فتنة أولاد الكنز العلويين بمدينة أسوان وسواكن .
- العام الهجري :767
- الشهر القمري : ربيع الأول
- العام الميلادي :1365
تفاصيل الحدث :
كان الكنزُ أمير العرب بنواحي أسوان، وهو من الشيعة العَلَوية بمصر، فعصى الكنز الدولةَ واجتمَعَ إليه العرب والسودان، وطالت أيَّامُه واشتهر منذ أيام صلاح الدين، وفي هذا العام كثُرَ فسادُ أولاد الكنز وطائفة العكارمة بأسوان وسواكن، ومَنَعوا التجارَ وغَيرَهم من السفر؛ لِقَطعِهم الطريق، وأخْذِهم أموالَ الناس، وأنَّ أولاد الكنز قد غلبوا على ثغر أسوان، وصحراء عيذاب وبرية الواحات الداخلة، وصاهَروا ملوك النوبةِ، وأمراء العكارمة، واشتَدَّت شوكتُهم، ثم قَدِمَ ركن الدين كرنبس من أمراء النوبةِ، والحاج ياقوت ترجمانُ النوبة، وأرغون مملوك فارس الدين، برسالة متملك دنقلة بأن ابنَ أخته خرج عن طاعته، واستنجد ببني جعد من العرب، وقصدوا دنقلةَ فاقتتلا قتالًا كثيرًا، قُتِلَ فيه الملك وانهزم أصحابُه، ثم أقاموا عِوَضَه في المملكة أخاه، وامتَنَعوا بقلعة الدو فيما بين دنقلة وأسوان، فأخذ ابنُ أخت المقتول دنقلةَ، وجلس على سرير المملكة، وعمل وليمةً جمع فيها أمراء بني جعد وكبارَهم، وقد أعَدَّ لهم جماعةً مِن ثقاته ليفتِكوا بهم، وأمر فأُخلِيَت الدور التي حول دارِ مُضَيِّفِهم، وملأها حَطَبًا، فلما أكَلوا وشَرِبوا، خرجت جماعةٌ بأسلِحَتِهم، وقاموا على باب الدار، وأضرم آخرونَ النَّارَ في الحطب، فلما اشتعلت بادر العُربان بالخروج من الدار، فأوقع القومُ بهم، وقتلوا منهم تسعةَ عشر أميرًا في عِدَّةٍ مِن أكابرهم، ثم ركب إلى عَسكَرِهم، فقَتَل منهم مقتلةً كبيرة، وانهزم باقيهم، فأخذ جميعَ ما كان معهم واستخرج ذخائِرَ دنقلة وأموالها، وأخلاها من أهلِها، ومضى إلى قلعة الدو، وسألا أن ينجِدَهما السلطان على العَرَب، حتى يستردُّوا مُلكَهما، والتزما بحَملِ مال في كل سنة إلى مصر، فرسم السُّلطانُ بنجدتهم وأخَذَ في تجهيز العسكر من سادس عشر شهر ربيع الأول، وساروا في الرابعِ والعشرين، وهم نحوُ الثلاثة آلاف فارس، فأقاموا بمدينةِ قوص ستة أيام، واستدعوا أمراءَ أولاد الكنز من ثغر أسوان ورغَّبوهم في الطاعة، وخَوَّفوهم عاقِبةَ المعصية، وأمَّنوهم، ثم ساروا من قوص، فأتَتْهم أمراء الكنوز طائعينَ عند عقبة أدفو، فخلع عليهم الأميرُ أَقتمر عبد الغني وبالغَ في إكرامهم، ومضى بهم إلى أسوان، وسارت العساكِرُ تريدُ النوبة على محاذاتها في البَرِّ يومًا واحدًا، وإذا برُسُل متمَلِّك النوبة قد لاقَتْهم، وأخبروهم بأنَّ العَرَب قد نازلوا المَلِكَ وحصروه بقلعة الدو، فبادر الأمير أقتمر عبد الغني لانتقاء العسكر، وسار في طائفةٍ منهم جريدة، وترك البقيَّةَ مع الأثقال، وجَدَّ في سيره حتى نزل بقلعة أبريم، وبات بها ليلَتَه، وقد اجتمع بمَلِك النوبة وعرب العكارمة، وبقية أولاد الكنز، ووافاه بقية العسكر فدَبَّرَ مع مَلِكِ النوبة على أولاد الكنز، وأمراء العكارمة، وأمسكهم جميعًا، ورَكِبَ مُتَمَلِّك النوبة في الحالِ، ومعه طائفةٌ من المماليك، ومضى في البَرِّ الشَّرقيِّ إلى جزيرة ميكائيل؛ حيث إقامة العكارمة، وسار الأمير خليل بن قوصون في الجانب الغربي ومعه طائفة، فأحاطوا جميعًا بجزيرة ميكائيل عند طلوع الشمس، وأسَرُوا من بها من العكارمة، وقَتَلوا منهم عِدَّةً بالنشَّاب والنفط، وفَرَّ جماعة نجا بعضُهم وتعلق بالجبال وغرق أكثرهم، وساق ابن قوصون النساء والأولاد والأسرى والغنائم إلى عند الأمير أَقتمر، ففَرَّقَ عِدَّة من السَّبيِ في الأمراء، وأطلق عِدَّةً، وعين طائفةً للسُّلطانِ، ووقع الاتفاقُ على أن يكون كرسي ملك النوبة بقلعة الدو؛ لخراب دنقلة، ولأنَّه يخافُ من عرب بني جعد أيضًا إن نزل المَلِك بدنقلة أن يأخذوه، فكتب الأمير أقتمر عبد الغني محضرًا برضاء مَلِك النوبة بإقامته بقلعةِ الدو، واستغنائه عن النجدة، وأنَّه أذِنَ للعسكر في العود إلى مصر، ثم ألبَسَه التشريف السلطاني، وأجلسه على سرير الملك بقلعة الدو، وأقام ابنَ أخته بقلعة أبريم، فلمَّا تَمَّ ذلك جَهَّزَ مَلِكُ النوبة هديةً للسلطان، وهديةً للأمير يَلْبُغا الأتابك، ما بين خيل وهجن ورقيقٍ وتُحَف، وعاد العسكَرُ ومعهم أمراء الكنز، وأمراء العكارمة في الحديد، فأقاموا بأسوان سبعة أيام، ونودي فيها بالأمانِ والإنصاف من أولاد الكنز، فرُفِعَت عليهم عِدَّةُ مُرافعات، فقُبِضَ على عدة مِن عبيدهم وقُتلوا، ورحل العسكَرُ من أسوان، ومرُّوا إلى القاهرة، فقَدِموا في ثاني شهر رجب، ومعهم الأسرى، فعُرِضوا على السُّلطانِ، وقُيِّدوا إلى السجن، وخُلِعَ على الأمير عبد الغني، وقُبِلَت الهديَّةُ.
العودة الى الفهرس