حصر الأفضل مدينة دمشق .

تفاصيل الحدث :

لَمَّا مَلَك الأفضَلُ مِصرَ، واستَقَرَّ بها، واجتمعت الكلمةُ على الأفضَلِ بها، وصَلَ إليه رسولُ أخيه الملك الظاهر غازي، صاحِبِ حلب، ورُسُلُ ابنِ عَمِّه أسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه، صاحِبِ حمص، يحثَّانِه على الخروج إلى دمشق، واغتنام الفرصةِ بغَيبةِ العادل عنها، وبَذَلا له المساعدةَ بالمال والنَّفسِ والرجال، فبَرَز من مصر، فوصل إلى دمشقَ ثالث عشر شعبان، وكان العادِلُ قد أرسل إليه نوَّابُه بدمشق يعَرِّفونَه قَصْدَ الأفضل لهم، ففارق ماردين وخَلَّفَ ولده الملِكَ الكامِلَ مُحمَّدًا في جميع العساكِرِ على حصارها، فسَبَق الأفضَلَ، فدخل دمشقَ قبل الأفضَلِ بيومين، وأمَّا الأفضَلُ فإنَّه تقَدَّمَ إلى دمشقَ مِن الغد، وهو رابعَ عشر شعبان، ودخل ذلك اليومَ بعينه طائفةٌ يسيرةٌ مِن عسكَرِه من عسقلان إلى دمشقَ من باب السلامة، فلمَّا رآهم عامَّةُ البلد نادَوا بشِعارِ الأفضَلِ واستسلَمَ مَن به من الجُندِ، ونَزَلوا عن الأسوار، وبلَغَ الخَبَرُ إلى الملك العادل، فكاد يستسلِمُ، وتماسَكَ، فلما رأى عسكَرُ العادل بدمشق قِلَّةَ عدَدِهم، وانقطاعَ مَدَدِهم، وثَبُوا بهم وأخرجوهم منه، ثمَّ وصَلَ بعده المَلِكُ الظاهر، صاحِبُ حلب، ثاني عشر شهر رمضان، وأرادوا الزَّحفَ إلى دمشق، فمَنَعَهم الملك الظاهر مكرًا بأخيه وحَسَدًا له، ولم يشعُرْ أخوه الأفضَلُ بذلك، وأما الملك العادل فإنَّه لما رأى كثرةَ العساكِرِ وتتابعَ الأمدادِ إلى الأفضَلِ، عظم عليه، فأرسلَ إلى المماليكِ الناصريَّةِ ببيت المَقدِسِ يستدعيهم إليه، فساروا آخر شعبان، فوصل خبَرُهم إلى الأفضل، فسَيَّرَ أسد الدين، صاحِبَ حمص، ومعه جماعةٌ مِن الأمراء إلى طريقِهم ليمنعوهم، فسَلَكوا غيرَ طَريقِهم، فجاء أولئك ودخلوا دمشقَ خامس رمضان، فقَوِيَ العادل بهم قُوَّةً عظيمة، وأَيِسَ الأفضَلُ ومَن معه من دمشق، وخرج عسكَرُ دمشق في شوال، فكَبَسوا العسكرَ المصري، فوَجَدوهم قد حَذِروهم، فعادوا عنهم خاسرينَ، وأقام العسكَرُ على دمشق ما بين قُوَّة وضَعفٍ، وانتصارٍ وتخاذُل، حتى أرسل المَلِك العادل خلْفَ ولده الملك الكامل محمد، وكان قد رحل عن ماردين، وهو بحران، فاستدعاه إليه بعسكره، فسار على طريقِ البَرِّ، فدخل إلى دمشق ثاني عشر صفر سنة ست وتسعين وخمسمائة، فعند ذلك رحل العسكَرُ عن دمشق وعاد الأفضَلُ إلى مصر.

العودة الى الفهرس