سورة الملك
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ
الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( 1 )
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ( 2 )
(
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ) قال
عطاء عن ابن عباس: يريد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة.
وقال قتادة: أراد موت الإنسان
وحياته في الدنيا جعل الله الدنيا دار حياة وفناء، وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء .
قيل إنما قدم الموت لأنه إلى
القهر أقرب: وقيل: قدمه لأنه أقدم لأن الأشياء في الابتداء كانت في حكم الموت
كالنطفة والتراب ونحوهما ثم اعترضت عليها الحياة.
وقال ابن عباس: خلق الموت على
صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات وخلق الحياة على صورة فرس
بلقاء [ انثى ] وهي التي كان جبريل والأنبياء
يركبونها لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء إلا حيي، وهي التي أخذ السامري قبضة من
أثرها فألقى على العجل فحيي.
( لِيَبْلُوَكُمْ ) فيما
بين [ الحياة إلى الموت ] (
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ) روي عن ابن عمر مرفوعا: « أحسن
عملا » أحسن عقلا وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله
وقال فضيل بن عياض « أحسن
عملا » أخلصه وأصوبه. وقال: العمل لا يقبل حتى يكون خالصًا صوابًا
الخالص: إذا كان لله والصواب: إذا كان على السنة.
وقال الحسن: أيكم أزهد في
الدنيا وأترك لها.
وقال الفَّراء: لم يوقع البلوى
على « أى » [ إلا
] وبينهما إضمار كما تقول بلوتكم لأنظر أيكم أطوع . ومثله:
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (
القلم- 40 ) أي: سلهم وانظر أيهم فـ « أي » : رفع
على الابتداء « وأحسن » خبره (
وَهُوَ الْعَزِيزُ ) في انتقامه ممن عصاه (
الْغَفُورُ ) لمن تاب إليه.
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ
الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ( 3 )
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ
حَسِيرٌ ( 4 )
(
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) طبقًا
على طبق بعضها فوق بعض ( مَا تَرَى فِي خَلْقِ
الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) قرأ حمزة والكسائي: « من
تفوت » بتشديد الواو بلا ألف، وقرأ الأخرون بتخفيف الواو وألف
قبلها. وهما لغتان كالتَّحَمُّل والتحامل والتطهر والتطاهر. ومعناه: ما ترى يا ابن
آدم في خلق الرحمن من اعوجاج واختلاف وتناقض بل هي مستقيمة مستوية. وأصله من « الفوت
» وهو أن يفوت بعضها بعضا لقلة استوائها (
فَارْجِعِ الْبَصَرَ ) كرر النظر، معناه: انظر ثم
ارجع ( هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ ) شقوق
وصدوع.
( ثُمَّ
ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) قال ابن عباس: مرة بعد مرة (
يَنْقَلِبْ ) ينصرف ويرجع (
إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا ) صاغرًا ذليلا مبعدًا لم يرَ
ما يهوى ( وَهُوَ حَسِيرٌ ) كليل
منقطع لم يدرك ما طلب. وروي عن كعب أنه قال: السماء الدنيا موج مكفوف والثانية
مرمرة بيضاء والثالثة حديد والرابعة [
صفراء ] وقال: نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة
حمراء بين [ السماء ]
السابعة إلى الحجب السبعة صحارى من نور .
وَلَقَدْ زَيَّنَّا
السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ
وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ( 5 )
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 6 )
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ ( 7 ) تَكَادُ
تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ( 8 )
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ
مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ ( 9 ) وَقَالُوا
لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ( 10 )
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ ( 11 )
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ
كَبِيرٌ ( 12 )
( وَلَقَدْ زَيَّنَّا
السَّمَاءَ الدُّنْيَا ) أراد الأدنى من الأرض وهي
التي يراها الناس. ( بِمَصَابِيحَ ) [ أي:
الكواكب واحدها: مصباح وهو السراج سُمي الكوكب مصباحًا ]
لإضاءته ( وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا ) مرامي
( لِلشَّيَاطِينِ ) إذا
استرقوا السمع ( وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ ) في
الآخرة ( عَذَابِ السَّعِيرِ ) النار
الموقدة. ( وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ
وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا ) وهو
أول نهيق الحمار وذلك أقبح الأصوات (
وَهِيَ تَفُورُ ) تغلي بهم كغلي المِرْجل. وقال
مجاهد: تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل.
( تَكَادُ تَمَيَّزُ ) تنقطع
( مِنَ الْغَيْظِ ) من
تغيظها عليهم، قال ابن قتيبة: تكاد تنشق غيظًا على الكفار (
كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ ) جماعة
منهم ( سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا ) سؤال
توبيخ ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ) رسول
ينذركم.
( قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا
نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا ) للرسل ( مَا
نـزلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ )
( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا
نَسْمَعُ ) من الرسل ما جاءونا به ( أَوْ
نَعْقِلُ ) منهم. وقال ابن عباس: لو كنا نسمع الهدى أو نعقله فنعمل به
( مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) قال
الزجاج: لو كنا نسمع سمع من يعي ويتفكر أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل
النار.
( فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ
فَسُحْقًا ) بعدًا ( لأصْحَابِ السَّعِيرِ ) قرأ
أبو جعفر والكسائي « فسحقا » بضم
الحاء، وقرأ الباقون بسكونها وهما لغتان مثل الرُّعُب والرّعْب والسُّحُت
والسُّحْت.
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ
اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( 13 ) أَلا
يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ( 14 ) هُوَ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ
رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ( 15 )
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ
تَمُورُ ( 16 )
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ
بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ
اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ قال ابن عباس: نـزلت في
المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخبره جبريل عليه السلام
بما قالوا فقال بعضهم لبعض: أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد .
فقال الله جل ذكره: ( أَلا
يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ) ألا يعلم ما في الصدور مَنْ
خلقها ( وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) لطيف
علمه في القلوب الخبير بما فيها من الخير والشر والوسوسة. وقيل « مَنْ » يرجع
إلى المخلوق، أي ألا يعلم الله مخلوقه؟
( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ
الأرْضَ ذَلُولا ) سهلا لا يمتنع المشي فيها
بالحزونة ( فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ) قال
ابن عباس وقتادة: في جبالها. وقال الضحاك: في آكامها. وقال مجاهد: في طرقها
وفجاجها. قال الحسن: في سبلها. وقال الكلبي: في أطرافها. وقال مقاتل: في نواحيها.
قال الفراء: في جوانبها والأصل في الكلمة الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء
وَتنكَّب فلان [ أي جانب ] (
وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ) مما خلقه رزقًا لكم في الأرض.
( وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) أي: وإليه
تبعثون من قبوركم. ثم خوَّف الكفار فقال: (
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ) قال
ابن عباس: أي: عذاب مَنْ في السماء إن عصيتموه ( أَنْ
يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ) قال
الحسن: تتحرك بأهلها. وقيل: تهوي بهم. والمعنى: أن الله تعالى يحرِّك الأرض عند
الخسف بهم حتى تلقيهم إلى أسفل، تعلو عليهم وتمر فوقهم. يقال: مَارَ يَمُورُ، أي:
جاء وذهب.
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي
السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ( 17 )
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ( 18 )
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا
يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ( 19 )
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ
إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ ( 20 )
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي
عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ( 21 )
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( 22 )
( أَمْ
أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ) ريحًا
ذات حجارة كما فعل بقوم لوط. ( فَسَتَعْلَمُونَ ) في
الآخرة وعند الموت ( كَيْفَ نَذِيرِ ) أي
إنذاري إذا عاينتم العذاب.
( وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِهِمْ ) يعني كفار الأمم الماضية ( فَكَيْفَ
كَانَ نَكِيرِ ) أي إنكاري عليهم بالعذاب.
(
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ ) تصف
أجنحتها في الهواء ( وَيَقْبِضْنَ )
أجنحتها بعد البسط ( مَا يُمْسِكُهُنَّ ) في حال
القبض [ والبسط ] أن
يسقطن ( إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ )
(
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ )
استفهام إنكار. قال ابن عباس: أي منعة لكم (
يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ) يمنعكم
من عذابه ويدفع عنكم ما أراد بكم. ( إِنِ
الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ ) أي في غرور من الشيطان يغرهم
بأن العذاب لا ينـزل بهم.
(
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ) أي من
الذي يرزقكم المطر إن أمسك الله [
عنكم ] ( بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ ) تمادٍ
في الضلال ( وَنُفُورٍ ) تباعد
من الحق. وقال مجاهد: كفور. ثم ضرب مثلا فقال: (
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ ) راكبًا
رأسه في الضلالة والجهالة أعمى القلب والعين لا يبصر يمينًا ولا شمالا وهو الكافر.
قال قتادة: أكبَّ على المعاصي في الدنيا فحشره الله على وجهه يوم القيامة (
أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا ) معتدلا
يبصر الطريق وهو ( عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) وهو
المؤمن. قال قتادة: يمشي يوم القيامة سويًا.
قُلْ هُوَ الَّذِي
أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا
تَشْكُرُونَ ( 23 ) قُلْ
هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( 24 )
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( 25 ) قُلْ
إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ( 26 )
( قُلْ هُوَ الَّذِي
أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا
تَشْكُرُونَ ) قال مقاتل: يعني أنهم لا يشكرون رب هذه النعم. ( قُلْ
هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى
هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْم عنْدَ اللَّهِ
وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * فَلَمَّا رَأَوْهُ ) يعني:
العذاب في الآخرة - على قول أكثر المفسرين - وقال مجاهد: يعني العذاب ببدر
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً
سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ
تَدَّعُونَ ( 27 ) قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ
يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 28 ) قُلْ
هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ
فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( 29 )
(
زُلْفَةً ) أي قريبًا وهو [ اسم
يوصف به المصدر يستوي فيه ] المذكر والمؤنث والواحد
والاثنان [ والجميع ] (
سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) اسودت
وعليها كآبة، والمعنى قبحت وجوههم بالسواد، يقال: ساء الشيء يسوء فهو سيئ إذا قبح،
وسيئ يساء إذا قبح ( وَقِيلَ ) لها أي
قال الخزنة ( هَذَا ) أي هذا العذاب (
الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ )
تفتعلون من الدعاء تدعون وتتمنون أنه يعجِّل لكم، وقرأ يعقوب تدعون بالتخفيف، وهي
قراءة قتادة ومعناهما واحد مثل تذكرون وتذكرون.
( قُلْ ) يا
محمد لمشركي مكة الذين يتمنون [ هلاكك ] ( أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ ) من
المؤمنين ( أَوْ رَحِمَنَا )
فأبقانا وأخَّر آجالنا ( فَمَنْ يُجِيرُ
الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) فإنه
واقع بهم لا محالة. وقيل: معناه أرأيتم إن أهلكني الله فعذبني ومن معي أو رحمنا
فغفر لنا فنحن - مع إيماننا - خائفون أن يهلكنا بذنوبنا لأن حكمه نافذ فينا فمن
يجيركم ويمنعكم من عذابه وأنتم كافرون؟ وهذا معنى قول ابن عباس.
( قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ ) الذي
نعبده ( آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ ) قرأ
الكسائي بالياء، وقرأ الباقون بالتاء. ( مَنْ
هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ) أي ستعلمون عند معاينة العذاب
من الضال منا نحن أم أنتم؟
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ
أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ( 30 )
( قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ) غائرًا
ذاهبًا في الأرض لا تناله الأيدي والدلاء. قال الكلبي ومقاتل: يعني ماء زمزم (
فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ) ظاهر
تراه العيون وتناله [ الأيدي ]
والدلاء. وقال عطاء عن ابن عباس: معين أي جار.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي،
أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني أبو الحسن الفارسي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن
يزيد، حدثنا أبو يحيى البزاز، حدثنا [
محمد بن يحيى ] حدثنا أبو داود، حدثنا عمران، عن قتادة، عن عباس الجشمي، عن
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن
سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل فأخرجته من النار يوم القيامة
وأدخلته الجنة، وهي سورة تبارك » .