تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 64 من سورة الحجر
فإعادة فعل { أتيناك } بعد واو العطف مع أن فعل { أتيناك } مرادف لفعل { جئناك } دون أن يقول : و { بالحق } ، يحتمل أن يكون للتأكيد اللفظي بالمرادف . والتعبيرُ في أحد الفعلين بمادة المجيء وفي الفعل الآخر بمادة الإتيان لمجرد التفنن لدفع تكرار الفعل الواحد ، كقوله تعالى في سورة الفرقان ( 33 ) : { ولا يأتونك بمَثَل إلا جئناك بالحق وأحسنَ تفسيراً } وعليه تكون الباء في قوله : بما كانوا فيه يمترون } وقوله : { بالحق } للملابسة .
ويحتمل أن تكون لِذكر الفعل الثاني وهو { وأتيناك } خصوصية لا تفي بها واو العطف وهي مراعاة اختلاف المجرورين بالباء في مناسبة كل منهما للفعل الذي تعلق هو به . فلما كان المتعلق بفعل { جئناك } أمراً حسياً وهو العذاب الذي كانوا فيه يمترون ، وكان مما يصح أن يسند إليه المجيء بمعنًى كالحقيقي ، إذ هو مجيء مجازي مشهور مساوٍ للحقيقي ، أوثر فعل { جئناك } ليسند إلى ضمير المخاطبين ويعلق به «ما كانوا فيه يمترون» . وتكون الباء المتعلقة به للتعدية لأنهم أجاءوا العذاب ، فموقع قوله تعالى : { بما كانوا فيه يمترون } مَوقع مفعول به ، كما تقول ( ذهبتُ به ) بمعنى أذهبتُه وإن كنتَ لم تذهب معه ، ألاَ ترى إلى قوله تعالى : { فإما نذهبنّ بك } [ سورة الزخرف : 41 ] أي نُذهبك من الدنيا ، أي نميتك .
فهذه الباء للتعدية وهي بمنزلة همزة التعدية .
وأما متعلق فعل { أتيناك } وهو { بالحق } فهو أمر معنوي لا يقع منه الإتيان فلا يتعلق بفعل الإتيان فغُيرت مادة المجي إلى مادة الإتيان تنبيهاً على إرادة معنى غير المراد بالفعل السابق ، أعني المجيء المجازي . فإن هذا الإتيان مسند إلى الملائكة بمعناه الحقيقي ، وكانوا في إتيانهم ملابسين للحق ، أي الصدق ، وليس الصدق مسنداً إليه الإتيانُ . فالباء في قوله تعالى : { بالحق } للملابسة لا للتعدية .