سورة التكاثر
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ( 1 )
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ( 2 )
( أَلْهَاكُمُ
التَّكَاثُرُ ) شغلتكم المباهاة والمفاخرة والمكاثرة بكثرة المال والعدد عن
طاعة ربكم وما ينجيكم من سخطه. ( حَتَّى زُرْتُمُ
الْمَقَابِرَ ) حتى [ متم ] ودفنتم
في المقابر.
قال قتادة: نـزلت في اليهود،
قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، شغلهم ذلك حتى ماتوا
ضُلالا .
وقال مقاتل والكلبي: نـزلت في
حيين من قريش؛ بني عبد مناف بن قصي، وبني سهم بن عمرو، كان بينهم تفاخر، [
فتعادَّ ] السادة والأشراف أيهم أكثر عددًا؟ فقال بنو عبد مناف: نحن
أكثر سيدًا وأعز عزيزًا وأعظم نفرًا وأكثر عددًا، وقال بنو سهم مثل ذلك، فكثرهم
بنو عبد مناف، ثم قالوا: نعدّ، موتانا، حتى زاروا القبور فعدوهم، فقالوا: هذا قبر
فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لأنهم كانوا في الجاهلية أكثر
عددًا، فأنـزل الله هذه الآية .
أخبرنا أحمد بن عبد الله
الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي،
حدثنا عبد الرحيم بن منيب، حدثنا النضر بن شُمَيْل، عن قتادة عن مطرف بن عبد الله
الشخير، عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه
الآية: « ألهاكم التكاثر » ، قال: « يقول
ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك، إلا ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لَبِسْتَ فأبليتَ،
أو تصدقت فأمضيت » .
أخبرنا عبد الواحد المليحي،
أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل،
حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه سمع
أنس بن مالك يقول: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
يَتْبَع، الميتَ ثلاثةٌ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يتبعُه أهلُه ومالُه وعملُه،
فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله » .
ثم رد الله عليهم فقال:
كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ( 3 )
ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ( 4 ) كَلا
لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ( 5 )
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ( 6 )
( كَلا ) ليس
الأمر بالتكاثر، ( سَوْفَ تَعْلَمُونَ ) وعيد
لهم، ثم كرره تأكيدًا فقال: ( ثُمَّ كَلا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ ) قال الحسن، ومقاتل: هو وعيد بعد وعيد، والمعنى: سوف تعلمون
عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نـزل بكم الموت.
وقال الضحاك: « كلا
سوف تعلمون » ، يعني الكفار، « ثم كلا
سوف تعلمون » يعني المؤمنين، وكان يقرأ الأولى بالياء والثانية بالتاء. ( كَلا
لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ) أي:
علمًا يقينًا، فأضاف العلم إلى اليقين كقوله: « لهو حق
اليقين » ، وجواب « لو » محذوف،
أي: لو تعلمون علمًا يقينًا لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتفاخر.
قال قتادة: كنا نتحدث أن علم
اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت . (
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ) قرأ ابن عامر والكسائي: «
لَتُروُن » بضم التاء من أريته الشيء، وقرأ الآخرون بفتح التاء، أي:
ترونها بأبصاركم من بعيد.
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ
الْيَقِينِ ( 7 )
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ( 8 )
( ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا )
مشاهدة، ( عَيْنَ الْيَقِينِ ) ( ثُمَّ
لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ) قال
مقاتل: يعني كفار مكة، كانوا في الدنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن
شكر ما كانوا فيه، ولم يشكروا رب النعيم حيث عبدوا غيره، ثم يعذبون على ترك الشكر،
هذا قول الحسن.
وعن ابن مسعود رفعه قال: « لتسئلن
يومئذ عن النعيم » قال: « الأمن
والصحة » .
وقال قتادة: إن الله يسأل كل ذي نعمة عما أنعم عليه
أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي، أخبرنا عبد الله بن
أحمد بن حمويه السرخسي، حدثنا إبراهيم بن خزيم الشاشي، حدثنا عَبْد بن حُمَيْد، حدثنا
شبابة عن عبد الله بن العلاء عن الضحاك بن عرزم الأشعري قال: سمعت أبا هريرة يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن أول
ما يُسأل العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصحَّ جسمك؟ ونروِّك من
الماء البارد » .
أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني، أخبرنا أبو
القاسم علي بن أحمد الخزاعي، أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، أخبرنا أبو
عيسى الترمذي، أخبرنا محمد بن إسماعيل، حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شيبان أبو
معاوية، حدثنا عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه
فيها أحد، فأتاه أبو بكر فقال: ما جاء بك يا أبا بكر؟ فقال: خرجت لألقى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأنظر إلى وجهه وللتسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر، فقال: ما
جاء بك يا عمر؟ قال: الجوع يا رسول الله، قال [
النبي صلى الله عليه وسلم ] : « وأنا
قد وجدت، بعض ذلك » ، فانطلقوا إلى منـزل أبي
الهيثم بن التَّيهَان الأنصاري، وكان رجلا كثير النخل والشاء، ولم يكن له خَدَم،
فلم يجدوه، فقالوا لامرأته: أين صاحبُك؟ فقالت: انطلق ليستعذب لنا الماء، فلم
يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها ماءً فوضعها، ثم جاء يلتزم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ويفديه بأبيه وأمه، ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطًا، ثم
انطلق إلى نخلة فجاء بِقنْوٍ فوضعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « أفلا
تنقَّيْتَ لنا من رُطَبِه وبُسْرِه » ، فقال:
يا رسول الله إني أردت أن تخيروا [ أو
قال: أن تختاروا ] من رطبه وبسره، فأكلوا وشربوا
من ذلك الماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « هذا
والذي نفسي بيده من النعيم الذي تُسألون عنه يوم القيامة، ظل بارد، ورُطَب طيب،
وماء بارد » ، فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعامًا فقال النبي صلى الله
عليه وسلم: « لا تذبحنَّ ذات دِرّ » ، فذبح
لهم عَنَاقًا أو جَدْيًا فأتاهم بها، فأكلوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل
لك خادم؟ قال: لا قال النبي صلى الله عليه وسلم: « فإذا
أتانا سبيٌ فَأْتِنَا » ، فأتي النبي صلى الله عليه
وسلم برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « اختر
منهما » ، فقال: يا نبي الله اختْر لي، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم، « إن المستشار مؤتمن، خذ هذا، فإني رأيته يصلي، واستوصِ به
معروفًا » فانطلق به أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم، فقالت امرأته: ما أنت ببالغ فيه ما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلا أن تعتقه، قال: فهو عتيق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، « إن
الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيًا ولا خليفة إلا وله بِطَانتان، بطانة تأمره
بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالا ومن يوق بطانة السوء فقد وُقِي
» .
وروي عن ابن عباس قال: النعيم: صحة الأبدان والأسماع
والأبصار، يسأل الله العبيد فيم استعملوها؟ وهو أعلم بذلك منهم ، وذلك قوله: إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا (
الإسراء - 36 ) .
وقال عكرمة: عن الصحة والفراغ.
وقال سعيد بن جبير: عن الصحة والفراغ والمال.
أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي، حدثنا أبو
الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد
الهاشمي، حدثنا الحسين بن الحسن بمكة، حدثنا عبد الله بن المبارك والفضل بن موسى،
قالا حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه، عن ابن عباس قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: « نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من
الناس: الصحة والفراغ » .
قال محمد بن كعب: يعني عما أنعم عليكم بمحمد صلى الله عليه
وسلم.
وقال أبو العالية: عن الإسلام والسنن. وقال الحسين بن الفضل:
تخفيف الشرائع وتيسير القرآن .