الثورة السورية الكبرى (ثورة 1925م) ضد الاحتلال الفرنسي .

تفاصيل الحدث :

في عام 1924 ألَّف الدكتور عبد الرحمن الشهبندر بدمشق حزبًا سياسيًّا سمَّاه حزب الشعب، وتولى رئاسته، وأطلق على نفسِه لقب الزعيم، وأخذ يعمَلُ في تنظيم العمل السياسي ويدعو إلى الوَحدة العربية، ويطالِبُ بإلغاء الانتداب، وإقامة جمهورية سورية في نطاق الاتحاد مع جميع البلدان العربية المستقِلَّة؛ ولتحقيق ذلك بدأ الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الاتصالَ بزعماء ووجهاء المدن السورية يحثُّهم على الثورة ضِدَّ الاستعمار الفرنسي ويشحَذُ هِمَمهم ويعزِّز شعورهم الوطني، ويطلب منهم بدء الكفاح المسلَّح لنيل الاستقلال، وتحقيق الحلم الوطني العربي بإقامة الجمهورية السورية العربية، وقد جاءت الثورةُ السورية الكبرى كرَدِّ فعلٍ على السياسات الدكتاتورية العسكرية التي اتبعَتْها السلطات الفرنسية الاستعمارية، والمتمثِّلة في تمزيق سوريا إلى عدَّة دويلات، وإلغاء الحريات، وملاحقة الوطنيين، وإثارة النزعات الطائفية، ومحاربة الثقافة والطابع العربي للبلاد، ومحاولة إحلال الثقافة الفرنسية، بالإضافة إلى رفضِ سُلُطات الانتداب عَقْدَ اتفاق مع القوى الوطنية السورية لوضع برنامج زمني لاستقلال سوريا، انطلقت ثورة سوريا الكبرى في 29 ذي الحجة الموافق 21 تموز / يوليو، وانضَمَّ تحت لوائها عددٌ من المجاهدين من مختَلِف مناطق سوريا ولبنان والأردن، ومنهم دروز الجبل، وقد شَهِدت سوريا خمسًا وثلاثين ثورة قبل الثورة الكبرى، وقُتِلَ في تلك الثورات ما يقرُبُ من خمسة آلاف جندي فرنسي، وكان الدروز غائبين تمامًا عن كل تلك الثورات 35 ثورة، وبعد وفاة سليم الأطرش حاكِمِ جبل الدروز وتعيين حاكم فرنسي بدلًا عنه ناقضين اتفاقَهم مع زعماء الجبل الذين نفاهم الجنرال سراي بعد ذلك، فتمرد الدروز ووقعت معركةُ المزرعة؛ مما اضطر سراي أن يدخُلَ في مفاوضات مع الدروز لوقف القتال وإطلاق سراح الزعماء، ثم اتصل أعضاءُ حزب الشعب بزعماء الدروز في الجبل وقرَّروا التعاونَ للدفاع عن استقلال البلاد، وحثَّ الدكتور عبد الرحمن الشهبندر زعيمَ الدروز الجديدَ سلطانَ الأطرش على التقدُّم نحو دمشق ضِدَّ السلطات الفرنسية، فاشتعلت المعارِكُ حول دمشق وغوطتها والجبل وقراه، فأرسلت فرنسا الجنرالَ جاملان وعيَّنوه قائدًا عامًّا لجيش الشرق، فزحف نحو الجبل ولم يستطِع احتلال عاصمة الجبل السوداء، ثم نشبت ثورة حماة في تشرين الأول 1925م وانتشرت إلى دمشق وعمَّت أنحاء سوريا، وقُصفت قوات فرنسا في دمشق بعد أن اتَّسع نطاق حرب العصابات، فأطلق الفرنسيون نيرانَ مدافِعِهم وقنابل طائراتِهم على دمشق وأسواقها وأحيائها أيامًا وشهورًا خلال الثورة، واشتركت في هذه الثورة جميعُ الطوائف بما فيهم البدوُ، إلَّا أنَّ بعضَ الطوائف لم تشترك بالثورة، مثل النصيريين وسكان سنجق إسكندرون، وأغلبهم نصيرية، وكانت القواتُ الفرنسية تستعين في إخماد الثورات على الأقليات الذين جنَّدَتْهم للثورة، كالأرمن وبعض الشراكسة وبعض البدو الذين كان لهم ثأرٌ مع الدروز، ولكِنْ في أواخر أيام الثورة انضمَّ الدروز إلى السلطات الفرنسية تحت لواء قيادتهم عبد الغفار الأطرش ومتعب الأطرش، وتطوعوا في الجيش الفرنسي وأجهزة الأمن الفرنسية، وقد كانوا قبل ذلك في اللجنة العليا للثورة السورية التي أعلن المجاهِدونَ حَلَّها بعد هذه الخيانة، وأمَّا عموم النصارى فكان غالِبُهم وقف موقف المتفَرِّج، غير الذين كانوا يعملون في أجهزة الأمنِ الفرنسي، وكان النصارى في دمشق يضعون على منازلهم أقمشةً بيضاء عليها صليبٌ أحمر لِيَعرِفَ الطيارون أنها بيوت للنصارى فلا يقصِفونها، وأما الغوطة فقد كانت ملجأً للمجاهدين، فقام الفرنسيون بإحراق معظَمِ بساتينها، وفرضت السلطاتُ الفرنسية غراماتٍ مالية على الأهالي فوق القَصفِ العشوائي الذي استنكرته القناصِلُ، وهاجر كثيرٌ من أهل دمشق إلى بيروت ومصر وغيرها، واستمر مسلسل العنف والدمار إلى أيار 1926م، ثم حدثت مفاوضاتٌ مع بعض المسؤولين السوريين بَقِيَت قرابة التسعة أشهر، لكِنْ دون نتيجة، فعادت سياسةُ العنف والقصف والنهب للأحياء كما كانت.

العودة الى الفهرس