وباء وغلاء عام في مصر وهلاك الكثير من الناس بسببه .

تفاصيل الحدث :

ابتدأ الوباءُ في النَّاسِ في القاهرة ومِصرَ في نصف جمادى الآخر، وكَثُر مَوتُ الفقراء والمساكين بالجوع، وقد توقَّفَت أحوال الناس من قِلَّة المكاسب؛ لشِدَّة الغلاء وعَدَمِ وجودِ ما يُقتاتُ به، وشَحَّ الأغنياءُ وقَلَّت رَحمتُهم، فمن كان يكتَسِبُ في اليوم درهمًا يقومُ بحالِه ويَفضُلُ له منه شيء، صار الدِّرهَمُ لا يجدي شيئًا، فمات ومات أمثالُه من الأُجَراء والعُمَّال والصنَّاع والفلاحين والسُّؤَّال من الفقراء، وفي شَهرَي رجب وشعبان: اشتَدَّ الغلاء، وشَفَع الموت في الفُقَراءِ مِن شِدَّة البَردِ والجوعِ والعُري، وهم يَستغيثونَ فلا يُغاثُونَ، وأكَلَ أكثَرُ النَّاسِ خُبزَ الفولِ والنخال، عجزًا عن خبزِ القمح، وكَثُرَ الخَطفُ من أيدي النَّاسِ، ورُمِيَ طينٌ بالسجنِ لعمارة حائطٍ به، فأكله المسجونونَ مِن شِدَّةِ جُوعِهم، وعزَّ وجود الدوابِّ لِمَوتها جوعًا، وفي رابِع عشرين شعبان انتدب الأميرُ منجك نائب السلطان لتفرقةِ الفُقَراء على الأمراء وغيرهم، فجمع أهلَ الحاجة والمَسكَنة، وبعث إلى كلِّ أميرٍ مِن أمراء الألوف مائةَ فقير، وإلى مَن عدا أمراء الألوف على قَدرِ حالِه، وفَرَّق على الدواوين والتجَّار وأرباب الأموال كل واحدٍ عددًا من الفقراءِ، ثم نودي في القاهرة ومصر بألا يتصَدَّقَ أحَدٌ على حرفوش، وأيُّ حرفوش شَحَذ صُلِبَ، فآوى كلُّ أحدٍ فُقراءَه في مكانٍ، وقام لهم من الغِذاء بما يمُدُّ رَمَقَهم على قَدرِ هِمَّتِه وسَماح نفسِه، ومنعهم من التَّطوافِ لسُؤالِ النَّاسِ، فخَفَّت تلك الشناعات التي كانت بين النَّاسِ إلَّا أن الموات عَظُم، حتى كان يموتُ في كُلِّ يوم من الطُّرَحاء على الطرقات ما يزيدُ على خمسمائة نفر، ويُطلَقُ من ديوان المواريث ما يُنيفُ على مائتي نفس، وتزايَدَ في شهر رمضان مَرَضُ الناس وموتهم، ونَفِدَت الأقوات، واشتَدَّ الأمر، فبلغت عِدَّةُ مَن يرد اسمُه للديوان في كلِّ يوم خمسمائة، وبلغت عِدَّةُ الطرحاء زيادةً على خمسمائة طريح، فقام بمواراةِ الطُّرَحاء الأميرُ ناصر الدين محمد بن الأمير أقبغا آص، والأمير سودن الشيخوني، وغيرهما، وكان من أتى بميِّتٍ طريح أعطَوه درهمًا، فأتاهم الناسُ بالأموات، فقاموا بتغسيلِهم وتكفينِهم ودَفْنِهم- أحسَنَ قيامٍ، بعد ما شاهد النَّاسُ الكلابَ تأكل الموتى من الطُّرَحاء، فلما فَنِيَ مُعظَمُ الفقراء، وخَلَت دورٌ كثيرة خارج القاهرة ومصر لِمَوت أهلها، فَشَت الأمراضُ مِن أُخرَيات شهر رمضان في الأغنياءِ، ووقع الموتُ فيهم، فازداد سِعرُ الأدوية، واشتَدَّ الأمر في شوَّال إلى الغاية، وفي أوَّلِ ذي القعدة وصَلَت تراويج القمح الجديد، فانحَلَّ السِّعرُ، ثم تناقَصَت الأسعارُ.

العودة الى الفهرس