت الحرام } فحرم الله على كل أحد إخافتهم . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . وأولى الأقوال في ذلك بالصحة , قول من قال : نسخ الله من هذه الآية قوله : { ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام } لإجماع الجميع على أن الله قد أحل قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة كلها , وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه لحاء جميع أشجار الحرم لم يكن ذلك له أمانا من القتل إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان . وقد بينا فيما مضى معنى القلائد في غير هذا الموضع . وأما قوله : { ولا آمين البيت الحرام } فإنه محتمل ظاهره : ولا تحلوا حرمة آمين البيت الحرام من أهل الشرك والإسلام , لعموم جميع من أم البيت . وإذا احتمل ذلك , فكان أهل الشرك داخلين في جملتهم , فلا شك أن قوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } ناسخ له ; لأنه غير جائز اجتماع الأمر بقتلهم وترك قتلهم في حال واحدة ووقت واحد . وفي إجماع الجميع على أن حكم الله في أهل الحرب من المشركين قتلهم , أموا البيت الحرام أو البيت المقدس في أشهر الحرم وغيرها , ما يعلم أن المنع من قتلهم إذا أموا البيت الحرام منسوخ , ومحتمل أيضا : ولا آمين البيت الحرام من أهل الشرك , وأكثر أهل التأويل على ذلك . وإن كان عني بذلك المشركون من أهل الحرب , فهو أيضا لا شك منسوخ . وإذ كان ذلك كذلك وكان لا اختلاف في ذلك بينهم ظاهر , وكان ما كان مستفيضا فيهم ظاهر الحجة , فالواجب وإن احتمل ذلك معنى غير الذي قالوا , التسليم لما استفاض بصحته نقلهم .الحرام يبتغون فضلا من ربهم
القول في تأويل قوله تعالى : { يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } يعني بقوله : { يبتغون } يطلبون ويلتمسون . والفضل : الإرباح في التجارة ; والرضوان : رضا الله عنهم , فلا يحل بهم من العقوبة في الدنيا ما أحل بغيرهم من الأمم في عاجل دنياهم بحجهم بيته . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8628 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : ثنا معمر , عن قتادة في قوله : { يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } قال : هم المشركون يلتمسون فضل الله ورضوانه فيما يصلح لهم دنياهم . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبدة بن سليمان , قال : قرأت على ابن أبي عروبة , فقال : هكذا سمعته من قتادة في قوله : { يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } والفضل والرضوان : اللذان يبتغون أن يصلح معايشهم في الدنيا , وأن لا يعجل لهم العقوبة فيها . 8629 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس . { يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } يعني : أنهم يترضون الله بحجهم . 8630 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبيد الله , عن أبي جعفر الرازي , عن الربيع بن أنس , قال : جلسنا إلى مطرف بن الشخير , وعنده رجل , فحدثهم في قوله : { يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } قال : التجارة في الحج , والرضوان في الحج . 8631 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن أبي أميمة , قال : قال ابن عمر في الرجل يحج , ويحمل معه متاعا , قال : لا بأس به . وتلا هذه الآية : { يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } . 8632 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } قال : يبتغون الأجر والتجارة .ورضوانا وإذا حللتم
القول في تأويل قوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا } يعني بذلك جل ثناؤه : { وإذا حللتم فاصطادوا } الصيد الذي نهيتكم أن تحلوه وأنتم حرم , يقول : فلا حرج عليكم في اصطياده واصطادوا إن شئتم حينئذ ; لأن المعنى الذي من أجله كنت حرمته عليكم في حال إحرامكم قد زال . وبما قلنا في ذلك قال جميع أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8633 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : ثنا حصين , عن مجاهد , أنه قال : هي رخصة . يعني قوله : { وإذا حللتم فاصطادوا } . 8634 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن حجاج , عن القاسم , عن مجاهد , قال : خمس في كتاب الله رخصة , وليست بعزمة , فذكر : { وإذا حللتم فاصطادوا } قال : من شاء فعل , ومن شاء لم يفعل . 8635 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد , عن حجاج , عن عطاء , مثله . 8636 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن سفيان , عن حصين , عن مجاهد : { وإذا حللتم فاصطادوا } قال : إذا حل , فإن شاء صاد , وإن شاء لم يصطد . 8637 - حدثنا ابن وكيع , قال : حدثنا ابن إدريس , عن ابن جريج , عن رجل , عن مجاهد : أنه كان لا يرى الأكل من هدي المتعة واجبا , وكان يتأول هذه الآية : { وإذا حللتم فاصطادوا } { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } .فاصطادوا ولا
القول في تأويل قوله تعالى : { ولا يجرمنكم } يعني جل ثناؤه بقوله : { ولا يجرمنكم } ولا يحملنكم . كما : 8638 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { ولا يجرمنكم شنآن قوم } يقول : لا يحملنكم شنآن قوم . 8639 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قوله : { ولا يجرمنكم شنآن قوم } أي لا يحملنكم . وأما أهل المعرفة باللغة , فإنهم اختلفوا في تأويلها , فقال بعض البصريين : معنى قوله : { ولا يجرمنكم } لا يحقن لكم ; لأن قوله : { لا جرم أن لهم النار } هو حق أن لهم النار . وقال بعض الكوفيين معناه : لا يحملنكم . وقال : يقال : جرمني فلان على أن صنعت كذا وكذا : أي حملني عليه . واحتج جميعهم ببيت الشاعر : ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا فتأول ذلك كل فريق منهم على المعنى الذي تأوله من القرآن , فقال الذين قالوا : { لا يجرمنكم } لا يحقن لكم معنى قول الشاعر : جرمت فزارة : أحقت الطعنة لفزارة الغضب . وقال الذين قالوا معناه : لا يحملنكم : معناه في البيت : " جرمت فزارة أن يغضبوا " : حملت فزارة على أن يغضبوا . وقال آخر من الكوفيين : معنى قوله : { لا يجرمنكم } لا يكسبنكم شنآن قوم . وتأويل قائل هذا القول قول الشاعر في البيت : " جرمت فزارة " : كسبت فزارة أن يغضبوا . قال : وسمعت العرب تقول : فلان جريمة أهله , بمعنى : كاسبهم , وخرج يجرمهم : يكسبهم . وهذه الأقوال التي حكيناها عمن حكيناها عنه متقاربة المعنى ; وذلك أن من حمل رجلا على بغض رجل فقد أكسبه بغضه , ومن أكسبه بغضه فقد أحقه له . فإذا كان ذلك كذلك , فالذي هو أحسن في الإبانة عن معنى الحرف , ما قاله ابن عباس وقتادة , وذلك توجيههما معنى قوله : { ولا يجرمنكم شنآن قوم } ولا يحملنكم شنآن قوم على العدوان . واختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأته عامة قراء الأمصار : { ولا يجرمنكم } بفتح الياء من : جرمته أجرمه . وقرأ ذلك بعض قراء الكوفيين , وهو يحيى بن وثاب والأعمش , ما : 8640 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع , قالا : ثنا جرير , عن الأعمش , أنه قرأ : "ولا يجرمنكم " مرتفعة الياء من أجرمته أجرمه وهو يجرمني . والذي هو أولى بالصواب من القراءتين , قراءة من قرأ ذلك : { ولا يجرمنكم } بفتح الياء , لاستفاضة القراءة بذلك في قراء الأمصار وشذوذ ما خالفها , وأنها اللغة المعروفة السائرة في العرب , وإن كان مسموعا من بعضها : أجرم يجرم , على شذوذه , وقراءة القرآن بأفصح اللغات أولى وأحق منها بغير ذلك ومن لغة من قال : جرمت , قول الشاعر : يا أيها المشتكي عكلا وما جرمت إلى القبائل من قتل وإبآسيجرمنكم شنآن
القول في تأويل قوله تعالى : { شنآن قوم } اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأه بعضهم : { شنآن } بتحريك الشين والنون إلى الفتح , بمعنى : بغض قوم توجيها منهم ذلك إلى المصدر الذي يأتي على فعلان نظير الطيران , والنسلان , والعسلان , والرملان . وقرأ ذلك آخرون : { شنآن قوم } بتسكين النون وفتح الشين , بمعنى الاسم ; توجيها منهم معناه إلى : لا يحملنكم بغض قوم , فيخرج شنآن على تقدير فعلان ; لأن فعل منه على فعل , كما يقال : سكران من سكر , وعطشان من عطش , وما أشبه ذلك من الأسماء . والذي هو أولى القراءتين في ذلك بالصواب , قراءة من قرأ : { شنآن } بفتح النون محركة , لشائع تأويل أهل التأويل على أن معناه : بغض قوم , وتوجيههم ذلك إلى معنى المصدر دون معنى الاسم . وإذ كان ذلك موجها إلى معنى المصدر , فالفصيح من كلام العرب فيما جاء من المصادر على الفعلان بفتح الفاء تحريك ثانيه دون تسكينه , كما وصفت من قولهم : الدرجان , والرملان من درج ورمل , فكذلك الشنآن من شنئته أشنؤه شنآنا . ومن العرب من يقول : شنآن على تقدير فعال , ولا أعلم قارئا قرأ ذلك كذلك , ومن ذلك قول الشاعر : وما العيش إلا ما يلذ ويشتهى وإن لام فيه ذو الشنان وفندا وهذا في لغة من ترك الهمز من الشنآن , فصار على تقدير فعال وهو في الأصل فعلان . ذكر من قال من أهل التأويل : { شنآن قوم } بغض قوم . 8641 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { ولا يجرمنكم شنآن قوم } لا يحملنكم بغض قوم . * - وحدثني به المثنى مرة أخرى بإسناده , عن ابن عباس , فقال : لا يحملنكم عداوة قوم أن تعتدوا . 8642 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { ولا يجرمنكم شنآن قوم } لا يجرمنكم بغض قوم . 8643 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { ولا يجرمنكم شنآن قوم } قال : بغضاؤهم أن تعتدوا .قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن
القول في تأويل قوله تعالى : { أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا } اختلفت القراء في قراءة ذلك , فقرأه بعض أهل المدينة وعامة قراء الكوفيين : { أن صدوكم } بفتح الألف من " أن " بمعنى : لا يجرمنكم بغض قوم بصدهم إياكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا . وكان بعض قراء الحجاز والبصرة يقرأ ذلك : " ولا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم " بكسر الألف من " إن "بمعنى : ولا يجرمنكم شنآن قوم إن هم أحدثوا لكم صدا عن المسجد الحرام , أن تعتدوا . فزعموا أنها في قراءة ابن مسعود : " إن يصدكم "فقراءة ذلك كذلك اعتبارا بقراءته . والصواب من القول في ذلك عندي , أنهما قراءتان معروفتان مشهورتان في قراءة الأمصار , صحيح معنى كل واحدة منهما . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صد عن البيت هو وأصحابه يوم الحديبية , وأنزلت عليه سورة المائدة بعد ذلك . فمن قرأ : { أن صدوكم } بفتح الألف من " أن " فمعناه : لا يحملنكم بغض قوم أيها الناس من أجل أن صدوكم يوم الحديبية عن المسجد الحرام , أن تعتدوا عليهم . ومن قرأ : " إن صدوكم " بكسر الألف , فمعناه : لا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم عن المسجد الحرام إذا أردتم دخوله ; لأن الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قريش يوم فتح مكة قد حاولوا صدهم عن المسجد الحرام قبل أن يكون ذلك من الصادين . غير أن الأمر وإن كان كما وصفت , فإن قراءة ذلك بفتح الألف أبين معنى ; لأن هذه السورة لا تدافع بين أهل العلم في أنها نزلت بعد يوم الحديبية . وإذ كان ذلك كذلك , فالصد قد كان تقدم من المشركين , فنهى الله المؤمنين عن الاعتداء على الصادين من أجل صدهم إياهم عن المسجد الحرام , وأما قوله : { أن تعتدوا } فإنه يعني : أن تجاوزوا الحد الذي حده الله لكم في أمرهم . فتأويل الآية إذن : ولا يحملنكم بغض قوم لأن صدوكم عن المسجد الحرام أيها المؤمنون أن تعتدوا حكم الله فيهم فتجاوزوه إلى ما نهاكم عنه , ولكن الزموا طاعة الله فيما أحببتم وكرهتم . وذكر أنها نزلت في النهي عن الطلب بذحول الجاهلية . ذكر من قال ذلك : 8644 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { أن تعتدوا } رجل مؤمن من حلفاء محمد , قتل حليفا لأبي سفيان من هذيل يوم الفتح بعرفة ; لأنه كان يقتل حلفاء محمد , فقال محمد صلى الله عليه وسلم : " لعن الله من قتل بذحل الجاهلية " * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . وقال آخرون : هذا منسوخ . ذكر من قال ذلك : 8645 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { ولا يجرمنكم شنآن قوم أن تعتدوا } قال : بغضاؤهم , حتى تأتوا ما لا يحل لكم . وقرأ { أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا } وتعاونوا , قال : هذا كله قد نسخ , نسخه الجهاد . وأولى القولين في ذلك بالصواب قول مجاهد : إنه غير منسوخ لاحتماله أن تعتدوا الحق فيما أمرتكم به . وإذا احتمل ذلك , لم يجز أن يقال : هو منسوخ , إلا بحجة يجب التسليم لها .تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم
القول في تأويل قوله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } يعني جل ثناؤه بقوله : { وتعاونوا على البر والتقوى } وليعن بعضكم أيها المؤمنون بعضا على البر , وهو العمل بما أمر الله بالعمل به { والتقوى } هو اتقاء ما أمر الله باتقائه واجتنابه من معاصيه . وقوله : { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } يعني : ولا يعن بعضكم بعضا على الإثم , يعني : على ترك ما أمركم الله بفعله . { والعدوان } يقول : ولا على أن تتجاوزوا ما حد الله لكم في دينكم , وفرض لكم في أنفسكم وفي غيركم . وإنما معنى الكلام : ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا , ولكن ليعن بعضكم بعضا بالأمر بالانتهاء إلى ما حده الله لكم في القوم الذين صدوكم عن المسجد الحرام وفي غيرهم , والانتهاء عما نهاكم الله أن تأتوا فيهم وفي غيرهم وفي سائر ما نهاكم عنه , ولا يعن بعضكم بعضا على خلاف ذلك . وبما قلنا في البر والتقوى قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 8646 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { وتعاونوا على البر والتقوى } البر : ما أمرت به , والتقوى : ما نهيت عنه . 8647 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله : { وتعاونوا على البر والتقوى } قال : البر : ما أمرت به , والتقوى : ما نهيت عنه .والعدوان واتقوا الله إن الله شديد
القول في تأويل قوله تعالى : { واتقوا الله إن الله شديد العقاب } وهذا وعيد من الله جل ثناؤه وتهديد لمن اعتدى حده وتجاوز أمره . يقول عز ذكره : { واتقوا الله } يعني : واحذروا الله أيها المؤمنون أن تلقوه في معادكم وقد اعتديتم حده فيما حد لكم وخالفتم أمره فيما أمركم به أو نهيه فيما نهاكم عنه , فتستوجبوا عقابه وتستحقوا أليم عذابه ثم وصف عقابه بالشدة , فقال عز ذكره : إن الله شديد عقابه لمن عاقبه من خلقه ; لأنها نار لا يطفأ حرها , ولا يخمد جمرها , ولا يسكن لهبها . نعوذ بالله منها ومن عمل يقربنا منها .