تفسير البغوي
تفسير الآية رقم 77 من سورة الفرقان
( قل ما يعبأ بكم ربي ) قال مجاهد وابن زيد : أي : ما يصنع وما يفعل بكم . قال أبو عبيدة يقال : ما عبأت به شيئا أي : لم أعده ، فوجوده وعدمه سواء ، مجازه : أي وزن وأي مقدار لكم عنده ، ) ( لولا دعاؤكم ) إياه ، وقيل : لولا إيمانكم ، وقيل : لولا عبادتكم ، وقيل : لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام ، فإذا آمنتم ظهر لكم قدر . وقال قوم : معناها : قل ما يعبأ بخلقكم ربي لولا عبادتكم وطاعتكم إياه يعني إنه خلقكم لعبادته ، كما قال : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( الذاريات - 56 ) وهذا قول ابن عباس ومجاهد . وقال قوم : " قل ما يعبأ " ما يبالي بمغفرتكم ربي لولا دعاؤكم معه آلهة ، أو ما يفعل بعذابكم لولا شرككم ، كما قال الله تعالى : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ( النساء - 147 ) . وقيل : ما يعبأ بعذابكم لولا دعاؤكم إياه في الشدائد ، كما قال : فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله ( العنكبوت - 65 ) ، وقال : فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ( الأنعام - 42 ) . وقيل : " قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم " يقول : ما خلقتكم ولي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم .
) ( فقد كذبتم ) أيها الكافرون ، يخاطب أهل مكة ، يعني : إن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته فقد كذبتم الرسول ولم تجيبوه . ( فسوف يكون لزاما ) هذا تهديده لهم ، أي : يكون تكذيبكم لزاما ، قال ابن عباس : موتا . وقال أبو عبيدة : هلاكا وقال ابن زيد : قتالا . والمعنى : يكون التكذيب لازما لمن كذب ، فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله . وقال ابن جرير عذابا دائما لازما وهلاكا مقيما يلحق بعضكم ببعض . واختلفوا فيه ، فقال قوم : هو يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون . وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد ومقاتل ، يعني : أنهم قتلوا يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة لازما لهم . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عمر بن حفص بن غياث ، أخبرنا أبي ، أخبرنا الأعمش ، حدثنا مسلم ، عن مسروق قال : قال عبد الله : خمس قد مضين : الدخان ، والقمر ، والروم ، والبطشة ، واللزام " ( فسوف يكون لزاما ) وقيل : اللزام هو عذاب الآخرة .