وفاة المتنبي الشاعر .
- العام الهجري :354
- العام الميلادي :965
تفاصيل الحدث :
هو شاعِرُ الزَّمانِ المَشهورُ، أبو الطَّيِّب أحمَدُ بنُ حُسَين بن حسن الجعفي الكوفي, الأديبُ الشهيرُ بالمتنبي. ولد سنة 303 بالكوفة في مَحلَّةٍ تسمى كندة فنُسِبَ إليها، وليس هو من كِندَةَ القبيلة، بل هو جعفيٌّ. قَدِمَ الشامَ في صباه, ثم أقام بالبادية يقتَبِسُ اللغة والأخبار, واشتغل بفنونِ الأدب ومَهَر فيها، وكان من المُكثِرينَ مِن نقلِ اللغة والمطَّلِعينَ على غَريبِها وحواشيها، ولا يُسألُ عن شَيءٍ إلَّا واستشهد فيه بكلامِ العَرَبِ مِن النَّظمِ والنَّثرِ، وكان من أذكياءِ عَصرِه. بلغ الذِّروةَ في النَّظمِ، وأربى على المتقَدِّمين, وسار ديوانُه في الآفاق، واعتنى العُلَماءُ به فشرحوه في أكثَرَ مِن أربعينَ شرحًا ما بين مُطَوَّلات ومُختصَراتٍ، ولم يُفعَلْ هذا بديوانٍ غَيرِه. كما أنَّ له حِكمًا وأمثالًا ومعانيَ مُبتكَرةً, وإنَّما قيل له المتنبِّي؛ لأنَّه ادَّعى النبُوَّةَ في باديةِ السَّماوة، وافتَتَن به بعضُ ضِعافِ العُقولِ، وكَذَب عليهم أنَّه يُوحى إليه قرآنٌ يُؤَلِّفُه مِن نَفسِه وشَيطانِه، وكان لؤلؤ أميرُ حمص من قِبَل الإخشيد قبض عليه ثمَّ أطلقه بعدما استَتابه، وقيل: إنَّه قال: أنا أوَّلُ مَن تنبَّأ بالشِّعرِ. تنقَّلَ في البلاد يمدحُ الأمراءَ مقابِلَ المال، لازم سيفَ الدولةِ كثيرًا ومدح كافور متولِّيَ أعمالِ مِصرَ ثمَّ هجاه ومدح مُعِزَّ الدَّولة البويهي, وقد نال بالشِّعرِ مالًا جليلا, يقال: وصل إليه من ابنِ العميدِ ثلاثون ألف دينار، وناله مِن عَضُدِ الدولة مثلها. كان المتنبي يركَبُ الخيلَ بزِيِّ العَرَب، وله شارةٌ وغِلمانٌ وهَيئةٌ. مدح كافورَ وفي رجليه خُفَّان وفي وسَطِه سيفٌ ومِنطَقةٌ ويركَبُ بحاجبين من مماليكِه وهما بالسُّيوفِ والمناطق، ولَمَّا لم يُرضِه كافور هجَاه وفارَقَه ليلةَ عيدِ النَّحرِ سنة 350، ووجَّهَ كافور خَلْفَه رواحِلَ إلى جِهاتٍ شَتَّى فلم يُلحَقْ، وكان كافور وعده بولايةِ بعضِ أعمالِه، فلمَّا رأى تعاليَه في شِعرِه وسُمُوَّه بنَفسِه، خافه، وعوتِبَ فيه فقال كافور: يا قومِ، مَن ادَّعى النبوَّةَ بعدَ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلم، أمَا يدَّعي المملكةَ مع كافور؟! فحَسْبُكم! والمتنبي هو القائِلُ: لولا المشقَّةُ ساد الناسُ كُلُّهم... الجودُ يُفقِرُ والإقدامُ قتَّالُ, وله عِدَّةُ أبياتٍ فائقة يُضرَبُ بها المثَلُ. وكان مُعجَبًا بنَفسِه, كثيرَ الفَخرِ والتَكبُّرِ, فمُقِتَ لذلك. يقال: إنَّ أبا المتنبِّي كان سَقَّاءً بالكوفةِ، وإلى هذا أشار بعضُ الشُّعَراءِ في هجو المتنبِّي، حيث قال: أيُّ فَضلٍ لشاعرٍ يطلُبُ الفضلَ مِن النَّاسِ بُكرةً وعَشِيَّا * عاش حينًا يبيعُ في الكوفةِ الماءَ، وحينًا يبيعُ ماءَ المُحَيَّا. وخبَرُ قَتْلِه أنَّ فاتِكَ الأسدي في جماعةٍ مِن الأعرابِ اعتَرَضوا المتنبِّي ومَن معه وكانوا متَّجِهينَ إلى بغدادَ قافلينَ مِن شيراز، عند النُّعمانيَّة مِن دير العاقول قُربَ النهروان. فقُتِلَ المتنبي ومعه ابنُه مُحَسَّد وغلامُه مُفلِح, وقيل: لَمَّا فَرَّ أبو الطيِّب حين رأى الغَلَبة، قال له غلامُه: لا يتحَدَّثُ النَّاسُ عنك بالفِرارِ أبدًا وأنت القائِلُ: فالخَيلُ واللَّيلُ والبَيداءُ تَعرِفُني... والحَربُ والضَّربُ والقِرطاسُ والقَلَمُ. فكَرَّ راجعًا حتى قُتِلَ، وكان هذا البيتُ سبَبَ قَتلِه.
العودة الى الفهرس