تفسير ابن عاشور

تفسير الآية رقم 5 من سورة القلم

فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5) الفاء للتفريع على قوله : { مَا أنت بنعمة ربك بمجنون } [ القلم : 2 ] باعتبار ما اقتضاه قوله { بنعمة ربك } [ القلم : 2 ] من إبطال مقالة قيلت في شأنه قالها أعداؤه في الدين ، ابتدأ بإبطال بهتانهم ، وفرع عليه أنهم إذا نظروا الدلائل وتوسموا الشمائل علموا أي الفريقين المفتون أَهُم مفتونون بالانصراف عن الحق والرشد ، أم هو باختلال العقل كما اختلقوا .
والمقصود هو ما في قوله : { ويبصرون } ولكن أدمج فيه قوله : { فستبصر } ليتأتى بذكر الجانبين إيقاعُ كلام منصف ( أي داع إلى الإِنصاف ) على طريقة قوله : { وإنا أو إياكم لَعَلَى هُدى أو في ضلال مبين } [ سبأ : 24 ] لأن القرآن يبلغ مسامعهم ويتلى عليهم .
وفعْلا ( تبصر ويبصرون ) ، بمعنى البصر الحسي . وروي عن ابن عباس ، أن معناه فستعلم ويعلمون ، فجعله مثل استعمال فعل الرؤية في معنى الظن ، فلعله أراد تفسير حاصل المعنى إذ قد قيل إن الفعل المشتق من ( أبصر ) لا يستعمل بمعنى الظن والاعتقاد عند جمهور اللغويين والنحاة خلافاً لهشام كذا في «التسهيل» فالمعنى : ستَرى ويَرَون رأيَ العين أيكم المفتون فإن كان بمعنى العلم فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ذلك فالسين في قوله : { فستبصر } للتأكيد ، وأما المشركون فسيرون ذلك ، أي يعلمون آثار فتونهم وذلك فيما يرونه يوم بدر ويوم الفتح .
وإن كان بمعنى البصر الحسي فالسين والتاء في كلا الفعلين للاستقبال .
وضمير { يُبصرون } عائد إلى معلوم مقدر عند السامع وهم المشركون القائلون : هو مجنون .
و ( أي ) اسم مبهم يتعرف بما يضاف هو إليه ، ويظهر أن مدلول ( أي ) فرد أو طائفة متميز عن مشارك في طائفته من جنس أو وصف بمميّز واقعي أو جَعْلي ، فهذا مدلول ( أيّ ) في جميع مواقعه ، وله مواقع كثيرة في الكلام ، فقد يشرب ( أيّ ) معنى الموصول ، ومعنى الشرط ، ومعنى الاستفهام ، ومعنى التنويه بكامل ، ومعنى المعرّف ب ( ال ) إذا وُصل بندائه . وهو في جميع ذلك يفيد شيئاً متميزاً عما يشاركه في طائفته المدلولة بما أضيف هو إليه