وفاة الخليفة العباسي المستنصر بالله .
- العام الهجري :640
- الشهر القمري : جمادى الآخرة
- العام الميلادي :1242
تفاصيل الحدث :
هو أميرُ المؤمنين الخليفة العباسي المستنصر بالله أبو جعفر منصور بن الخليفة الظاهر بأمر الله محمد بن الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد. واقف المستنصريَّة التي لا نظيرَ لها. ولد سنة 588, وأمه تركية، وكان جده الناصر يحبُّه ويسميه القاضي؛ لحبه للحقِّ، وعقلِه, وبويعَ عند موت والده يوم الجمعة، ثالث عشر رجب، سنة 623 البيعة الخاصة من إخوته وبني عمه وأسرته، وبايعه من الغد الكبراء والعلماء والأمراء. وكان أبيضَ أشقرَ، سمينًا ربعةً مليح الصورة، عاقلًا حازمًا سائسًا ذا رأي ودهاء ونهوض بأعباء الملك، كان جدُّه الناصر قد جمع ما يتحصل من الذهب في بركة في دار الخلافة، فكان يقفُ على حافتِها ويقول: أتُرى أعيش حتى أملأَها، وكان المستنصر يقِفُ على حافتها ويقول أترى أعيش حتى أنفِقَها كُلَّها, فكان يبني الربُطَ والخانات والقناطر في الطرقات من سائر الجهات، وقد عَمِلَ بكل محلَّة من محال بغداد دارَ ضيافة للفقراء، لا سيَّما في شهر رمضان، وكان يتقصد الجواري اللائي قد بلغن الأربعين فيُشترين له فيُعتقُهنَّ ويُجهزهنَّ ويُزوجُهنَّ، وفي كل وقت يُبرِزُ صِلاتِه ألوفًا متعددة من الذهب، تُفَرَّق في المحال ببغداد على ذوي الحاجات والأرامل والأيتام وغيرهم، تقبَّلَ الله تعالى منه وجزاه خيرًا، وقد وضع ببغداد المدرسة المستنصرية للمذاهب الأربعة، وجعل فيها دار حديث وحمامًا ودار طب، وجعل لمستحقيها من الجوامك- رواتب الموظفين- والأطعمة والحلاوات والفاكهة ما يحتاجون إليه في أوقاته، ووقف عليها أوقافًا عظيمة حتى قيل إن ثمن التبن من غلات ريعها يكفي المدرسة وأهلَها, ووقف فيها كتبًا نفيسة ليس في الدنيا لها نظير، فكانت هذه المدرسة جمالًا لبغداد وسائر البلاد, فكان المستنصرُ رحمه الله كريمًا حليمًا رئيسًا متودِّدًا إلى الناس، حازمًا عادلًا، وفي أيامه عَمَرت بغداد عمارة عظيمة. قال ابن النجار: "نشر المستنصر بالله العدلَ، وبثَّ المعروف، وقَرَّب العلماء والصلحاء، وبنى المساجد والمدارس والربط، ودور الضيافة والمارستانات، وأجرى العطيَّات، وقمع المتمَرِّدة، وحمل الناسَ على أقوَمِ سَنَن، وعمر طرق الحاجِّ، وعمر بالحرمين دورًا للمرضى، وبعث إليها الأدوية, ثم قام بأمر الجهاد أحسن قيام، وجمع العساكر، وقمع الطغام، وبذل الأموال، وحَفِظَ الثغور، وافتتح الحصون، وأطاعه الملوك, وبيعت كتبُ العلم في أيامه بأغلى الأثمان لرغبته فيها، ولوقفها, وَخَطَه الشيب، فخضب بالحناء، ثم تركه, قلت (الذهبي): (كانت دولته جيدة التمكن، وفيه عدلٌ في الجملة، ووقع في النفوس) استجد عسكرًا كثيرًا لَمَّا علم بظهور التتار، بحيث إنه يقال: بلغ عدَّةُ عَسكَرِه مائة ألف، وكان يُخطَبُ له بالأندلس والبلاد البعيدة, وبلغ غلَّة وقف المستنصرية مرة نيفًا وسبعين ألف دينار في العام، واتفق له أنه لم يكن في أيامه معه سلطان يحكُم عليه، بل ملوك الأطراف خاضعون له، وفكرهم منشغلٌ بأمر التتار". توفي يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة، وكُتِم موتُه حتى كان الدعاء له على المنابر ذلك اليوم، وكانت مدة ولايته ست عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوما، ودُفِنَ بدار الخلافة، ثم نُقِلَ إلى الترب من الرصافة، بويع لابنه المستعصم بالله بعد صلاة الجمعة.
العودة الى الفهرس