الامتيازات الأجنبية في الحجاز بعد دخولها تحت حكم الملك عبدالعزيز .

تفاصيل الحدث :

بعد أن ضمَّ الملك عبدالعزيز الحجازَ عام 1344هـ رأى أنَّ من أولى الواجبات أن يعمَلَ على تأمين سلامة الحجاج، ويعيدَ ريعَ أوقاف الحرمين الموجودة في العالم الإسلامي، ويعمَلَ على تشغيل سكَّة حديد الحجاز، لكنه اصطدم بالامتيازاتِ التي يتمتَّعُ بها رعايا الدول الأوروبية، والتي حصلت عليه تلك الدولُ مِن خلال المعاهدات التي تمَّت بينها وبين الدولة العثمانية في جميعِ أراضي الدول العثمانية الواسعة، بحيث تُطَبِّقُ هذه الدول قوانينَها على مواطنيها في أراضي الدولة العثمانية، ولم يُستثْنَ الحجازُ في تلك المعاهدات على الرَّغمِ مِن خصوصيته؛ لوجود الحرمين والأماكن المقدسة، فكانت هذه المعاهداتُ تَكفُلُ للمواطن الأوروبي العادي من تلك الدولِ التمتُّعَ بامتيازاتٍ هي في الأساس تُمنَحُ للدبلوماسيين فحَسْبُ، في حين أنَّ السيادة الوطنية تتطلَّبُ خضوع الأجانب للقوانين والأنظمة السائدة في البلاد التي يقيم فيها؛ ولذلك وجدت قضيةُ الامتيازات الأجنبية في الحجاز طريقَها للعديد من القضايا المطروحة للتباحُثِ بين الطرفين الملك عبد العزيز وممثِّلي الحكومة البريطانية، وكان ممثِّلو بريطانيا قد عقدوا جلسةً في مارس 1926م أكَّدوا فيها ضرورة توطيد السلام في المنطقة، وحماية النفوذ البريطاني في سواحلها، وانتزاع اعتراف رسمي من عبد العزيز بمركز بريطانيا المتميِّز في فلسطين ومناطق الانتداب في العراق، وتأكيد التزام ابن سعود بعدمِ التدخُّل في شؤون مشيخات الخليج العربي، وأن يقَدِّمَ ضماناتٍ أكيدةً على حماية وحرية طرق الحج، وسلامة الرعايا المسلمين في أراضي الإمبراطورية البريطانية، والتعاون مع بريطانيا في محاربةِ تجارةِ الرقيق، والاعتراف من جانبه بنظام الامتيازات الأجنبية التي حصلت عليها بريطانيا من الدولة العثمانية، إلَّا أنَّ نقطة الامتيازات أثارت نقاشًا بين المسؤولين البريطانيين قبل أن يثيرها الملك عبدالعزيز معهم، فكان نائب الملك في الهند يحذِّرُ من التدخل في شؤون الأماكن المقدسة، وأن تتِمَّ المعاهدة مع ابن سعود من دونِ حاجةٍ لشروط تتعلَّقُ بالحجاز. ولَمَّا اتفقوا على التعَرُّف على موقف ابن سعود من هذه المسألة بإرسال جوردون وكيل القنصل البريطاني في جدة، ولَمَّا التقى به في وادي العقيق في خريف 1926م وعرض عليه مقترحاتِ الحكومة البريطانية الخاصة بالامتيازات الأجنبية في الحجاز رفَضَها ابنُ سعود وبشدَّةٍ، وأكَّدَ عليه أنَّ إدخال هذه القضية في المعاهدة المزمَع عَقدُها سوف يؤدِّي إلى إلحاق الضرر بالعلاقة بين البلدين، كما رفض ابنُ سعود فكرةَ تفضيل البريطانيين في الحجاز يقابِلُه تفضيل الرعايا السعوديين في بريطانيا، وأكد ابن سعود أنَّ المساواة أساسٌ بين المسلمين أثناء وجودِهم في أراضي الحجاز ونجد وما حولها, وبعد أن رفع جوردن تقريرَه عن المباحثات قرَّرت حكومته حذفَ الامتيازات من المعاهدة تمامًا، وفي فبراير 1927م تقرَّر استئنافُ المفاوضات مع الملك عبدالعزيز على أساس أنَّ بريطانيا حريصةٌ على إنجاحها والتوصُّل إلى إقامةِ علاقةٍ متينةٍ معه، وقدَّمت بعض التنازلات ضمانًا لنجاحها؛ إذ كانت قلقةً من الوجود السوفيتي في شبه الجزيرة العربية، ومِن القضايا التي تمَّ التباحثُ حولها رغبةُ بريطانيا في تسيير وإدامة المواصلات الجوية بينها وبين مملكة الحجاز ونجد؛ لأهمية ذلك في ترابُط أطراف الإمبراطورية البريطانية، وإقامة مركز وقود لتموين الطائرات في رأس السفانية، وتشييد محطتين للهبوط الاضطراري في الأحساءِ، إلا أن عبد العزيز اعترض على تشييد مطارات في تلك المنطقة تخصُّ الطيران البريطاني، كما هو الحال في صحراء العراق الجنوبية. وكان لهذه المباحثات بين الملك عبدالعزيز والبريطانيين أثرُها في صياغة معاهدة جُدة التي تم توقيعها بين الطرفين في ذي القعدة من هذا العام.

العودة الى الفهرس