فَتحُ مَدائنِ القُصورِ عاصِمةِ الفُرْسِ بقِيادةِ سعدِ بن أبي وَقَّاص .
- العام الهجري :16
- الشهر القمري : صفر
- العام الميلادي :637
تفاصيل الحدث :
عزَم سعدُ بن أبي وَقَّاص أن يَعْبُرَ جَيشُه دِجلَة بالخيلِ، فجمَع النَّاس فحمِد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: إنَّ عَدُوَّكُم قد اعْتصَم منكم بهذا البحرِ، فلا تَخْلُصون إليه معه ويَخْلُصون إليكم إذا شاءوا في سُفُنِهم فَيُناوِشُونَكُم، وليس وَراءَكُم شيءٌ تخافون أن تُؤْتَوْا منه، قد كَفاكُم أهلُ الأيَّام وعَطَّلُوا ثُغورَهُم، وقد رأيتُ مِن الرَّأي أن تُجاهِدوا العَدُوَّ قبلَ أن تَحْصُدَكُم الدّنيا، ألا إِنِّي قد عَزمتُ على قَطْعِ هذا البحرِ إليهم. فقالوا جميعًا: عزَم الله لنا ولك على الرُّشْدِ، فافْعَلْ. فندَب النَّاسَ إلى العُبورِ وقال: مَن يَبدأُ ويَحْمي لنا الفِراضَ حتَّى تَتلاحَقَ به النَّاسُ لِكَيْلا يَمنَعوهُم مِن العُبورِ؟ فانْتَدَبَ عاصمُ بن عَمرٍو ذو البَأْسِ، في سِتِّمائةٍ مِن أهلِ النَّجدات لِيَحموا لهم الشَّاطئَ مِن الفُرْسِ حتَّى تَتَلاحقَ الجُنْدُ، ولمَّا رَأى سعدٌ عاصِمًا على الفِراضِ قد مَنَعَها، أَذِنَ للنَّاسِ في الاقتحامِ وقال: قولوا: نَستَعينُ بالله، ونَتوَكَّلُ عليه، حَسبُنا الله ونِعْمَ الوَكيلُ، والله ليَنْصُرَنَّ الله وَلِيَّهُ، وليُظْهِرَنَّ دِينَهُ، وليَهْزِمَنَّ عَدُوَّهُ، لا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله العَلِيِّ العظيمِ. وتَلاحَقَ النَّاسُ في دِجْلة وإنَّهم يَتَحدَّثون كما يَتَحدَّثون في البَرِّ، وطَبَّقوا دِجْلة حتَّى ما يُرى مِن الشَّاطئ شيءٌ. فلمَّا رَأى الفُرْسَ ذلك، وأَتاهُم أَمْرٌ لم يكنْ في حِسابِهم خرَجوا هاربين نحو حُلْوان، وتَركوا في الخَزائنِ مِن الثِّيابِ والمَتاعِ والآنِيَةِ والفُصوصِ والألطافِ ما لا يُدْرَى قِيمتُه، وخَلَّفُوا ما كانوا أَعَدُّوا للحِصارِ مِن البَقر والغَنَم والأطعِمَة، وكان في بيتِ المالِ ثلاثةُ آلافِ ألف ألف ألف، ثلاث مرَّات، وكان أوَّلَ مَن دخَل المدائنَ كَتيبةَ الأهوالِ، وهي كَتيبةُ عاصمِ بن عَمرٍو، ثمَّ كَتيبةُ الخَرْساء، وهي كَتيبةُ القَعقاعِ بن عَمرٍو، فأخذوا في سِكَكِها لا يَلْقون فيها أحدًا يَخْشَوْنَهُ إلَّا مَن كان في القَصرِ الأبيضِ، فأحاطوا بهم ودَعوهم فاستَجابوا على تَأدِيَةِ الجِزيَةِ والذِّمَّةِ، فتَراجَع إليهم أهلُ المدائنِ على مِثلِ عَهدِهم، ليس في ذلك ما كان لآلِ كِسرى، ونزَل سعدٌ القَصرَ الأبيضَ، واتَّخَذ سعدٌ إيوانَ كِسرى مُصَلَّى، ولمَّا دخَل سعدٌ الإيوانَ قرَأ: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الدخان: 25]...الآيةَ، وصلَّى فيه صَلاةَ الفَتحِ ثماني رَكعاتٍ، ثمَّ جمَع ما في القَصرِ والإيوانِ والدُّورِ مِن الغنائمِ، وكان أهلُ المدائنِ قد نَهبوها عند الهَزيمةِ، وهَربوا في كُلِّ وَجهٍ، فما أَفْلَتَ أحدٌ منهم بشيءٍ إلَّا أَدْرَكَهُم الطَّلَبُ، فأخذوا ما معهم، ورَأَوْا بالمدائنِ قِبابًا تُرْكِيَّةً مَمْلُؤةً سِلالًا مَختومَةً بِرَصاصٍ فحَسَبوها طعامًا، فإذا فيها آنِيَةُ الذَّهبِ والفِضَّةِ.
العودة الى الفهرس