تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 78 من سورة الأعراف
القول في تأويل قوله : فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره: فأخذت الذين عقروا الناقةَ من ثمود =(الرجفة)، وهي الصيحة.
* * *
و " الرجفة " ،" الفعلة "، من قول القائل: " رجَف بفلان كذا يرجُفُ رجْفًا "، وذلك إذا حرَّكه وزعزعه، كما قال الأخطل:
إِمَّـا تَـرَيْنِي حَنَـانِي الشَّـيْبُ مِنْ كِبَرٍ
كَالنَّسْـرِ أَرْجُـفُ , وَالإنْسَـانُ مَهْدُودُ (7)
وإنما عنى بـ" الرجفة " ، ها هنا الصيحة التي زعزعتهم وحركتهم للهلاك، لأن ثمود هلكت بالصيحة ، فيما ذكر أهل العلم.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14828-حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: " الرجفة " ، قال: الصيحة.
14829-حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
14830-حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ( فأخذتهم الرجفة ) ، وهي الصيحة.
14831-حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد، عن مجاهد: ( فأخذتهم الرجفة ) ، قال: الصيحة.
* * *
وقوله: ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) ، يقول: فأصبح الذين أهلك الله من ثمود=(في دارهم)، يعني في أرضهم التي هلكوا فيها وبلدتهم.
* * *
ولذلك وحَّد " الدار " ولم يجمعها فيقول " في دورهم "= وقد يجوز أن يكون أريد بها الدور، ولكن وجَّه بالواحدة إلى الجميع، كما قيل: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ) [العصر: 1-2].
* * *
وقوله: ( جاثمين ) ، يعني: سقوطًا صرعَى لا يتحركون ، لأنهم لا أرواح فيهم ، قد هلكوا. والعرب تقول للبارك على الركبة: " جاثم "، ومنه قول جرير:
عَــرَفْتُ المُنْتَـأَى , وَعَـرَفْتُ مِنْهَـا
مَطَايَــا القِــدْرِ كَــالحِدَإِ الجُـثُومِ (8)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14832-حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) ، قال: ميتين.
--------------------
الهوامش :
(7) ديوانه: 146 من قصيدة له جيدة ، قالها في يزيد بن معاوية ، وذكر فيها الشباب ذكرًا عجبًا ، وقد رأى إعراض الغواني عنه من أجله ، يقول بعده:
وَقَـدْ يَكُـونُ الصِّبَـى مِنِّـي بِمَنْزِلَـةٍ
يَوْمًـا ، وتَقْتَـادُنِي الهِيـفُ الرَّعَـادِيدُ
يَـا قَـلَّ خَيْرُ الغَوَانِي ، كيف رُغْنَ بِهِ
فَشُــرْبُهُ وَشَــلٌ فِيهِــنَّ تَصْرِيـدُ
أَعْـرَضْنَ مِنْ شَمَطٍ في الرَّأْسِ لاحَ بِهِ
فَهُــنّ مِنْـهُ ، إِذَا أَبْصَرْنَـهُ ، حِـيدُ
قَـدْ كُـنَّ يَعْهَـدْنَ مِنِّي مَضْحَكًا حَسَنًا
وَمَفْرِقًــا حَسَــرَتْ عَنْـهُ العَنَـاقِيدُ
فَهُـنَّ يَشْـدُونَ مِنِّـي بَعْـضَ مَعْرِفَةٍ،
وَهُــنَّ بـالوُدِّ ، لا بُخْـلٌ ولا جُـودُ
قَـدْ كَـانَ عَهْـدِي جَدِيدًا ، فَاسْتُبِدَّ بِهِ،
وَالعَهْـدُ مُتَّبَـعٌ مَـا فِيـهِ ، مَنشُـودُ
يَقُلْـنَ : لا أَنْـتَ بَعْـلٌ يُسْـتَقَادُ لَـهُ،
وَلا الشَّـبَابُ الَّـذِي قَـدْ فَـاتَ مَرْدُودُ
هَـلْ لِلشَّـبَابِ الـذي قَدْ فَاتَ مرْدُودُ ?
أَمْ هَـلْ دَوَاءٌ يَـرُدُّ الشِّـيبَ مَوْجُودُ ?
لَـنْ يَرْجِـعَ الشِّيبُ شُبَّانًا ، وَلَنْ يَجِدُوا
عِــدْلَ الشَّـبَابِ ، مَـا أَوْرَقَ العُـودُ
إِنَّ الشَّــبَابَ لَمَحْــمُودٌ بَشَاشَــتُهُ
والشَّـيْبُ مُنْصَـرفٌ عَنْـهُ وَمَصْـدُودُ
وهي أبيات ملئت عاطفة وحزنًا وحسرة ، فاحفظها.
(8) ديوانه: 507 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 218 ، من قصيدته في هشام بن عبد الملك ، مضى منها بيت فيما سلف 1: 170.
يقول قبله:
وَقَفْـتُ عَـلَى الدِّيَـارِ ، وَمَـا ذَكَرْنَـا
كَـــدَارٍ بَيْــنَ تَلْعَــةَ والنَّظِيــم
و"المنتأى" ، حفير النؤى حول البيت. و"مطايا القدر" ، أثافيها ، تركبها القدر فهي لها مطية. وجعلها كالحدإ الجثوم ، لسوادها من سخام النار.
وكان في المخطوطة: "عرفت الصاى" ، غير منقوطة ، وخطأ ، صوابه ما في المطبوعة.