وفاة الملك المعظم صاحب دمشق وملك ولده داود .

تفاصيل الحدث :

هو المَلِكُ المعَظَّم شرفُ الدين عيسى بن الملك العادل كان عاليَ الهمة حازمًا شجاعًا مهيبًا فاضلًا جامعًا شَملَ أرباب الفضائل محبًّا لهم، كانت مملكتُه متسعة من حدود بلد حمص إلى العريش يدخل في ذلك بلاد الساحل الإسلامية منها، وبلاد الغور وفلسطين والقدس والكرك والشوبك وصرخد وغير ذلك. توفي يوم الجمعة آخر ذي القعدة، وكان مرضُه دوسنطاريا، وكان ملكُه لمدينة دمشق، من حين وفاة والده الملك العادل، عشر سنين وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا، وكان في الفقه على مذهب أبي حنيفة متعصبًا لمذهبه، فإنه كان قد اشتغل به كثيرًا، وصار من المتميزين فيه، ولم يكن في بني أيوب حنفيٌّ سواه، وتبعه أولاده، وكان يحب الأدبَ كثيرًا واشتغل بعلم النحو اشتغالًا زائدًا، وصار فيه فاضلًا، وكذلك اللغة وغيرها، وقيل إنه كان قد شرط لكلِّ من يحفظ "المفصَّل" للزمخشري مائة دينار وخلعة، فحفظه لهذا السبب جماعة، ورأيت بعضَهم بدمشق، والناس يقولون: إن سبب حفظهم له كان هذا، وقيل إنَّه لما توفي كان قد انتهى بعضُهم إلى أواخره وبعضُهم في أثنائه، وهم على قدر أوقاتِ شروعهم فيه، ولم يُسمَعْ بمثل هذه المنقبة لغيره. وكان يقولُ كثيرًا: إن اعتقادي في الأصول ما سطره أبو جعفر الطحاوي، ووصى عند موته بأن يكَفَّن في البياض، ولا يجعل في أكفانه ثوبٌ فيه ذهب، وأن يُدفَن في لحد، ولا يبنى عليه بناءٌ، بل يكون قبره في الصحراء تحت السماء، ولما توفي ولي بعده ابنُه داود وتلقب بالملك الناصر، وكان عمرُه قد قارب عشرين سنة.

العودة الى الفهرس