تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 1 من سورة الأنفال
يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول
القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الأنفال { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال } اختلف أهل التأويل في معنى الأنفال التي ذكرها الله في هذا الموضع , فقال بعضهم : هي الغنائم , وقالوا : معنى الكلام : يسألك أصحابك يا محمد عن الغنائم التي غنمتها أنت وأصحابك يوم بدر لمن هي , فقل هي لله ولرسوله . ذكر من قال ذلك . 12136 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا وكيع , قال : ثنا سويد بن عمرو , عن حماد بن زيد , عن عكرمة : { يسألونك عن الأنفال } قال : الأنفال : الغنائم . 12137 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال : الأنفال : الغنائم . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال : الأنفال : المغنم . 12138 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبو خالد الأحمر , عن جويبر , عن الضحاك : { يسألونك عن الأنفال } قال : الغنائم . * - حدثت عن الحسين بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { الأنفال } قال : يعني الغنائم . 12139 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس , قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال : الأنفال : الغنائم . * - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { يسألونك عن الأنفال } الأنفال : الغنائم . 12140 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , في قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال : الأنفال : الغنائم . 12141 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : الأنفال : الغنائم . 12142 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا ابن المبارك , عن ابن جريج , عن عطاء : { يسألونك عن الأنفال } قال : الغنائم . وقال آخرون : هي أنفال السرايا . ذكر من قال ذلك . 12143 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا علي بن صالح بن حي , قال : بلغني في قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال : السرايا . وقال آخرون : الأنفال ما شذ من المشركين إلى المسلمين من عبد أو دابة وما أشبه ذلك . ذكر من قال ذلك . 12144 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا جابر بن نوح , عن عبد الملك , عن عطاء , في قوله : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } قال : هو ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال دابة أو عبد أو متاع , ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا ابن نمير , عن عبد الملك , عن عطاء : { يسألونك عن الأنفال } قال : هي ما شذ من المشركين إلى المسلمين بغير قتال من عبد أو أمة أو متاع أو نفل , فهو للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيه ما شاء . 12145 - قال : ثنا عبد الأعلى , عن معمر , عن الزهري , أن ابن عباس سئل عن الأنفال , فقال : السلب والفرس . 12146 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , ويقال : الأنفال : ما أخذ مما سقط من المتاع بعدما تقسم الغنائم , فهي نفل لله ولرسوله . 12147 - حدثني القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج : أخبرني عثمان بن أبي سليمان , عن محمد بن شهاب أن رجلا قال لابن عباس : ما الأنفال ؟ قال : الفرس والدرع والرمح . 12148 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد , قال : قال ابن جريج , قال عطاء : الأنفال : الفرس الشاذ , والدرع , والثوب . 12149 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا محمد بن ثور , عن معمر , عن الزهري , عن ابن عباس , قال : كان ينفل الرجل فرس الرجل وسلبه . 12150 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : أخبرني مالك بن أنس , عن ابن شهاب , عن القاسم بن محمد , قال : سمعت رجلا سأل ابن عباس عن الأنفال , فقال ابن عباس : الفرس من النفل , والسلب من النفل . ثم عاد لمسألته , فقال ابن عباس ذلك أيضا , ثم قال الرجل : الأنفال التي قال الله في كتابه ما هي ؟ قال القاسم : فلم يزل يسأله حتى كاد يحرجه , فقال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا ؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن الزهري , عن القاسم بن محمد , قال : قال ابن عباس : كان عمر رضي الله عنه إذا سئل عن شيء قال : لا آمرك ولا أنهاك . ثم قال ابن عباس : والله ما بعث الله نبيه عليه السلام إلا زاجرا آمرا محللا محرما . قال القاسم : فسلط على ابن عباس رجل يسأله عن الأنفال , فقال ابن عباس : كان الرجل ينفل فرس الرجل وسلاحه . فأعاد عليه الرجل , فقال له مثل ذلك , ثم أعاد عليه حتى أغضبه , فقال ابن عباس : أتدرون ما مثل هذا ؟ مثل صبيغ الذي ضربه عمر حتى سالت الدماء على عقبيه , أو على رجليه , فقال الرجل : أما أنت فقد انتقم الله لعمر منك . * - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا ابن المبارك , عن عبد الملك , عن عطاء : { يسألونك عن الأنفال } قال : يسألونك فيما شذ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال من دابة أو عبد , فهو نفل للنبي صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : النفل : الخمس الذي جعله الله لأهل الخمس . ذكر من قال ذلك . 12151 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { يسألونك عن الأنفال } قال : هو الخمس . قال المهاجرون : لم يرفع عنا هذا الخمس ؟ لم يخرج منا ؟ فقال الله : هو لله والرسول . 12152 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا عباد بن العوام , عن الحجاج , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمس بعد الأربعة الأخماس , فنزلت : { يسألونك عن الأنفال } . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب في معنى الأنفال قول من قال : هي زيادات يزيدها الإمام بعض الجيش أو جميعهم ; إما من سلبه على حقوقهم من القسمة , وإما مما وصل إليه بالنفل , أو ببعض أسبابه , ترغيبا له وتحريضا لمن معه من جيشه على ما فيه صلاحهم وصلاح المسلمين , أو صلاح أحد الفريقين . وقد يدخل في ذلك ما قال ابن عباس من أنه الفرس والدرع ونحو ذلك , ويدخل فيه ما قاله عطاء من أن ذلك ما عاد من المشركين إلى المسلمين من عبد أو فرس ; لأن ذلك أمره إلى الإمام إذا لم يكن ما وصلوا إليه لغلبة وقهر , يفعل ما فيه صلاح أهل الإسلام , وقد يدخل فيه ما غلب عليه الجيش بقهر . وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب , لأن النفل في كلام العرب إنما هو الزيادة على الشيء , يقال منه : نفلتك كذا , وأنفلتك : إذا زدتك , والأنفال : جمع نفل ; ومنه قول لبيد بن ربيعة : إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي وعجل فإذ كان معناه ما ذكرنا , فكل من زيد من مقاتلة الجيش على سهمه من الغنيمة , إن كان ذلك لبلاء أبلاه أو لغناء كان منه عن المسلمين , بتنفيل الوالي ذلك إياه , فيصير حكم ذلك له كالسلب الذي يسلبه القاتل , فهو منفل ما زيد من ذلك ; لأن الزيادة وإن كانت مستوجبة في بعض الأحوال بحق , فليست من الغنيمة التي تقع فيها القسمة , وكذلك كل ما رضخ لمن لا سهم له في الغنيمة فهو نفل , لأنه وإن كان مغلوبا عليه فليس مما وقعت عليه القسمة . فالفصل إذ كان الأمر على ما وصفنا بين الغنيمة والنفل , أن الغنيمة هي ما أفاء الله على المسلمين من أموال المشركين بغلبة وقهر نفل منه منفل أو لم ينفل ; والنفل : هو ما أعطيه الرجل على البلاء والغناء عن الجيش على غير قسمة . وإذ كان ذلك معنى النفل , فتأويل الكلام : يسألك أصحابك يا محمد عن الفضل من المال الذي تقع فيه القسمة من غنيمة كفار قريش الذين قتلوا ببدر لمن هو قل لهم يا محمد : هو لله ولرسوله دونكم , يجعله حيث شاء . واختلف في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية , فقال بعضهم : نزلت في غنائم بدر ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نفل أقواما على بلاء , فأبلى أقوام وتخلف آخرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاختلفوا فيها بعد انقضاء الحرب , فأنزل الله هذه الآية على رسوله , يعلمهم أن ما فعل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فماض جائز . ذكر من قال ذلك . 12153 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا معتمر بن سليمان , قال : سمعت داود بن أبي هند يحدث , عن عكرمة , عن ابن عباس , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أتى مكان كذا وكذا , فله كذا وكذا , أو فعل كذا وكذا , فله كذا وكذا " . فتسارع إليه الشبان , وبقي الشيوخ عند الرايات . فلما فتح الله عليهم , جاءوا يطلبون ما جعل لهم النبي صلى الله عليه وسلم , فقال لهم الأشياخ : لا تذهبوا به دوننا ! فأنزل الله عليه الآية : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } . * - حدثنا المثنى , قال : ثنا عبد الأعلى , وحدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبد الأعلى , قال : ثنا داود , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : لما كان يوم بدر , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صنع كذا وكذا , فله كذا وكذا " قال : فتسارع في ذلك شبان الرجال , وبقيت الشيوخ تحت الرايات ; فلما كانت الغنائم , جاءوا يطلبون الذي جعل لهم , فقالت الشيوخ : لا تستأثروا علينا , فإنا كنا ردءا لكم , وكنا تحت الرايات , ولو انكشفتم لفئتم إلينا ! فتنازعوا , فأنزل الله : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } . * - حدثني إسحاق بن شاهين , قال : ثنا خالد بن عبد الله , عن داود , عن عكرمة , عن ابن عباس , قال : لما كان يوم بدر , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فعل كذا فله كذا وكذا من النفل " قال : فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات , فلم يبرحوا , فلما فتح عليهم , قالت المشيخة : كنا ردءا لكم , فلو انهزمتم انحزتم إلينا , لا تذهبوا بالمغنم دوننا ! فأبى الفتيان وقالوا : جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا فأنزل الله : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } قال : فكان ذلك خيرا لهم , وكذلك أيضا : أطيعوني فإني أعلم . 12154 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا داود , عن عكرمة في هذه الآية : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } قال : لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صنع كذا فله من النفل كذا " فخرج شبان من الرجال فجعلوا يصنعونه , فلما كان عند القسمة , قال الشيوخ : نحن أصحاب الرايات , وقد كنا ردءا لكم ! فأنزل الله في ذلك : { قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } . 12155 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا يعقوب الزبيري , قال : ثني المغيرة بن عبد الرحمن , عن أبيه , عن سليمان بن موسى , عن مكحول مولى هذيل , عن أبي سلام , عن أبي أمامة الباهلي , عن عبادة بن الصامت , قال : أنزل الله حين اختلف القوم في الغنائم يوم بدر : { يسألونك عن الأنفال } إلى قوله : { إن كنتم مؤمنين } فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم عن سواء . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن محمد , قال : ثني عبد الرحمن بن الحارث وغيره من أصحابنا , عن سليمان بن موسى الأسدي , عن مكحول , عن أبي أمامة الباهلي , قال : سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال , فقال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل , وساءت فيه أخلاقنا , فنزعه الله من أيدينا , فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن سواء , يقول : على السواء , فكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وصلاح ذات البين . وقال آخرون : إنما نزلت هذه الآية لأن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله من المغنم شيئا قبل قسمتها , فلم يعطه إياه , إذ كان شركا بين الجيش , فجعل الله جميع ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك . 12156 - حدثني إسماعيل بن موسى السدي , قال : ثنا أبو الأحوص , عن عاصم , عن مصعب بن سعد , عن سعد , قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسيف , فقلت : يا رسول الله هذا السيف قد شفى الله به من المشركين ! فسألته إياه , فقال : " ليس هذا لي ولا لك " . قال : فلما وليت , قلت : أخاف أن يعطيه من لم يبل بلائي . فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفي , قال : فقلت : أخاف أن يكون نزل في شيء ! قال : " إن السيف قد صار لي " . قال : فأعطانيه , ونزلت : { يسألونك عن الأنفال } . 12157 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا أبو بكر , قال : ثنا عاصم , عن مصعب بن سعد , عن سعد بن مالك , قال : لما كان يوم بدر , جئت بسيف , قال : فقلت : يا رسول الله , إن الله قد شفى صدري من المشركين أو نحو هذا , فهب لي هذا السيف ! فقال لي : " هذا ليس لي ولا لك " . فرجعت فقلت : عسى أن يعطي هذا من لم يبل بلائي ! فجاءني الرسول , فقلت : حدث في حدث : فلما انتهيت , قال : " يا سعد إنك سألتني السيف وليس لي , وإنه قد صار لي فهو لك " . ونزلت : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } . * - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن إسرائيل , عن سماك بن حرب , عن مصعب بن سعد , عن أبيه , قال : أصبت سيفا يوم بدر , فأعجبني , فقلت : يا رسول الله هبه لي ! فأنزل الله : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } . * - حدثنا ابن المثنى وابن وكيع , قال ابن المثنى , ثني معاوية , وقال ابن وكيع : ثنا أبو معاوية , قال : ثنا الشيباني , عن محمد بن عبيد الله , عن سعد بن أبي وقاص , قال : لما كان يوم بدر قتل أخي عمير وقتلت سعيد بن العاص , وأخذت سيفه , وكان يسمى ذا الكتيفة , فجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اذهب فاطرحه في القبض " ! فطرحته ورجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي , قال : فما جاوزت إلا قريبا حتى نزلت عليه سورة الأنفال , فقال : " اذهب فخذ سيفك " . ولفظ الحديث لابن المثنى . 12158 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يونس بن بكير , وحدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة جميعا , عن محمد بن إسحاق , قال : ثني عبد الله بن أبي بكر , عن قيس بن ساعدة , قال : سمعت أبا أسيد بن مالك بن ربيعة يقول : أصبت سيف ابن عائد يوم بدر , وكان السيف يدعى المرزبان ; فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردوا ما في أيديهم من النفل , أقبلت به فألقيته في النفل , وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع شيئا يسأله , فرآه الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي , فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأعطاه إياه . 12159 - حدثني يحيى بن جعفر , قال : ثنا أحمد بن أبي بكر , عن يحيى بن عمران , عن جده عثمان بن الأرقم , عن عمه , عن جده , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر : " ردوا ما كان من الأنفال ! " فوضع أبو أسيد الساعدي سيف ابن عائد المرزبان , فعرفه الأرقم فقال . هبه لي يا رسول الله ! قال : فأعطاه إياه . 12160 - حدثنا محمد بن المثنى , قال : ثنا محمد بن جعفر , قال : ثنا شعبة , عن سماك بن حرب , عن مصعب بن سعد , عن أبيه , قال : أصبت سيفا . قال : فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله نفلنيه ! فقال : " ضعه ! " ثم قام فقال : يا رسول الله نفلنيه ! قال : " ضعه ! " قال : ثم قام فقال : يا رسول الله نفلنيه ! أجعل كمن لا غناء له ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ضعه من حيث أخذته ! " فنزلت هذه الآية { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } . * - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا إسرائيل , عن سماك , عن مصعب بن سعد , عن سعد , قال : أخذت سيفا من المغنم , فقلت : يا رسول الله هب لي هذا ! فنزلت : { يسألونك عن الأنفال } . 12161 - حدثني الحارث , قال : ثنا عبد العزيز , قال : ثنا إسرائيل , عن إبراهيم بن مهاجر , عن مجاهد , في قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال : قال سعد : كنت أخذت سيف سعيد بن العاص بن أمية , فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقلت : أعطني هذا السيف يا رسول الله ! فسكت , فنزلت : { يسألونك عن الأنفال } إلى قوله : { إن كنتم مؤمنين } قال : فأعطانيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : بل نزلت لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوا قسمة الغنيمة بينهم يوم بدر فأعلمهم الله أن ذلك لله ولرسوله دونهم ليس لهم فيه شيء . وقالوا : معنى " عن " في هذا الموضع " من " وإنما معنى الكلام : يسألونك من الأنفال , وقالوا : قد كان ابن مسعود يقرؤه : " يسألونك الأنفال " على هذا التأويل . ذكر من قال ذلك . 12162 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا مؤمل , قال : ثنا سفيان , عن الأعمش , قال : كان أصحاب عبد الله يقرءونها : " يسألونك الأنفال " . 12163 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا المحاربي , عن جويبر , عن الضحاك , قال : هي في قراءة ابن مسعود " يسألونك الأنفال " . ذكر من قال ذلك . 12164 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس , قوله : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } قال : الأنفال : المغانم كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ليس لأحد منها شيء , ما أصاب سرايا المسلمين من شيء أتوه به , فمن حبس منه إبرة أو سلكا فهو غلول . فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيهم منها , قال الله : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال } لي ; جعلتها لرسولي ليس لكم فيها شيء { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } , ثم أنزل الله : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } 8 41 ثم قسم ذلك الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن سمي في الآية . 12165 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج : { يسألونك عن الأنفال } قال : نزلت في المهاجرين والأنصار ممن شهد بدرا . قال : واختلفوا فكانوا أثلاثا . قال : فنزلت : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } وملكه الله رسوله , فقسمه كما أراه الله . 12166 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا عباد بن العوام , عن الحجاج , عن عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده : أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم بدر , فنزلت : { يسألونك عن الأنفال } . 12167 - قال : ثنا عباد بن العوام , عن جويبر , عن الضحاك : { يسألونك عن الأنفال } قال : يسألونك أن تنفلهم . 12168 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا حماد بن زيد , قال : ثنا أيوب , عن عكرمة , في قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال : يسألونك الأنفال . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى أخبر في هذه الآية عن قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنفال أن يعطيهموها , فأخبرهم الله أنها لله وأنه جعلها لرسوله . وإذا كان ذلك معناه جاز أن يكون نزولها كان من أجل اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها , وجائز أن يكون كان من أجل مسألة من سأله السيف الذي ذكرنا عن سعد أنه سأله إياه , وجائز أن يكون من أجل مسألة من سأله قسم ذلك بين الجيش . واختلفوا فيها , أمنسوخة هي أم غير منسوخة ؟ فقال بعضهم : هي منسوخة , وقالوا : نسخها قوله : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } 8 41 الآية . ذكر من قال ذلك . 12169 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا أبي , عن جابر , عن مجاهد وعكرمة , قالا : كانت الأنفال لله وللرسول فنسختها : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } 8 41 . 12170 - حدثني محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { يسألونك عن الأنفال } قال : أصاب سعد بن أبي وقاص يوم بدر سيفا , فاختصم فيه وناس معه , فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم , فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم منهم , فقال الله : { يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول } الآية , فكانت الغنائم يومئذ للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة , فنسخها الله بالخمس . 12171 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : أخبرني سليم مولى أم محمد , عن مجاهد , في قوله : { يسألونك عن الأنفال } قال : نسختها : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } 8 41 . * - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا شريك , عن جابر , عن مجاهد وعكرمة , أو عكرمة وعامر , قالا : نسخت الأنفال : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه } 8 41 . وقال آخرون : هي محكمة وليست منسوخة . وإنما معنى ذلك : قل الأنفال لله , وهي لا شك لله مع الدنيا بما فيها والآخرة , وللرسول يضعها في مواضعها التي أمره الله بوضعها فيه . ذكر من قال ذلك . 12172 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد , في قوله : { يسألونك عن الأنفال } فقرأ حتى بلغ : { إن كنتم مؤمنين } فسلموا لله ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا ويضعانها حيث أرادا , فقالوا : نعم . ثم جاء بعد الأربعين : { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول } 8 41 الآية , ولكم أربعة أخماس , وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : " وهذا الخمس مردود على فقرائكم يصنع الله ورسوله في ذلك الخمس ما أحبا , ويضعانه حيث أحبا , ثم أخبرنا الله الذي يجب من ذلك " ثم قرأ الآية : { لذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم } 59 7 . قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله جل ثناؤه أخبر أنه جعل الأنفال لنبيه صلى الله عليه وسلم ينفل من شاء , فنفل القاتل السلب , وجعل للجيش في البداءة الربع وفي الرجعة الثلث بعد الخمس , ونفل قوما بعد سهمانهم بعيرا بعيرا في بعض المغازي . فجعل الله تعالى ذكره حكم الأنفال إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ينفل على ما يرى مما فيه صلاح المسلمين , وعلى من بعده من الأئمة أن يستنوا بسنته في ذلك , وليس في الآية دليل على أن حكمها منسوخ لاحتمالها ما ذكرت من المعنى الذي وصفت , وغير جائز أن يحكم بحكم قد نزل به القرآن أنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها , فقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أن لا منسوخ إلا ما أبطل حكمه حادث حكم بخلافه ينفيه من كل معانيه , أو يأتي خبر يوجب الحجة أن أحدهما ناسخ الآخر . وقد ذكر عن سعيد بن المسيب أنه كان ينكر أن يكون التنفيل لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلا منه لقول الله تعالى : { قل الأنفال لله والرسول } . 12173 - حدثنا ابن وكيع , قال : ثنا عبدة بن سليمان , عن محمد بن عمرو , قال : أرسل سعيد بن المسيب غلامه إلى قوم سألوه عن شيء , فقال : إنكم أرسلتم إلي تسألوني عن الأنفال , فلا نفل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد بينا أن للأئمة أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيهم بفعله , فينفلوا على نحو ما كان ينفل , إذا كان التنفيل صلاحا للمسلمين .فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم
القول في تأويل قوله تعالى : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } . يقول تعالى ذكره : فخافوا الله أيها القوم , واتقوه بطاعته واجتناب معاصيه , وأصلحوا الحال بينكم . واختلف أهل التأويل في الذي عني بقوله : { وأصلحوا ذات بينكم } فقال بعضهم : هو أمر من الله للذين غنموا الغنيمة يوم بدر وشهدوا الوقعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اختلفوا في الغنيمة أن يردوا ما أصابوا منها بعضهم على بعض . ذكر من قال ذلك . 12174 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } قال : كان نبي الله ينفل الرجل من المؤمنين سلب الرجل من الكفار إذا قتله , ثم أنزل الله : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } أمرهم أن يرد بعضهم على بعض . 12175 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الرجل على قدر جده وغنائه على ما رأى , حتى إذا كان يوم بدر وملأ الناس أيديهم غنائم , قال أهل الضعف من الناس : ذهب أهل القوة بالغنائم ! فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , فنزلت : { قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } ليرد أهل القوة على أهل الضعف . وقال آخرون : هذا تحريج من الله على القوم , ونهي لهم عن الاختلاف فيما اختلفوا فيه من أمر الغنيمة وغيره . ذكر من قال ذلك . 12176 - حدثني محمد بن عمارة , قال : ثنا خالد بن يزيد , وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قالا : ثنا أبو إسرائيل , عن فضيل , عن مجاهد , في قول الله : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } قال : حرج عليهم . 12177 - حدثني الحارث , قال : ثنا القاسم , قال : ثنا عباد بن العوام , عن سفيان بن حسين , عن مجاهد , عن ابن عباس : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } قال هذا تحريج من الله على المؤمنين أن يتقوا ويصلحوا ذات بينهم . قال عباد , قال سفيان : هذا حين اختلفوا في الغنائم يوم بدر . 12178 - حدثني محمد بن الحسين , قال : ثنا أحمد بن المفضل , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } أي لا تستبوا . واختلف أهل العربية في وجه تأنيث البين , فقال بعض نحويي البصرة : أضاف ذات إلى البين وجعله ذاتا , لأن بعض الأشياء يوضع عليه اسم مؤنث , وبعضا يذكر نحو الدار , والحائط أنث الدار وذكر الحائط . وقال بعضهم : إنما أراد بقوله : { ذات بينكم } الحال التي للبين فقال : وكذلك " ذات العشاء " يريد الساعة التي فيها العشاء . قال : ولم يضعوا مذكرا لمؤنث ولا مؤنثا لمذكر إلا لمعنى . قال أبو جعفر : هذا القول أولى القولين بالصواب للعلة التي ذكرتها له .وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين
وأما قوله : { وأطيعوا الله ورسوله } فإن معناه : وانتهوا أيها القوم الطالبون الأنفال إلى أمر الله وأمر رسوله فيما أفاء الله عليكم , فقد بين لكم وجوهه وسبله . { إن كنتم مؤمنين } يقول : إن كنتم مصدقين رسول الله فيما آتاكم به من عند ربكم . كما : 12179 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } فسلموا لله ولرسوله يحكمان فيها بما شاءا , ويضعانها حيث أرادا .