الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 148 من سورة آل عمران
ثم بين- سبحانه- الثمار التي ترتبت على هذا الدعاء الخاشع والإيمان الصادق والعمل الخالص لوجهه- سبحانه- فقال: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
والفاء في قوله فَآتاهُمُ لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
أى أن هؤلاء الذين آمنوا بالله حق الإيمان وجاهدوا في سبيله حق الجهاد لم يخيب الله- تعالى- سعيهم ولم يقفل بابه عن إجابة دعائهم، وإنما أعطاهم الله- تعالى- ثواب الدنيا من النصر والغنيمة وقهر الأعداء، وصلاح الحال.
كما أعطاهم حسن ثواب الآخرة بأن منحهم رضوانه ورحمته ومثوبته وإنما خص ثواب الآخرة بالحسن للتنبيه على عظمته وفضله ومزيته، وأنه هو المعتد به عنده- تعالى- لأنه غير زائل، وغير مشوب بتنغيص أو قلق.
وقوله وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ تذييل مقرر لمضمون ما قبله، فإن محبة الله- تعالى- للعبد مبدأ كل خير وسعادة.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد قررت في مطلعها حقيقة ثابتة. وهي أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم
بشر من البشر، وأنه يموت كما يموت سائر البشر وأن رسالته لا تموت من بعده بل على أتباعه أن يسيروا على طريقته وأن يحملوا من بعده عبء تبليغ تعاليم الإسلام الذي جاء به ثم قررت بعد ذلك أن الآجال بيد الله وأن الحذر لا يمنع القدر وأن أحدا لن يموت قبل انتهاء أجله، مادام الأمر كذلك فعلى المؤمنين أن يجاهدوا الكفار والمنافقين وأن يغلظوا عليهم.
ثم ذكرت الناس بعد ذلك بما كان من أتباع الرسل السابقين من إيمان عميق وجهاد صادق وثبات في وجه الباطل ودعاء مخلص خاشع.. حتى يتأسى بهم في أقوالهم وأعمالهم كل ذي عقل سليم.
ثم ختمت هذه الآيات ببيان النتائج الطيبة التي منحها الله- تعالى- لعباده المؤمنين الصادقين في دنياهم وآخرتهم حتى يسارع الناس في كل زمان ومكان إلى الأعمال الصالحة التي تكون سببا في سعادتهم وعزتهم ثم وجه القرآن نداء إلى المؤمنين، نهاهم فيه عن طاعة أعداء الله وأعدائهم، وأمرهم بالتمسك بتعاليم دينهم وبشرهم بسوء عاقبة أعدائهم فقال- تعالى: