مقتل أحمد بن نصر الخزاعي بسبب عدم قوله بخلق القرآن .

تفاصيل الحدث :

هو أبو عبدِ اللهِ أحمَدُ بنُ نصرِ بن مالك بن الهيثم الخُزاعي المروزي، ثم البغدادي، الإمامُ الكبيرُ الشَّهيدُ، ثِقةٌ فاضِلٌ، مِن كبارِ العُلَماء الآمِرينَ بالمعروفِ والنَّاهينَ عن المُنكَر. كان أحمَدُ بنُ نصرٍ يُخالِفُ مَن يقولُ: القُرآنُ مخلوقٌ، ويُطلِقُ لِسانَه فيه، مع غِلظةِ بالواثق، وكان يقولُ- إذا ذكَرَ الواثِقَ: فعَلَ هذا الخِنزيرُ، وقال هذا الكافِرُ، وفشا ذلك، فكان يغشاه رجلٌ يُعرَفُ بأبي هارونَ الشَّداخ وآخَرُ يقال له طالب، وغيرُهما، ودَعَوا الناسَ إليه، فبايعوه على الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكر، وفرَّقَ أبو هارون وطالِبٌ في الناسِ مالًا، فأعطيا كلَّ رجلٍ دينارًا، واتَّعَدوا ليلةَ الخميس لثلاثٍ خَلَت من شَعبانَ لِيَضرِبوا الطبلَ فيها ويثوروا على السُّلطانِ، فافتضحَ أمرُهم فأرسل الواثِقُ إلى أحمدَ بنِ نصرٍ، فأخَذَه وهو في الحمَّامِ، وحمل إليه، وفَتَّش بيته، فلم يوجَدْ فيه سلاحٌ، ولا شيءٌ من الآلاتِ، فسَيَّرَهم محمد بن إبراهيم إلى الواثِقِ مُقَيَّدينَ على أُكُفِ بِغالٍ ليس تحتَهم وِطاءٌ، إلى سامِرَّا وكان قد أعدَّ له مجلِسَ قضاءٍ، فقال الواثِقُ: ما تقولُ بالقرآنِ؟ قال: كلامُ اللهِ، فقال الواثِقٌ: أمخلوقٌ هو؟ قال: كلامُ الله. قال: فما تقولُ في ربِّك أَتَراه يومَ القيامة؟ قال: يا أميرَ المؤمنينَ، قد جاءت الأخبارُ عن رسولِ الله صلى اللهُ عليه وسلَّم، أنَّه قال: ((تَرَونَ ربَّكم يومَ القيامةِ كما تَرَون القمَرَ- قال- لا تُضامُونَ في رُؤيتِه)) فنحن على الخبَرِ، فقال الواثِقُ لِمَن حوله: ما تقولونَ فيه؟ فقال عبدُ الرحمن بن إسحاق- وكان قاضيًا على الجانبِ الغربيِّ- وعِزِّكَ يا أميرَ المؤمنينَ، هو حلالُ الدَّمِ، وقال بعضُ أصحابِ ابنِ أبي دؤاد: اسقِني دَمَه، وقال ابنُ أبي دؤاد: هو كافِرٌ يُستتابُ، لعلَّ به عاهةً ونقْصَ عَقلٍ، كأنَّه كَرِهَ أن يُقتَلَ بسَببِه، فقال الواثِقُ: إذا رأيتُموني قد قمتُ إليه، فلا يقومَنَّ أحَدٌ، فإنِّي أحتَسِبُ خطايَ إليه، ودعا بالصَّمصامة- سيفِ عمرِو بنِ مَعدِيَكرِب الزبيدي- ومشى إليه، وهو في وسط الدار على نِطعٍ، فضربه على حبلِ عاتِقِه، ثمَّ ضربَ سيما الدمشقيُّ رقبَتَه، وحزَّ رأسَه، وطعنه الواثِقُ بطَرفِ الصمصامة في بطنِه، وحُمِلَ رأسُه إلى بغداد فنُصِبَ بها وأقيمَ عليه الحرَسُ، وكتَبَ في أذُنِه رقعة: هذا رأسُ الكافرِ، المُشرِك الضالِّ، أحمد بن نصر؛ فلم يزَلْ مَصلوبًا ستَّ سنين، ثمَّ حُطَّ وجُمِعَ بين رأسِه وبدنِه، ودفن بالجانبِ الشَّرقيِّ مِن بغداد في عهد المتوكِّل، وتتبَّعَ الواثِقُ أصحابَ أحمدَ بنِ نصر، فجُعِلوا في الحُبُوس، فرحمةُ اللهِ على أحمدَ بنِ نَصرٍ، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ذكره الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل يومًا، فقال: "رَحِمَه اللهُ، ما كان أسخاه بنَفسِه لله! لقد جاد بنَفسِه له".

العودة الى الفهرس