الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 7 من سورة الزمر
ثم بين- سبحانه- أنه غنى عن خلقه، وأنهم هم الفقراء إليه فقال: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ، وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ، وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ.
أى: إن تكفروا- أيها الناس- بعد أن سقنا لكم من الأدلة ما سقنا على صحة الإيمان وفساد الكفر، فإن الله- تعالى- غنى عنكم وعن إيمانكم وعبادتكم وعن الخلق أجمعين.
ومع ذلك فإنه- سبحانه- لرحمته بكم، لا يرضى لعباده الكفر، أى: لا يحبه منهم ولا يحمده لهم، ولا يجازى الكافر المجازاة التي يجازى بها المؤمن فإن المؤمن له جنات النعيم، أما الكافر فله نار الجحيم.
وإن تشكروا الله على نعمه- أيها الناس- بأن تخلصوا له العبادة والطاعة وتستعملوا نعمه فيما خلقت له، يرض لكم هذا الشكر، ويكافئكم عليه مكافأة جزيلة. بأن يزيدكم من نعمه وإحسانه وخيره.
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أى: ولا تحمل نفس يوم القيامة حمل أخرى، وإنما كل نفس تجازى على حسب أعمالها في الدنيا.
ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ أى: فيخبركم بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في دنياكم، ويجازى الذين أساءوا بما عملوا، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
إِنَّهُ- سبحانه- عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أى: عليم بما تخفيه الصدور من أسرار، وبما تضمره القلوب من أقوال وأفعال ... لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
قال الجمل في حاشيته: قوله: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ معنى عدم الرضا به، لا يفعل فعل الراضي، بأن يأذن فيه ويقر عليه، ويثيب فاعله ويمدحه، بل يفعل فعل الساخط بأن ينهى عنه، ويذم عليه، ويعاقب مرتكبه وإن كان بإرادته، إذ لا يخرج شيء عنها.
أو المعنى: ولا يرضى لعباده المؤمنين الكفر، وهم الذين قال الله- تعالى- في شأنهم:
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ فيكون الكلام عاما في اللفظ خاصا في المعنى، كقوله- تعالى-: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ أى بعض العباد وبذلك ترى هذه الآية الكريمة قد أقامت الأدلة المتعددة على وحدانية الله- تعالى- وعلى كمال قدرته، وعلى أن من شكر الله- تعالى- على نعمه، فإن عاقبة هذا الشكر تعود على الشاكر بالخير الجزيل، أما من جحد نعم الله- تعالى- وأشرك معه في العبادة غيره، فإن عاقبة هذا الجحود، تعود على الجاحد بالشر الوبيل، وبالشقاء في الدنيا والآخرة.
وبعد أن أقام- سبحانه- الأدلة المتعددة على وحدانيته وكمال قدرته، أتبع ذلك بالحديث عن طبيعة الإنسان في حالتي السراء والضراء، ونفى- سبحانه- المساواة بين المؤمنين والكافرين، والعلماء والجهلاء فقال- تعالى-: