سُقوطُ حِصْنِ بابِ لِيُون على يَدِ عَمرِو بن العاصِ رضِي الله عنه .

تفاصيل الحدث :

بعدَ انْتِصار المسلمين في مَوقعةِ عَيْنِ شَمْسٍ مَكَّنَ هذا النَّصرُ مُعسكراتِ المسلمين مِن أن تَشْرُفَ على حِصْن بابِ لِيُون مُباشرةً مِن جِهَتِه الشَّماليَّة والشَّرقيَّة، وكانت أَسوارُ هذا الحِصْن تَضُمُّ مِساحةً تَزيدُ عن السِّتِّين فَدَّانًا, ضرَب المسلمون حِصارًا قَوِيًّا على الحِصْن المَنيعِ، غيرَ عابِئِينَ بِمَجانيق الرُّومِ، تَدفَعُهم حَماسَتُهُم، وحُبُّ الجِهادِ ونَيْلُ الشَّهادةِ في مُهاجَمةِ الحِصْن، والقِيامِ بِسِلسلةٍ مِن المُناوَشات التي كانت نَتائِجُها تُضْعِفُ مَعنوِيَّات المُحاصَرين، ولم يَكَدْ يَمْضي على الحِصار شهرٌ حتَّى دَبَّ اليأسُ في نَفْسِ "المُقَوْقِس" حاكمِ مِصْرَ، فأرسَل في طَلَبِ المُفاوَضَةِ والصُّلْحِ، فبعَث عَمرُو بن العاصِ وَفْدًا مِن المُفاوِضين على رَأْسِه عُبادةُ بن الصَّامتِ الذي كُلِّفَ بألَّا يَتَجاوَزَ في مُفاوَضَتِه أُمورًا ثلاثة يَختارُ الرُّومُ واحدةً منها، وهي: الدُّخولُ في الإسلامِ، أو قُبولُ دَفْعِ الجِزيَةِ للمسلمين، أو الاحْتِكامُ إلى القِتالِ، فلم يَقْبَلْ الرُّومُ العَرْضَيْن الأوَّلَيْن، وأَصَرُّوا على مُواصَلَةِ القِتالِ، وحاوَلَ المُقَوْقِسُ أن يَعْقِدَ صُلْحًا مع عَمرٍو بعدَ أن تَيَقَّنَ أنَّه لا قِبَلَ له بِمُواجَهَةِ المسلمين، وآثَرَ الصُّلْحَ وحَقْنَ الدِّماءِ، واخْتار أن يَدْفَعَ الجِزيَةَ للمسلمين، وكتَب شُروطَ الصُّلْحِ، وأَرْسلها إلى هِرقلَ إمبراطور الرُّومِ للمُوافقَةِ عليها، وأَسْرعَ إلى الإسكندريَّة مُغادِرًا الحِصْنَ، وأَردَفَ شُروطَ الصُّلْحِ بِرِسالةٍ إلى هِرقلَ يَعْتَذِرُ فيها لِهِرقلَ عمَّا أَقْدَمَ عليه مِن الصُّلْحِ مع المسلمين، فما كان مِن هِرقلَ إلَّا أن أَرسَل إليه وإلى قادةِ الرُّومِ يُعَنِّفُهُم على تَخاذُلِهِم وتَهاوُنِهِم إزاءَ المسلمين، ولم يكُن لهذا مَعْنًى سِوى رفضِ شُروطِ الصُّلْحِ، اسْتأنفَ المسلمون القِتالَ وشَدَّدوا الحِصارَ بعدَ فشلِ الصُّلْحِ، وفي أثناءِ ذلك جاءت الأنباءُ بوَفاةِ هِرقل ففَتَّ ذلك في عَضُدِ الجُنودِ داخِلَ الحِصْنِ، وزادَهُم يأسًا على يأسٍ، في الوقت الذي صَحَّتْ فيه عَزائمُ المسلمين، وقَوِيَتْ مَعنوِيَّاتُهم، وفي غَمْرَةِ الحِصارِ تَطوَّع الزُّبيرُ بن العوَّام بِتَسَلُّقِ سُورِ الحِصْنِ في ظَلامِ اللَّيلِ، وتَمَكَّنَ بِواسطَةِ سُلَّمٍ وُضِعَ له أن يَصعَدَ إلى أعلى السُّورِ، ولم يَشعُرْ الرُّومُ إلَّا بِتَكبيرةِ الزُّبيرِ تَهُزُّ سُكونَ اللَّيلِ، ولم يَلْبَثْ أن تَبِعَهُ المسلمون يتسابقون على الصُّعودِ، تَسبِقُهُم تَكبيراتُهم المُدَوِّيَةُ فتَنخَلِع لها أفئدةُ الرُّوم التي ملأها اليأسُ، فكانت تلك التَّكبيرات أمضى مِن كلِّ سِلاحٍ قابلهم، حتَّى كان قائد الحِصْن يَعرِض الصُّلْحَ على عَمرٍو ومُغادرةَ الحِصْنِ.

العودة الى الفهرس