تفسير البغوي
تفسير الآية رقم 23 من سورة النمل
فقال سليمان : وما ذاك ؟ قال : ( إني وجدت امرأة تملكهم ) وكان اسمها بلقيس بنت شراحيل ، من نسل يعرب بن قحطان ، وكان أبوها ملكا عظيم الشأن ، قد ولد له أربعون ملكا هو آخرهم ، وكان يملك أرض اليمن كلها ، وكان يقول لملوك الأطراف : ليس أحد منكم كفؤا لي ، وأبى أن يتزوج فيهم ، فزوجوه امرأة من الجن يقال لها ريحانة بنت السكن ، فولدت له بلقيس ، ولم يكن له ولد غيرها ، وجاء في الحديث : إن إحدى أبوي بلقيس كان جنيا . فلما مات أبو بلقيس طمعت في الملك فطلبت من قومها أن يبايعوها فأطاعها قوم وعصاها قوم آخرون ، فملكوا عليهم رجلا وافترقوا فرقتين ، كل فرقة استولت على طرف من أرض اليمن ، ثم إن الرجل الذي ملكوه أساء السيرة في أهل مملكته حتى كان يمد يده إلى حرم رعيته ويفجر بهن ، فأراد قومه خلعه فلم يقدروا عليه ، فلما رأت ذلك بلقيس أدركتها الغيرة فأرسلت إليه تعرض نفسها عليه ، فأجابها الملك ، وقال : ما منعني أن أبتدئك بالخطبة إلا اليأس منك ، فقالت لا أرغب عنك ، كفؤ كريم ، فاجمع رجال قومي واخطبني إليهم ، فجمعهم وخطبها إليهم ، فقالوا : لا نراها تفعل هذا ، فقال لهم : إنها ابتدأتني فأنا أحب أن تسمعوا قولها فجاؤوها ، فذكروا لها ، فقالت : نعم أحببت الولد . فزوجوها منه ، فلما زفت إليه خرجت في أناس كثير من حشمها ، فلما جاءته سقته الخمر حتى سكر ، ثم جزت رأسه وانصرفت من الليل إلى منزلها ، فلما أصبح الناس رأوا الملك قتيلا ورأسه منصوب على باب دارها ، فعلموا أن تلك المناكحة كانت مكرا وخديعة منها ، فاجتمعوا إليها وقالوا : أنت بهذا الملك أحق من غيرك ، فملكوها .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عثمان بن الهيثم ، أخبرنا عوف ، عن الحسن ، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال : لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " . قوله تعالى : ) ( وأوتيت من كل شيء ) يحتاج إليه الملوك من الآلة والعدة ) ( ولها عرش عظيم ) سرير ضخم كان مضروبا من الذهب مكللا بالدر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر ، وقوائمه من الياقوت والزمرد ، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق . قال ابن عباس : كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا : وطوله في السماء ثلاثون ذراعا . وقال مقاتل : كان طوله ثمانين ذراعا وطوله في السماء ثمانين ذراعا . وقيل : كان طوله ثمانين ذراعا وعرضه أربعين ذراعا وارتفاعه ثلاثين ذراعا .