تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 188 من سورة الأعراف
القول في تأويل قوله : قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل، يا محمد، لسائليك عن الساعة: أَيَّانَ مُرْسَاهَا =(لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا)، يقول: لا أقدر على اجتلاب نفع إلى نفسي, ولا دفع ضر يحلّ بها عنها إلا ما شاء الله أن أملكه من ذلك، بأن يقوّيني عليه ويعينني (1) =(ولو كنت أعلم الغيب)، يقول: لو كنت أعلم ما هو كائن مما لم يكن بعد (2) =(لاستكثرت من الخير)، يقول: لأعددت الكثير من الخير. (3)
* * *
ثم اختلف أهل التأويل في معنى " الخير " الذي عناه الله بقوله: (لاستكثرت من الخير). (4) فقال بعضهم: معنى ذلك: لاستكثرت من العمل الصالح.
* ذكر من قال ذلك:
15494 - حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال: قال ابن جريج: قوله: (قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًّا) قال: الهدى والضلالة =(لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير) قال: " أعلم الغيب "، متى أموت = لاستكثرت من العمل الصالح.
15495 - حدثني المثنى قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل, عن ابن أبى نجيح, عن مجاهد, مثله.
15496 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء)، : قال: لاجتنبت ما يكون من الشرّ واتَّقيته.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: " ولو كنت أعلم الغيب " لأعددت للسَّنة المجدبة من المخصبة, ولعرفت الغلاء من الرُّخْص, واستعددت له في الرُّخْص.
* * *
وقوله: (وما مسني السوء)، يقول: وما مسني الضر (5) =(إن أنا إلا نذير وبشير)، يقول: ما أنا إلا رسولٌ لله أرسلني إليكم, أنذر عقابه مَن عصاه منكم وخالف أمره, وأبشّرَ بثوابه وكرامته من آمن به وأطاعه منكم. (6)
* * *
وقوله: (لقوم يؤمنون)، يقول: يصدقون بأني لله رسول, ويقرون بحقية ما جئتهم به من عنده. (7)
-----------------
الهوامش :
(1) انظر تفسير (( ملك )) فيما سلف 10 : 147 ، 187 ، 317 .
(2) انظر تفسير ((الغيب )) فيما سلف 11 : 464 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(3) انظر تفسير (( استكثر )) فيما سلف 12 : 115 .
(4) انظر تفسير (( الخير )) فيما سلف 2 : 505 / 7 : 91 .
(5) انظر تفسير (( المس )) فيما سلف 12 : 573 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
(6) انظر تفسير (( نذير )) فيما سلف ص : 290 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك . = وتفسير (( بشير )) فيما سلف 11 : 369 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك .
(7) في المطبوعة : (( بحقية ما جئتهم به )) ، والصواب من المخطوطة ، وقد غيرها في مئات من المواضع ، انظر ما سلف ص : 113 ، تعليق : 1 والمراجع هناك . و (( الحقيقة )) ، مصدر ، بمعني الصدق والحق ، كما أسلفت .