تفسير البغوي

46 - تفسير البغوي سورة الأحقاف

التالي السابق

سورة الأحقاف

مكية

بسم الله الرحمن الرحيم

حم ( 1 ) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ( 2 ) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ( 3 ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 4 ) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ( 5 )

( حم * تَنـزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) ، يعني يوم القيامة, وهو الأجل الذي تنتهي إليه السموات والأرض, وهو إشارة إلى فنائهما, ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا ) خوفوا به في القرآن من البعث والحساب, ( مُعْرِضُونَ ) .

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) أي بكتاب جاءكم من الله قبل القرآن فيه بيان ما تقولون, ( أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ ) قال الكلبي: أي بقية من علم يؤثر عن الأولين, أي يسند إليهم. قال مجاهد وعكرمة ومقاتل: رواية عن الأنبياء. وقال قتادة: خاصة من علم. وأصل الكلمة من الأثر وهو الرواية, يقال: أثرت الحديث أثرًا وأثارة, ومنه قيل للخبر: أثر. ( إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) .

( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ ) يعني الأصنام لا تجيب عابديها إلى شيء يسألونها, ( إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) أبدًا ما دامت الدنيا, ( وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ) لأنها جماد لا تسمع ولا تفهم.

 

وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ( 6 ) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ( 7 ) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ( 8 ) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ ( 9 )

( وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ) جاحدين, بيانه قوله: تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ( القصص- 63 ) .

( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) يسمون القرآن سحرًا.

( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ) محمد من قبل نفسه, فقال الله عز وجل: ( قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ) لا تقدرون أن تردوا عني عذابه إن عذبني على افترائي, فكيف أفتري على الله من أجلكم, ( هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ) تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه إنه سحر. ( كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) أن القرآن جاء من عنده, ( وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) في تأخير العذاب عنكم, قال الزجاج: هذا دعاء لهم إلى التوبة, معناه: إن الله عز وجل غفور لمن تاب منكم رحيم به.

( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) أي بديعًا, مثل: نصف ونصيف, وجمع البدع أبداع, لست بأول مرسل, قد بعث قبلي كثير من الأنبياء, فكيف تنكرون نبوتي. ( وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ) اختلف العلماء في معنى هذه الآية:

فقال بعضهم: معناه ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة, فلما نـزلت هذه الآية فرح المشركون, فقالوا: واللات والعزى ما أمرنا وأمر محمد عند الله إلا واحد, وما له علينا من مزية وفضل, ولولا أنه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به, فأنـزل الله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ , ( الفتح- 2 ) فقالت الصحابة: هنيئًا لك يا نبي الله قد علمنا ما يفعل بك, فماذا يفعل بنا؟ فأنـزل الله تعالى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ الآية , ( الفتح- 5 ) وأنـزل: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ( الأحزاب- 47 ) فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم. وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة, قالوا: إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه [ وإنما أخبر بغفران ذنبه ] عام الحديبية, فنسخ ذلك .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي, أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران, أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار, حدثنا أحمد بن منصور الرمادي, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن الزهري, عن خارجة بن زيد قال: كانت أم العلاء الأنصارية تقول: لما قدم المهاجرون المدينة اقترعت الأنصار على سكنتهم, قالت [ فطار لنا ] عثمان بن مظعون في السكنى, فمرض فمرضناه, ثم توفي فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدخل فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي قد أكرمك الله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « وما يدريك أن الله قد أكرمه » ؟ فقلت: لا والله لا أدري, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « أما هو فقد أتاه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم » قالت: فوالله لا أزكي بعده أحدًا أبدًا, قالت: ثم رأيت لعثمان بعد في النوم عينًا تجري فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: « ذاك عمله » .

وقال جماعة: قوله « وما أدري ما يفعل بي ولا بكم » في الدنيا, أما في الآخرة فقد علم أنه في الجنة, وأن من كذبه فهو في النار, ثم اختلفوا فيه:

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرى النائم وهو بمكة أرضا ذات سباخ ونخل رفعت له, يهاجر إليها, فقال له أصحابه متى تهاجر إلى الأرض التي أريت؟ فسكت, فأنـزل الله تعالى هذه الآية: « وما أدري ما يفعل بي ولا بكم » , أأترك في مكاني أم أخرج وإياكم إلى الأرض التي رفعت لي ؟.

وقال بعضهم: « وما أدري ما يفعل بي ولا بكم » إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدنيا, بأن أقيم معكم في مكانكم أم أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي, أم أقتل كما قتل الأنبياء, من قبلي وأنتم أيها المصدقون لا أدري تخرجون معي أم تتركون, أم ماذا يفعل بكم, [ وأنتم ] أيها المكذبون, أترمون بالحجارة من السماء أم يخسف بكم, أم أي شيء يفعل بكم, مما فعل بالأمم المكذبة؟.

ثم أخبر الله عز وجل أنه يظهر دينه على الأديان, فقال: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ , ( الصف- 9 ) وقال في أمته: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ( الأنفال- 33 ) , فأخبر الله ما يصنع به وبأمته, هذا قول السدي.

( إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ ) أي ما أتبع إلا القرآن, ولا أبتدع من عندي شيئًا, ( وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) .

قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 10 )

( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ) معناه: أخبروني ماذا تقولون, ( إِنْ كَانَ ) يعني القرآن, ( مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ ) أيها المشركون, ( وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) المثل: صلة, يعني: عليه, أي على أنه من عند الله ( فَآمَنَ ) يعني الشاهد, ( وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) عن الإيمان به, وجواب قوله: « إن كان من عند الله » محذوف, على تقدير: أليس قد ظلمتم؟ يدل على هذا المحذوف قوله: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) وقال الحسن: جوابه: فمن أضل منكم, كما قال في سورة السجدة.

واختلفوا في هذا الشاهد, قال قتادة والضحاك: هو عبد الله بن سلام, شهد على نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم وآمن به, واستكبر اليهود فلم يؤمنوا.

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا عبد الله بن منير سمع عبد الله بن بكير, حدثنا حميد, عن أنس قال: « سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينـزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفًا, قال: جبريل؟ قال: نعم, قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة, فقرأ هذه الآية: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَـزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ ( البقرة- 97 ) , فأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب, وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت, وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نـزع الولد, وإذا سبق ماء المرأة نـزعت, قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله, [ يا رسول الله ] إن اليهود قوم بهت, وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني, فجاءت اليهود فقال: أي رجل عبد الله فيكم؟ قالوا خيرنا وابن خيرنا, وسيدنا وابن سيدنا, قال: أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك, فخرج عبد الله, فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله, فقالوا: شرنا وابن شرنا, فانتقصوه, قال: هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا عبد الله بن يوسف قال: سمعت مالكًا يحدث عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله, عن عامر بن سعد بن أبي وقاص, عن أبيه قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام, وفيه نـزلت هذه الآية: « وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله » . قال: لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث .

وقال الآخرون: الشاهد هو موسى بن عمران .

وقال الشعبي: قال مسروق في هذه الآية: والله ما نـزلت في عبد الله بن سلام لأن ال حم نـزلت بمكة, وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة, ونـزلت هذه الآية في محاجة كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه, ومثل القرآن التوراة فشهد موسى على التوراة ومحمد صلى الله عليه وسلم على الفرقان, وكل واحد يصدق الآخر .

وقيل: هو نبي من بني إسرائيل فآمن واستكبرتم فلم تؤمنوا ( إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ( 11 ) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ( 12 ) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ( 13 ) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 14 )

( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) من اليهود, ( لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ ) [ دين محمد صلى الله عليه وسلم ] ( خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ) يعني عبد الله بن سلام وأصحابه.

وقال قتادة: نـزلت في مشركي مكة, قالوا: لو كان ما يدعونا إليه محمد خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان .

وقال الكلبي: الذين كفروا: أسد وغطفان, قالوا للذين آمنوا يعني: جهينة ومزينة: لو كان ما جاء به محمد خيرًا ما سبقنا إليه رعاء البهم .

قال الله تعالى: ( وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ) يعني بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان ( فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ) كما قالوا أساطير الأولين.

( وَمِنْ قَبْلِهِ ) أي ومن قبل القرآن, ( كِتَابُ مُوسَى ) يعني التوراة, ( إِمَامًا ) يقتدى به, ( وَرَحْمَةً ) من الله لمن آمن به, ونُصِبَا على الحال عن الكسائي, وقال أبو عبيدة: فيه إضمار, أي جعلناه إمامًا ورحمة, وفي الكلام محذوف, تقديره: وتقدمه كتاب موسى إمامًا ولم يهتدوا به, كما قال في الآية الأولى: « وإذ لم يهتدوا به » .

( وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ ) أي القرآن مصدق للكتب التي قبله, ( لِسَانًا عَرَبِيًّا ) نصب على الحال, وقيل بلسان عربي, ( لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) يعني مشركي مكة, قرأ أهل الحجاز والشام ويعقوب: « لتنذر » بالتاء على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم, وقرأ الآخرون بالياء يعني الكتاب, ( وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ) « وبشرى » في محل الرفع, أي هذا كتاب مصدق وبشرى.

( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

 

وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ( 15 ) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ( 16 ) وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ( 17 )

قوله عز وجل: ( وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا ) قرأ أهل الكوفة: « إحسانا » [ كقوله تعالى: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ( البقرة- 83 ) ] ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ) يريد شدة الطلق. قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو « كرها » بفتح الكاف فيهما, وقرأ الآخرون بضمهما. ( وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ) فطامه, وقرأ يعقوب: « وفصله » بغير ألف, ( ثَلاثُونَ شَهْرًا ) يريد أقل مدة الحمل, وهي ستة أشهر, وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرًا.

وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا, وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرًا ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) نهاية قوته, وغاية شبابه واستوائه, وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة, فذلك قوله: ( وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ) .

وقال السدي والضحاك: نـزلت في سعد بن أبي وقاص, وقد مضت القصة .

وقال الآخرون: نـزلت في أبي بكر الصديق وأبيه أبي قحافة عثمان بن عمرو, وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو.

قال علي بن أبي طالب: الآية نـزلت في أبي بكر, أسلم أبواه جميعًا, ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره, أوصاه الله بهما, ولزم ذلك من بعده .

وكان أبو بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة, والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة, في تجارة إلى الشام, فلما بلغ أربعين سنة ونبئ النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ودعا ربه فـ ( قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ) ألهمني, ( أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ) بالهداية والإيمان, ( وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ) قال ابن عباس: وأجابه الله عز وجل, فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ولم يرد شيئًا من الخير إلا أعانه الله عليه, ودعا أيضًا فقال: ( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) فأجابه الله, فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعًا, فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعًا, فأدرك أبو قحافة النبي صلى الله عليه وسلم, وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة . قوله: ( إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .

( أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ) يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا, وكلها حسن, و « الأحسن » بمعنى الحسن, فيثيبهم عليها, ( وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ) فلا نعاقبهم عليها, قرأ حمزة والكسائي وحفص « نتقبل » « ونتجاوز » بالنون, « أحسنَ » نصب, وقرأ الآخرون بالياء, وضمها « أحسنُ » رفع. ( فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ ) مع أصحاب الجنة, ( وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) وهو قوله عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ( التوبة- 72 ) .

( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ ) إذ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث, ( أُفٍّ لَكُمَا ) وهي كلمة كراهية, ( أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ ) من قبري حيًا, ( وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ) فلم يبعث منهم أحد, ( وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ) يستصرخان ويستغيثان الله عليه, ويقولان له: ( وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا ) ما هذا الذي تدعواني إليه, ( إِلا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ) قال ابن عباس والسدي, ومجاهد: نـزلت في عبد الله .

وقيل: في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه, كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام وهو يأبى, ويقول: أحيوا لي عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون .

وأنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون هذا في عبد الرحمن بن أبي بكر .

والصحيح أنها نـزلت في كافر عاق لوالديه, قاله الحسن وقتادة.

وقال الزجاج: قول من قال إنها نـزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه, يبطله قوله:

أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ( 18 ) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ( 19 )

( أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ ) الآية, أعلم الله تعالى أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب, وعبد الرحمن مؤمن من أفاضل المسلمين فلا يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب.

ومعنى « أولئك الذين حق عليهم القول » : وجب عليهم العذاب, ( فِي أُمَمٍ ) [ مع أمم ] ( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) .

( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد من سبق إلى الإسلام, فهو أفضل ممن تخلف عنه ولو بساعة. وقال مقاتل: ولكلٍّ فضائلُ بأعمالهم فيوفيهم الله جزاء أعمالهم.

وقيل: « ولكل » : يعني ولكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين « درجات » منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم, فيجازيهم عليها.

قال ابن زيد في هذه الآية: درج أهل النار تذهب سفلا ودرج أهل الجنة تذهب علوًا .

( وَلِيُوَفِّيَهُمْ ) قرأ ابن كثير, وأهل البصرة, وعاصم: بالياء, وقرأ الباقون بالنون. ( أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) .

وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ( 20 )

( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) فيقال لهم: ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا ) قرأ ابن كثير, وابن عامر, وأبو جعفر, ويعقوب: « أأذهبتم » , بالاستفهام ويهمز ابن عامر همزتين, والآخرون بلا استفهام على الخبر, وكلاهما فصيحان, لأن العرب تستفهم بالتوبيخ, وترك الاستفهام فتقول: أذهبت ففعلت كذا؟ ( وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا ) يقول: أذهبتم طيباتكم يعني اللذات وتمتعتم بها؟ ( فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) أي العذاب الذي فيه ذل وخزي, ( بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ ) [ تتكبرون ] ( فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) فلما وبخ الله الكافرين بالتمتع بالطيبات في الدنيا آثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحون اجتناب اللذات في الدنيا رجاء ثواب الآخرة.

وروينا عن عمر قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أثر الرمال بجنبه, فقلت: يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وهم لا يعبدون الله, فقال: « أولئك قوم عجلوا طيباتهم في الحياة الدنيا » .

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني, أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي, أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب, حدثنا أبو عيسى الترمذي, ثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث, عن الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي, أخبرنا أبو الحسين بن بشران, أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار, حدثنا أحمد بن المنصور الرمادي, حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارًا وما هو إلا الماء والتمر, غير أن جزى الله نساءً من الأنصار خيرًا, كن ربما أهدين لنا شيئًا من اللبن .

أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني, أخبرنا أبو القاسم الخزاعي, أخبرنا الهيثم بن كليب, حدثنا أبو عيسى الترمذي, حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي, حدثنا ثابت بن يزيد, عن هلال بن خباب عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويًا, وأهله لا يجدون عشاءً, وكان أكثر خبزهم خبز الشعير .

أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني, أخبرنا أبو القاسم الخزاعي, أخبرنا الهيثم بن كليب, حدثنا أبو عيسى, حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن, حدثنا روح بن أسلم, حدثنا أبو حاتم البصري, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا ثابت, عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « لقد أخفت في الله وما يخاف أحد, ولقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, [ حدثنا محمد بن إسماعيل ] حدثنا يوسف بن عيسى, حدثنا ابن فضيل, عن أبيه, عن أبي حازم, عن أبي هريرة أنه قال: لقد رأيت سبعين من أصحاب الصُّفَّة ما منهم رجل عليه رداء, إما إزار وإما كساء, قد ربطوا في أعناقهم, فمنها ما يبلغ نصف الساقين, ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته .

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني, حدثنا أبو طاهر محمد بن الحارث, حدثنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي, أخبرنا عبد الله بن محمود, أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال, حدثنا عبد الله بن مبارك, عن شعبة بن الحجاج, عن سعد بن إبراهيم, [ عن أبيه إبراهيم ] أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائمًا, فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه, وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه, قال: وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني, فلم يوجد ما يكفن فيه إلا بردة, ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط, أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا, ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام .

وقال جابر بن عبد الله: رأى عمر بن الخطاب لحمًا معلقًا في يدي, فقال: ما هذا يا جابر؟ قلت: اشتهيت لحمًا فاشتريته, فقال عمر: أو كلما اشتهيت شيئًا يا جابر اشتريت, أما تخاف هذه الآية: « أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا » .

 

 

 

وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ( 21 ) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ( 22 )

قوله عز وجل: ( وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ ) يعني هودًا عليه السلام, ( إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأحْقَافِ ) قال ابن عباس: « الأحقاف » : واد بين عمان ومهرة.

وقال مقاتل: كانت منازل عاد باليمن في حضرموت بموضع يقال له: « مهرة » وإليها تنسب الإبل المهرية, وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم, وكانوا من قبيلة إرم.

قال قتادة: ذكر لنا أن عادًا كانوا أحياء باليمن, وكانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها: « الشحر » . و « الأحقاف » جمع حقف, وهي المستطيل المعوج من الرمال. قال ابن زيد: هي ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلا قال الكسائي: هي ما استدار من الرمل.

( وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ ) مضت الرسل, ( مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ) أي من قبل هود, ( وَمِنْ خَلْفِهِ ) إلى قومهم, ( أَلا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) .

( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا ) [ لتصرفنا ] ( عَنْ آلِهَتِنَا ) أي عن عبادتها, ( فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ) [ من العذاب ] ( إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) أن العذاب نازل بنا.

قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ( 23 ) فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 24 ) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ( 25 )

( قَالَ ) هود, ( إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ ) وهو يعلم متى يأتيكم العذاب ( وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ ) من الوحي, ( وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ) .

( فَلَمَّا رَأَوْهُ ) يعني ما يوعدون به من العذاب, ( عَارِضًا ) سحابًا يعرض أي يبدو في ناحية من السماء ثم يطبق السماء, ( مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ) فخرجت عليهم سحابة سوداء من واد لهم يقال له: « المغيث » وكانوا قد حبس عنهم المطر, فلما رأوها استبشروا, ( قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) يقول الله تعالى: ( بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) فجعلت الريح تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة.

( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ ) مرت به من رجال عاد وأموالها, [ ( بِأَمْرِ رَبِّهَا ) ] فأول ما عرفوا أنها عذاب رأوا ما كان خارجًا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض, فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فقلعت أبوابهم وصرعتهم, وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال, فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام, لهم أنين, ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم في البحر.

أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي, أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني, أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ, أخبرنا يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرنا عمرو بن الحارث, أخبرنا النضر. حدثه عن سليمان بن يسار, عن عائشة أنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا ضاحكًا حتى أرى منه بياض لهواته, وكان إذا رأى غيمًا أو ريحًا عُرف ذلك في وجهه, فقلت: يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا, رجاء أن يكون فيه المطر, وإذا رأيته عرف في وجهك الكراهية, فقال: « يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب, قد عذب قوم بالريح, وقد رأى قوم العذاب فقالوا: » هذا عارض ممطرنا « , الآية . »

( فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ ) قرأ عاصم, وحمزة, ويعقوب: « يرى » بضم الياء « مساكنهم » برفع النون يعني: لا يرى شيء إلا مساكنهم, وقرأ الآخرون بالتاء وفتحها, « مساكنهم » نصب يعني لا ترى أنت يا محمد إلا مساكنهم لأن السكان والأنعام بادت بالريح, فلم يبق إلا هود ومن آمن معه. ( كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) .

وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 26 ) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( 27 ) فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( 28 )

( وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ ) يعني فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطول العمر وكثرة المال.

قال المبرد: « ما » في قوله « فيما » بمنـزلة الذي, و « إن » بمنـزلة ما, وتقديره: ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه. ( وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) .

( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ ) يا أهل مكة, ( مِنَ الْقُرَى ) كحجر ثمود وأرض سدوم ونحوهما, ( وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ ) الحجج والبينات, ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عن كفرهم فلم يرجعوا, فأهلكناهم, يخوف مشركي مكة.

( فَلَوْلا ) فهلا ( نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً ) يعني الأوثان, اتخذوها آلهة يتقربون بها إلى الله عز وجل, « القربان » : كل ما يتقرب به إلى الله عز وجل, وجمعه: « قرابين » , كالرهبان والرهابين.

( بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ ) قال مقاتل: بل ضلت الآلهة عنهم فلم تنفعهم عند نـزول العذاب بهم, ( وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ ) أي كذبهم الذي كانوا يقولون إنها تقربهم إلى الله عز وجل وتشفع لهم, ( وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) يكذبون أنها آلهة.

 

 

قوله عز وجل: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ( 29 )

( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) الآية, قال المفسرون: لما مات أبو طالب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه, فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد, عن محمد بن كعب القرظي قال: لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف إلى نفر من ثقيف, وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم, وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل, ومسعود, وحبيب بنو [ عمرو بن ] عمير, وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح, فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام, والقيام معه على من خالفه من قومه.

فقال له أحدهم: هو يمرط ثياب الكعبة, إن كان الله أرسلك, وقال الآخر: ما وجد الله أحدًا يرسله غيرك؟ وقال الثالث: والله ما أكلمك كلمة أبدًا, لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرًا من أن أرد عليك الكلام, ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك.

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم, وقد يئس من خير ثقيف, وقال لهم: إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عليّ [ سري ] ، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه فيزيدهم عليه ذلك, فلم يفعلوا, وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس, وألجأوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة, وهما فيه فرجع عنه سفهاء ثقيف ومن كان تبعه, فعمد إلى ظل حبلة من عنب, فجلس فيه, وابنا ربيعة ينظران إليه, ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف, ولقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المرأة التي من بني جمح, فقال لها: ماذا لقينا من أحمائك؟

فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي, وقلة حيلتي, وهواني على الناس, أنت أرحم الراحمين, أنت رب المستضعفين, وأنت ربي, إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري؟, إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي, ولكن عافيتك هي أوسع لي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينـزل بي غضبك أو يحل عليّ سخطك, لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولا قوة إلا بك » .

فلما رأى ابنا ربيعة ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلامًا لهما نصرانيًا يقال له: عداس, فقالا له: خذ قطفًا من العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل, فقل له يأكل منه, ففعل ذلك عداس, ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال: بسم الله, ثم أكل فنظر عداس إلى وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ قال: أنا نصراني, وأنا رجل من أهل نينوى, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟ قال له: وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي كان نبيًا وأنا نبي فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل رأسه ويديه وقدميه.

قال: فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه: أما غلامك فقد أفسده عليك, فلما جاءهم عداس قالا له: ويلك يا عداس مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال: يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل, لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي, فقالا ويحك يا عداس لا يصرفك عن دينك فإن دينك خير من دينه.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعًا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف, حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي فمر به نفر من جن أهل نصيبين اليمن, فاستمعوا له, فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين, قد آمنوا وأجابوا لما سمعوا, فقص الله خبرهم عليه, فقال: « وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجن » .

أخبرنا عبد الواحد المليحي, أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي, أخبرنا محمد بن يوسف, حدثنا محمد بن إسماعيل, حدثنا مسدد, حدثنا أبو عوانة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس قال: انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ, وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء, فأرسلت عليهم الشهب, فرجعت الشياطين إلى قومهم, فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء, وأرسلت علينا الشهب, قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث, فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها, فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء, فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة, عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر, فلما سمعوا القرآن استمعوا له, فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء, فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا: يا قومنا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ( الجن: 1- 2 ) , فأنـزل الله على نبيه: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ( الجن- 1 ) وإنما أوحى إليه قول الجن .

وروي: أنهم لما رجعوا بالشهب بعث إبليس سراياه لتعرف الخبر, وكان أول بعثٍ بعثَ ركبًا من أهل نصيبين, وهم أشراف الجن وساداتهم, فبعثهم إلى تهامة.

وقال أبو حمزة [ الثمالي ] : بلغنا أنهم من الشيصبان وهم أكثر الجن عددًا, وهم عامة جنود إبليس, فلما رجعوا قالوا: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا .

وقال جماعة: بل أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ عليهم القرآن, فصرف إليه نفرًا من الجن من أهل نينوى, وجمعهم له, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة, فأيكم يتبعني؟ فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا, ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا, فاتَّبَعَهُ عبد الله بن مسعود, قال عبد الله: ولم يحضر معه أحد غيري, فانطلقنا حتى إذا كنا على مكة دخل نبي الله صلى الله عليه وسلم شعبًا يقال له: شعب الحجون, وخط لي خطًا ثم أمرني أن أجلس فيه, وقال: لا تخرج منه حتى أعود إليك، ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن, فجعلت أرى أمثال النسور تهوي, وسمعت لغطًا شديدًا حتى خفت على نبي الله صلى الله عليه وسلم, وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه, حتى ما أسمع صوته, ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين, ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر, فانطلق إليَّ وقال: أنمت؟ فقلت: لا والله يا رسول الله, وقد هممت مرارًا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك, تقول: اجلسوا, قال: لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم, ثم قال: هل رأيت شيئًا؟ قلت نعم يا رسول الله رأيت رجالا سودًا مستثفري ثياب بيض, قال: أولئك جن نصيبين سألوني المتاع - والمتاع الزاد- فمتعتهم بكل عظم حائل وروثة وبعرة.

قال: فقالوا: يا رسول الله تقذرها الناس, فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستنجى بالعظم والروث.

قال: فقلت: يا رسول الله وما يغني ذلك عنهم؟ قال: إنهم لا يجدون عظمًا إلا وجدوا عليه لحمه يوم أكل, ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت, قال فقلت: يا رسول الله سمعت لغطًا شديدًا؟ فقال: إن الجن تدارأت في قتيل قتل بينهم فتحاكموا إليَّ فقضيت بينهم بالحق, قال: ثم تبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاني, فقال: هل معك ماء؟ قلت: يا رسول الله معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر, فاستدعاه فصببت على يده فتوضأ وقال: « تمرة طيبة وماء طهور » .

قال قتادة: ذكر لنا أن ابن مسعود لما قدم الكوفة رأى شيوخًا شمطًا من الزُّطِّ فأفزعوه حين رآهم, فقال: اظهروا, فقيل له: إن هؤلاء قوم من الزط, فقال: ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يريد الجن.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر, أخبرنا عبد الغفار بن محمد, حدثنا محمد بن عيسى الجلودي, حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان, حدثنا مسلم بن الحجاج, حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا عبد الأعلى, حدثنا داود وهو ابن أبي هند, عن عامر قال: سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة, ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب, فقلنا: استطير أو اغتيل, قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم, فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء, قال فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك, فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن.

قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم.

قال وسألوه الزاد, فقال: لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم من الجن » . .

ورواه مسلم عن عليّ بن حجر, حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, عن داود بهذا الإسناد إلى قوله: « وآثار نيرانهم » .

قال الشعبي: وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة إلى آخر الحديث من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد الله.

قوله عز وجل: ( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) اختلفوا في عدد ذلك النفر, فقال ابن عباس: كانوا سبعة من جن نصيبين, فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم. وقال آخرون: كانوا تسعة . وروى عاصم عن زر بن حبيش: كان زوبعة من التسعة الذين استمعوا القرآن. ( فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا ) قالوا: صه .

وروي في الحديث: « أن الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء, وصنف حيات وكلاب, وصنف يحلون ويظعنون » .

فلما حضروه قال بعضهم لبعض: أنصتوا واسكتوا لنستمع إلى قراءته, فلا يحول بيننا وبين الاستماع شيء, فأنصتوا واستمعوا القرآن حتى كاد يقع بعضهم على بعض من شدة حرصهم.

( فَلَمَّا قُضِي ) فرغ من تلاوته, ( وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ ) انصرفوا إليهم, ( مُنْذِرِينَ ) مخوفين داعين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ( 30 ) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 31 )

( قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنـزلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ) قال عطاء: كان دينهم اليهودية, لذلك قالوا: إنا سمعنا كتابًا أنـزل من بعد موسى .

( يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ ) يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم , ( وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ) « من » صلة, أي ذنوبكم, ( وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلا من الجن, فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقوه في البطحاء, فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم ، وفيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثًا إلى الجن والإنس جميعًا.

قال مقاتل: لم يبعث قبله نبي إلى الإنس والجن جميعًا .

واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن فقال قوم: ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار, وتأولوا قوله: « يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم » , وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه.

وحكى سفيان عن ليث قال: الجن ثوابهم أن يجاروا من النار, ثم يقال لهم: كونوا ترابًا, وهذا مثل البهائم.

وعن أبي الزناد قال: إذا قضي بين الناس قيل لمؤمني الجن: عودوا ترابًا, فيعودون ترابًا, فعند ذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ( النبأ- 40 ) .

وقال الآخرون: يكون لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس, وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى.

وقال جرير عن الضحاك: الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون.

وذكر النقاش في « تفسيره » حديث أنهم يدخلون الجنة. فقيل: هل يصيبون من نعيمها؟ قال: يلهمهم الله تسبيحه وذكره, فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة. وقال أرطاة بن المنذر: سألت ضمرة بن حبيب: هل للجن ثواب؟ قال: نعم, وقرأ: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ ( الرحمن- 74 ) , قال: فالإنسيات للإنس والجنيات للجن.

وقال عمر بن عبد العزيز: إن مؤمني الجن حول الجنة, في ربض ورحاب, وليسوا فيها.

وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 32 ) .

( وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأرْضِ ) لا يعجز الله فيفوته, ( وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ ) أنصار يمنعونه من الله, ( أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) .

أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 33 ) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ( 34 ) فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ( 35 )

( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ ) لم يعجز عن إبداعهن, ( بِقَادِرٍ ) هكذا قراءة العامة, واختلفوا في وجه دخول الباء فيه, فقال أبو عبيدة والأخفش: الباء زائدة للتأكيد, كقوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ .

وقال الكسائي, والفراء: العرب تدخل الباء في الاستفهام مع الجحد, فتقول: ما أظنك بقائم.

وقرأ يعقوب: « يقدر » بالياء على الفعل, واختار أبو عبيدة قراءة العامة لأنها في قراءة عبد الله قادر بغير باء.

( عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ) فيقال لهم, ( أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ ) أي فيقال لهم: ( فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ) .

( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ) قال ابن عباس: ذوو الحزم. وقال الضحاك: ذوو الجد والصبر.

واختلفوا فيهم, فقال ابن زيد: كل الرسل كانوا أولي عزم, لم يبعث الله نبيًا إلا كان ذا عزم وحزم, ورأي وكمال عقل, وإنما أدخلت « من » للتجنيس لا للتبعيض, كما يقال: اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز.

وقال بعضهم: الأنبياء كلهم أولو عزم إلا يونس بن متى, لعجلة كانت منه, ألا ترى أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ؟ .

وقال قوم: هم نجباء الرسل المذكورون في سورة الأنعام, وهم ثمانية عشر, لقوله تعالى بعد ذكرهم: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ( الأنعام- 90 ) .

وقال الكلبي: هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين.

وقيل: هم ستة: نوح, وهود, وصالح, ولوط, وشعيب, وموسى, عليهم السلام, وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء.

وقال مقاتل: هم ستة: نوح, صبر على أذى قومه, وإبراهيم, صبر على النار, وإسحاق صبر على الذبح, ويعقوب، صبر على فقد ولده وذهاب بصره, ويوسف, صبر على البئر والسجن, وأيوب, صبر على الضر.

وقال ابن عباس وقتادة: هم نوح, وإبراهيم, وموسى, وعيسى, أصحاب الشرائع, فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم خمسة.

قلت: ذكرهم الله على التخصيص في قوله: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ( الأحزاب- 7 ) , وفي قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ( الشورى- 13 ) .

أخبرنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي, حدثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني, أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الحافظ, أخبرنا عبدالرحمن بن أبي حاتم, أخبرنا محمد بن الحجاج, أخبرنا السري بن حيان, أخبرنا عباد بن عباد, حدثنا مجالد بن سعيد, عن الشعبي, عن مسروق قال: قالت عائشة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد, يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلا بالصبر على مكروهها, والصبر على مجهودها, ولم يرض إلا أن كلفني ما كلفهم, وقال: » فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل « وإني والله لا بد لي من طاعته, والله لأصبرن كما صبروا, وأجهدن كما جهدوا, ولا قوة إلا بالله » .

قوله تعالى: ( وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ) أي ولا تستعجل العذاب لهم, فإنه نازل بهم لا محالة, كأنه ضجر بعض الضجر فأحب أن ينـزل العذاب بمن أبى منهم, فأمر بالصبر وترك الاستعجال.

ثم أخبر عن قرب العذاب فقال:

( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ ) من العذاب في الآخرة, ( لَمْ يَلْبَثُوا ) [ في الدنيا ] ( إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ) أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار, لأن ما مضى وإن كان طويلا كأن لم يكن.

ثم قال: ( بَلاغٌ ) أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم, والبلاغ بمعنى التبليغ, ( فَهَلْ يُهْلَكُ ) بالعذاب إذا نـزل ( إِلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ) الخارجون من أمر الله.

قال الزجاج: تأويله: لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلا القوم الفاسقون, ولهذا قال قوم: ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية.

 

أعلى