خروج أبي ركوة على الحاكم العبيدي صاحب مصر .

تفاصيل الحدث :

كان أبو ركوة من سُلالةِ هِشامِ بنِ عبدِ الملك بنِ مروان الأموي، واسمُه الوليد، هرب مِن الأندلُسِ وقصَدَ مِصرَ، بعد أن استبَدَّ المنصورُ ابنُ أبي عامرٍ بالحُكمِ في الأندلُس, وإنَّما لُقِّبَ بأبي رَكْوة؛ لرَكْوةٍ (سقاءٍ صغيرٍ) كان يصحَبُها في أسفارِه على طريقةِ الصُّوفيَّةِ، وقد سَمِعَ أبو رَكوةَ الحديثَ بالدِّيارِ المِصريَّة، ثمَّ أقام بمكَّةَ ثُمَّ رحَل إلى اليمَنِ ثمَّ دخل الشَّامَ، وهو في غُضونِ ذلك يبايِعُ مَن انقاد له، ممَّن يرى عنده هِمَّةً ونهضةً للقيام في نُصرةِ ولَدِ هِشامٍ، ثمَّ إنه أقام ببعضِ بلادِ مِصرَ في محلَّةٍ من محالِّ العَرَب، يُعَلِّمُ الصِّبيانَ ويُظهِرُ التقَشُّفَ والعبادةَ والوَرَع، ويخبِرُ بشَيءٍ مِن المُغَيَّبات، حتى خضعوا له وعَظَّموه جِدًّا، ثمَّ دعا إلى نَفسِه وذكَرَ لهم أنَّه الذي يُدعى إليه مِن الأُمَويِّين، فاستجاب له بنو قرَّةَ وغيرُهم، وسَبَبُ استجابتهم أنَّ الحاكمَ بأمرِ الله كان قد أسرَفَ في مِصرَ في قَتلِ القُوَّاد، وحَبْسِهم، وأخْذِ أموالِهم، وسائِر القبائِلِ معه في ضَنكٍ وضِيقٍ، ويودُّونَ خُروجَ المُلْك عن يَدِه، وكان الحاكِمُ في الوَقتِ الذي دعا أبو رَكوةَ بني قرَّةَ قد آذاهم، وحَبَس منهم جماعةً مِن أعيانِهم، وقتَلَ بَعضَهم، فلمَّا دعاهم أبو رَكوةَ انقادوا له. وكان بينَ بني قرَّةَ وبين زناتةَ حُروبٌ ودِماءٌ، فاتَّفَقوا على الصُّلحِ ومَنْعِ أنفُسِهم من الحاكِمِ العُبَيديِّ، فاجتمعوا على بيعةِ أبي ركوة، وخاطَبوه بأميرِ المُؤمِنينَ، ولُقِّبَ بالثَّائِرِ بأمرِ اللهِ المُنتَصِر من أعداء الله، ودخَلَ برقةَ في جَحفلٍ عَظيمٍ، فجمع له أهلُها نحوًا مِن مِئَتي ألفِ دينار، ونقَشُوا الدَّراهِمَ والدَّنانيرَ بألقابِه، فالتَفَّ على أبي ركوة من الجنودِ نحوٌ مِن سِتَّةَ عَشَرَ ألفًا، فلما بلغَ الحاكِمَ أمْرُه وما آل إليه حالُه، عَظُمَ عليه الأمرُ، وأهمَّتْه نَفسُه ومُلكُه، وعاود الإحسانَ إلى النَّاسِ، والكَفَّ عن أذاهم، ثمَّ بعث إليه جيشًا بقيادةِ ينال الطويل التركي الذي انهزم أمامَ أبي ركوةِ، وقُتِلَ ينال، فانتشَرَ ذِكرُ أبي رَكوةَ، وعَظُمَت هَيبتُه، وأقام ببرقةَ، وترَدَّدَت سراياه إلى الصعيدِ وأرضِ مِصرَ، وقام الحاكِمُ مِن ذلك وقَعَد، وسُقِطَ في يَدِه، ونَدِمَ على ما فَرَّط، وفَرِحَ جُندُ مِصرَ وأعيانُها بأمرِ أبي ركوة، وعَلِمَ الحاكِمُ بذلك، فاشتَدَّ قَلَقُه، وأظهَرَ الاعتذارَ عن الذي فعَلَه، وكتب النَّاسُ إلى أبي رَكوةَ يَستدعونَه، ومِمَّن كتَبَ إليه الحُسَينُ بنُ جوهر المعروف بقائِدِ القُوَّاد، فسار حينئذٍ عن برقةَ إلى الصَّعيدِ، وعَلِمَ الحاكِمُ، فاشتَدَّ خَوفُه، وبلغ الأمرُ كُلَّ مَبلغٍ، وجمَعَ عساكِرَه واستشارهم، وكتَبَ إلى الشَّامِ يَستدعي العساكِرَ فجاءته، وفَرَّقَ الأموالَ والدَّوابَّ والسِّلاحَ، وسَيَّرَهم وهم اثنا عشرَ ألفَ رجلٍ بين فارسٍ وراجلٍ، سِوى العرب، بقيادة الفَضلِ بنِ عبد الله الذي استطاع بعد عدَّةِ وقائِعَ أن يَهزِمَ أبا ركوةَ، فأسَرَه وأكرَمَه حتى أدخَلَه مِصرَ، ثم حُمِلَ أبو رَكوةَ على جَملٍ مُشهَّرًا به وبأصحابِه، ثُمَّ قُتِلَ وصُلِبَ، ثمَّ أكرمَ الحاكِمُ الفَضلَ وأقطَعَه أقطاعًا كثيرة، ثمَّ اتَّفَق مَرَضُ الفَضلِ فعاده الحاكِمُ مَرَّتين، فلمَّا عوفِيَ قَتَلَه شَرَّ قِتلةٍ.

العودة الى الفهرس