محاولة اغتيال السلطان الظاهر برقوق .
- العام الهجري :800
- الشهر القمري : ذي القعدة
- العام الميلادي :1398
تفاصيل الحدث :
ركِبَ السلطان الظاهر برقوق بعد صلاة الظهر يريد المقياسَ من شهر ذي القعدة، وفتح الخليج على العادة، ومعه الأمراء إلا الأمير ألي باي الخازندار؛ فإنه كان قد انقطع في داره أيامًا لمرض نزل به فيما أظهره، وفي باطن أمره أنَّه قصد الفتك بالسلطان؛ فإنه علم أنَّه إذا نزل الخليج يدخل إليه ويعودُه على ما جرت به عادتُه مع الأمراء، فدبَّر اغتَيال السلطان، وأخلى إسطبله وداره من حريمه وأمواله، وأعدَّ قومًا اختارهم لذلك، وكان سبب هذا فيما يظهرُ أن بعض مماليكه المختصِّين به وكان شاد شراب خاناته تعرَّض لجارية من جواري الأمير أقباي الطرنطاي، يريد منها ما يريدُه الرجل من المرأة، وصار بينهما مُشاكلةٌ، فبلغ ذلك أقباي، فقَبَض عليه وضربه ضربًا مبرِّحًا، فحنق ألي باي وشكاه للسلطان فلم يلتفِت إلى قولِه، وأعرض عن ذلك، وكان ألي باي في زعمه أن السلطان يزيل نعمة أقباي لأجله، فغضِبَ من ذلك وحرَّك ما عنده من البغي الكامن، فلما فتح السلطان الخليجَ وركب إلى جهة القلعة اعترضه مملوكٌ من خشداشيته -زملاء عمله- اليلبغاوية، يُعرَف بسودن الأعور، وأسَرَّ إليه أنَّ دارَه التي يسكنها تُشرِفُ على إسطبل الأمير ألي باي، وأنَّه شاهد مماليك ألي باي وقد لبسوا بدلةَ الحرب، ووقفوا عند بوائك الخيل، وستروا البوائِكَ بالأنخاخ لِيَخفى أمرهم، فكتم السلطانُ الخبر، وأمر الأميرَ أرسطاي رأس نوبة أن يتوجَّه إلى دار الأمير ألي باي، ويُعلِمَهم أنَّ السلطانَ يدخل لعيادته، فلما أُعلِمَ بذلك اطمأنُّوا، ووقف أرسطاي على باب ألي باي ينتظر قدوم السلطان، وعندما بعث السلطان أرسطاي أمير الجاويشية بالسكوتِ، وأخذ العصابةَ السلطانية التي تُرفَعُ على رأس السلطان فيُعلَم بها مكانه، يريد بذلك تعميةَ خبرِه، وسار إلى تحت الكبش، وهو تجاه دار ألي باي، والناس من فوقه قد اجتمعوا لرؤية السلطان، فصاحت به امرأةٌ: لا تدخُل؛ فإنهم قد لبسوا آلة القتال، فحرَّك فرسه وأسرع في المشيِ ومعه الأمراء، ومن ورائه المماليكُ، يريد القلعة، وأما ألي باي فإنَّ بابه كان مردودَ الفردتين، وضبته مطرفة ليمنَعَ من يدخل حتى يأتيَ السلطان، فلما أراد اللهُ مَرَّ السلطان حتى تعدَّى بابه، وكان في طريقِه، فلم يعلموا بمروره حتى تجاوزَهم بما دبرَّه من تأخير العصائب وسكوت الجاويشية، وخرج أحد أصحاب ألي باي يريد فتح الضبة فأغلقها، وإلى أن يحضر مفتاح الضبة ويفتح فاتهم السلطان، وصار بينهم وبينه سدٌّ عظيم من الجمدارية، قد ملؤوا الشارع بعرضه، فخرج ألي باي بمن معه لابسين السلاح، وعمدهم نحو الأربعين فارسًا يريد السلطان، وقد ساق ومعه الأمراء حتى دخل باب السلسلة، وامتنع بالإسطبل، فوقف ألي باي تجاه الإسطبل بالرميلة تحت القلعة، ونزل إليه طائفةٌ من المماليك السلطانية لقتاله، فثبت لهم وجُرح جماعة، وقُتِل من السلطانية بيسق المصارِع ثم انهزم ألي باي، وتفرَّق عنه من معه، هذا وقد ارتجَّت مصر والقاهرة، وجفل الناسُ من مدينة مصر، وكانوا بها للفرجة على العادة في يوم الوفاء، وطلبوا مساكِنَهم خوفًا من النهابة، وركب يلبغا المجنون ومعه مماليكه لابسين بدلة القتال يريد القلعة، واختلف الناسُ في السلطان، وأرجفوا بقتله وبفراره، وتباينت الأقوالُ فيه، واشتد الخوفُ وعَظُم الأمر، وبات السلطانُ بالإسطبل، وقد نَهَبت العامة بيت ألي باي وخرَّبوه، ونهبوا دار الأمير يلبغا المجنون وخربوها، وأما ألي باي فإنه لما تفرَّق عنه أصحابه اختفى في مستوقد حمام، فقُبِض عليه، وحُمِل إلى السلطان فقَيَّده وسجنه بقاعة الفضة من القلعة، فلما أصبح نهار الأحد نزع العسكر آلةَ الحرب وتفرَّقوا، وعُصر ألي باي، فلم يُقِرَّ على أحد، وأُحضر يلبغا المجنون فحلف أنه لم يوافقْه، ولا عِلمَ بشيء من خبره، وأنه كان مع الوزير بمصر.
العودة الى الفهرس