غزو السعديين السودان وفتحها .
- العام الهجري :999
- الشهر القمري : جمادى الأولى
- العام الميلادي :1591
تفاصيل الحدث :
عزم السلطانُ أحمد المنصور السعدي على غزو السودان، فاشتغل بتجهيز آلة الحرب وما يحتاج إليه الجيشُ من آلة السفر ومهمَّاته، وأمر القوَّادَ أن يقوِّموا حِصَصَ القبائل وما يحتاجون إليه من إبلٍ وخيل وبغال، وأنَّ من أتى بجملٍ ضعيف يعاقَبُ، واشتغل هو بتقويم آلةِ الحرب من المدافِعِ والعجلات التي تحمِلُها، والبارود والرصاص والكور، وتقويم الخشب واللوح والحديد للغلائط، والسفن والفلك والمجاذيف والقلوع والبراميل والروايا لحمل الماء، وألَّف النجارون ذلك في البر إلى أن تألَّف، ثم خلعوه وشدوه أحمالًا، واستمر الحالُ إلى أن استوفى المنصورُ أمر الغزو في ثلاث سنين، ثم أمر بإخراج المضارب والمباني لوادي تانسيفت، فخرجت الأحمالُ والأثقال من مراكش في اليوم السادس عشر من ذي الحجة سنة 998 ونزلت العساكرُ وضَربت أبنيتَها خيلًا ورَجِلًا، وجملتها عشرون ألفًا، ومعهم من المعلمين البحرية والطبجية ألفان، فالمجموع اثنان وعشرون ألفًا، وعقد المنصور على ذلك الجيش لمولاه الباشا جؤذر، وشدَّ أزره بجماعةٍ من أعيان الدولة، فاختار منهم من يعلَمُ نجدته ويعرِفُ كفايته، وتخيَّر من الإبل كلَّ بازل وكوماء، ومن الخيل كلَّ عتيق وجرداء، ثم نهضوا في زيٍّ عظيم وهيئة لم يُرَ مِثلُها، وذلك في محرَّم من هذه السنة، وكتب المنصور إلى قاضي تنبكتو الفقيه العلامة أبي حفص عمر ابن الشيخ محمود بن عمراء قيت الصنهاجي يأمُره بحضِّ الناس على الطاعة ولزوم الجماعة. ولما نهضوا من تانسيفت جعلوا طريقَهم على ثنية الكلاوي، ثم على درعة، ودخلوا القفرَ والفيافي فقطعوها في مائةِ مرحلة، ولم يَضِعْ لهم عِقالُ بعير ولا نقص منهم أحدٌ، فنزلوا على مدينة تنبكتو ثغر السودان، فأراحوا بها أيامًا، ثم صاروا قاصدين دار إسحاق سكية، ولما سمع بقدومهم احتشدت أمَمُ السودان وقبائلُها وقبائل الملثمين المهادنين لهم، وخرج من مدينة كاغو يجر الشوك والمدَرَ يقال: إنه جمع مائة ألف مقاتل وأربعة آلاف مقاتل. وقيل: لم يقنَعْ بالجيوش التي جمع حتى أضاف إليها أشياخَ السَّحَرة وأهلَ النَّفث في العُقَد وأرباب العزائم والسيمياء؛ ظنًّا منه أن ذلك يغنيه شيئًا وهيهات! ولما تقارب الجمعان عبَّأ الباشا جؤذر عساكِرَه وتقدَّم للحرب فدارت بهم عساكِرُ السودان من كل جهة، وعقلوا أرجلَهم مع الإبِلِ وصبروا مع الضحى إلى العصر، وكانت سلاحهم إنما هي الحرشان الصغار والرِّماح والسيوف، ولم تكن عندهم هذه المدافعُ، فلم تُغنِ حرشانُهم ورماحُهم مع البارود شيئًا، ولما كان آخرُ النهار هبَّت ريح النصر وانهزم السودان، فولَّوا الأدبار وحقَّ عليهم البوار وحكَمَت في رقابهم سيوفُ جؤذر وجندُه، حتى كان السودان ينادون: نحن مسلمون، نحن إخوانُكم في الدين، والسيوفُ عاملة فيهم وجُندُ جؤذر يقتلون ويَسلبون في كلِّ وجهٍ، وفرَّ إسحاق في شرذمة من قومِه ولم يدخل قلعةَ مُلكِه، وتقدم جؤذر فدخلها واحتوى على ما فيها من الأموالِ والمتاعِ، وكان ذلك في منتصف جمادى الأولى من هذه السنة.
العودة الى الفهرس