ة للصفحة --> إصلاح جاولي سقاوو لبلاد فارس بتكليف من محمد بن ملكشاه .

إصلاح جاولي سقاوو لبلاد فارس بتكليف من محمد بن ملكشاه .

تفاصيل الحدث :

كان السلطانُ محمد بن ملكشاه ببغداد عازمًا على المقام بفارس، فاضطرَّ إلى المسير إلى أصبهان ليكونَ قريبًا من فارس؛ لئلَّا تختلف عليه، ولما قصده جاولي سقاوو ورضي عنه أقطعَه بلاد فارس، بعد أن أخذ منه الموصل, فسار جاولي إليها ومعه ولد السلطان جغري، وهو طفل له من العمر سنتان، وأمره بإصلاحها، وقَمْعِ المفسدين بها، فسار إليها، فأوَّل ما اعتمده فيها أنه لم يتوسط بلاد الأمير بلدجي، وهو من كبار مماليك السلطان ملكشاه، ومن جملة بلاده كليل وسرماه، وكان متمكنًا بتلك البلاد. وراسله جاولي ليحضر خدمة جغري ولد السلطان، وعلَّم جغري أن يقول بالفارسية: خذوه، فلما دخل بلدجي قال: جغري على عادته: خذوه، فأُخِذ وقُتِل، ونُهِبت أموالُه. وكان لبلدجي من جملة حصونه قلعة إصطخر، وهي من أمنع القلاع وأحصنها، وكان بها أهلُه وذخائره، وقد استناب في حفظها وزيرًا له يعرف بالجهرمي، فعصى عليه، وأخرج إليه أهله وبعض المال، ولم تزل في يد الجهرمي حتى وصل جاولي إلى فارس فأخذها منه، وجعل فيها أمواله. وكان بفارس جماعة من أمراء الشوانكارة، وهم خلق كثير لا يُحصَون، ومُقَدَّمُهم الحسن بن المبارز، المعروف بخسرو، وله فسا وغيرها، فراسله جاولي ليحضُرَ خدمة جغري، فأجاب: إنني عبد السلطان وفي طاعته، فأما الحضور فلا سبيل إليه؛ لأنني قد عرفت عادتك مع بلدجي وغيره، ولكنني أحمل إلى السلطان ما يؤثِرُه. فلما سمع جاولي جوابه علم أنه لا مقامَ له بفارس معه، فأظهر العودَ إلى السلطان، وحمل أثقالَه على الدواب، وسار كأنه يطلب السلطان، ورجع الرسولُ إلى خسرو فأخبره، فاغتَرَّ وقعد للشرب وأمن. وأما جاولي فإنه عاد من الطريق إلى خسرو جريدة في نفر يسير، فوصل إليه وهو مخمور نائم، فكبسَه، فأنبهه أخوه فضلوه، فلم يستيقظ فصب عليه الماء البارد فأفاق، وركب من وقته وانهزم، وتفَرَّق أصحابه، ونهب جاولي ثقله وأمواله، وأكثر القتلَ في أصحابه، ونجا خسرو إلى حصنه، وهو بين جبلين، يقال لأحدهما أنج. وسار جاولي إلى مدينة فسا فتسلمها، ونهب كثيرًا من بلاد فارس منها جهرم، وسار إلى خسرو وحصره مدة، وضيق عليه، فرأى من امتناع حصنه وقوتِه وكثرة ذخائره ما علم معه أن المدة تطول عليه، فصالحه ليشتغِلَ بباقي بلاد فارس، ورحل عنه إلى شيراز، فأقام بها، ثم توجه إلى كارزون فملكها، وحصر أبا سعد محمدًا في قلعته، وأقام عليها سنتين صيفًا وشتاء، فراسله جاولي في الصلح، ثم نفذ ما عند أبي سعد، فطلب الأمان فأمَّنه، وتسلم الحصن. ثم إن جاولي أساء معاملته، فهرب، فقبض على أولاده، وبثَّ الرجال في أثره، فرأى بعضهم زنجيًّا يحمل شيئًا، فقال: ما معك؟ فقال: زادي، ففتَّشه، فرأى دجاجًا وحلواء السكر، فقال: ما هذا من طعامِك! فضربه، فأقَرَّ على أبي سعد، وأنه يحمِلُ ذلك إليه، فقصدوه، وهو في شِعبِ جبل، فأخذه الجندي وحمله إلى جاولي فقتله. وسار إلى داربجرد، وصاحبها اسمه إبراهيم، فهرب صاحبها منه إلى كرمان خوفًا منه، وكان بينه وبين صاحب كرمان صهر، وهو أرسلانشاه بن كرمانشاه بن أرسلان بك بن قاورت، فقال له: لو تعاضدنا لم يقدِرْ علينا جاولي، وطلب منه النجدة، وسار جاولي بعد هربه منه إلى حصار رتيل رننه، يعني مضيق رننه، وهو موضع لم يؤخذ قهرًا قط؛ لأنه واد نحو فرسخين، وفي صدره قلعة منيعة على جبل عال، وأهل داربجرد يتحصَّنون به إذا خافوا، فأقاموا به، وحفظوا أعلاه. فلما رأى جاولي حصانتَه سار يطلب البرية نحو كرمان، كاتمًا أمره، ثم رجع من طريق كرمان إلى داربجرد، مظهرًا أنه من عسكر الملك أرسلانشاه، صاحب كرمان، فلم يشكَّ أهل الحصن أنهم مدَدٌ لهم مع صاحبهم، فأظهروا السرور، وأذنوا له في دخول المضيق، فلما دخله وضع السيفَ فيمن هناك، فلم ينجُ غير القليل، ونهب أموالَ أهل داربجرد وعاد إلى مكانه، وراسل خسرو يعلمه أنه عازم على التوجه إلى كرمان، ويدعوه إليه، فلم يَجِدْ بدًّا من موافقته، فنزل إليه طائعًا، وسار معه إلى كرمان، وأرسل إلى صاحبها القاضي أبا طاهر عبد الله بن طاهر قاضي شيراز، يأمره بإعادة الشوانكارة؛ لأنهم رعية السلطان، يقول: إنه متى أعادهم عاد عن قصد بلاده، وإلا قصَدَه، فأعاد صاحب كرمان جواب الرسالة متضمنة الشفاعة فيهم؛ حيث استجاروا به. ولما وصل الرسول إلى جاولي أحسن إليه، وأجزل له العطاء، وأفسده على صاحبه، وجعله عينًا له عليه، وقرر معه إعادة عسكر كرمان ليدخل البلاد وهم غارُّون، فلما عاد الرسول وبلغ السيرجان، وبها عساكر صاحب كرمان، ووزيره مقدَّم الجيش، أعلم الوزير ما عليه جاولي من المقاربة، وأنه يفارق ما كرهوه، وأكثر من هذا النوع، وقال: لكنه مستوحِش من اجتماع العساكر بالسيرجان، وإن أعداء جاولي طمعوا فيه بهذا العسكر، والرأي أن تعاد العساكر إلى بلادها. فعاد الوزير والعساكر وخلت السيرجان، وسار جاولي في أثر الرسول، فنزل بفرج، وهي الحد بين فارس وكرمان، فحاصرها، فلما بلغ ذلك ملك كرمان أحضر الرسول وأنكر عليه إعادة العسكر، فاعتذر إليه. وكان مع الرسول فراش لجاولي ليعود إليه بالأخبار، فارتاب به الوزير، فعاقبه، فأقر على الرسول فصُلِب ونُهِبت أموالُه وصُلِب الفراش، وندب العساكر إلى المسير إلى جاولي، فساروا في ستة آلاف فارس. وكانت الولاية التي هي الحد بين فارس وكرمان بيد إنسان يسمَّى موسى، وكان ذا رأي ومكر، فاجتمع بالعسكر، وأشار عليهم بترك الجادة المسلوكة، وقال: إن جاولي محتاطٌ منها، وسلك بهم طريقًا غير مسلوكة بين جبال ومضايق. وكان جاولي يحاصِرُ فرج، وقد ضيَّق على من بها، وهو يدمن الشرب، فسير أميرًا في طائفة من عسكره ليلقى العسكر المنفذ من كرمان، فسار الأمير فلم ير أحدًا، فظن أنهم قد عادوا، فرجع إلى جاولي وقال: إن العسكر كان قليلًا، فعاد خوفًا منا، فاطمأن حينئذ جاولي، وأدمن شرب الخمر. ووصل عسكر كرمان إليه ليلًا، وهو سكران نائم، فأيقظه بعض أصحابه وأخبره، فقطع لسانه، فأتاه غيره وأيقظه وعرَّفه الحال، فاستيقظ وركب وانهزم، وقد تفرَّق عسكره منهزمين، فقُتِل منهم وأُسِرَ كثير، وأدركه خسرو وابن أبي سعد الذي قتل جاولي أباه، فسارا معه في أصحابهما، فلم ير معه أحدًا من أصحابه الأتراك، فخاف على نفسه منهم، فقالا له: إنا لا نغدِرُ بك، ولن ترى منا إلا الخير والسلامة، وسارا معه، حتى وصل إلى مدينة فسا، واتصل به المنهزمون من أصحابه، وأطلق صاحب كرمان الأسرى وجهزهم، وكانت هذه الوقعة في شوال سنة ثمان وخمسمائة. وبينما جاولي يدبر الأمر ليعاود كرمان ويأخذ بثأره توفِّيَ الملك جغري ابن السلطان محمد، وعمره خمس سنين، وكانت وفاته في ذي الحجة سنة تسع وخمسمائة، ففت ذلك في عضده، فأرسل ملك كرمان رسولًا إلى السلطان، وهو ببغداد، يطلب منه منع جاولي عنه، فأجابه السلطان أنه لا بد من إرضاء جاولي وتسليم فرج إليه، فعاد الرسول في ربيع الأول سنة عشر وخمسمائة، فتوفي جاولي، فأمنوا ما كانوا يخافونه، فلما سمع السلطان سار عن بغداد إلى أصبهان؛ خوفًا على فارس من صاحب كرمان.

العودة الى الفهرس