تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 83 من سورة هود
وقوله : ( مسومة ) أي معلمة مختومة ، عليها أسماء أصحابها ، كل حجر مكتوب عليه اسم الذي ينزل عليه .
وقال قتادة وعكرمة : ( مسومة ) [ أي ] مطوقة ، بها نضح من حمرة .
وذكروا أنها نزلت على أهل البلد ، وعلى المتفرقين في القرى مما حولها ، فبينا أحدهم يكون عند الناس يتحدث ، إذ جاءه حجر من السماء فسقط عليه من بين الناس ، فدمره ، فتتبعهم الحجارة من سائر البلاد ، حتى أهلكتهم عن آخرهم فلم يبق منهم أحد .
وقال مجاهد : أخذ جبريل قوم لوط من سرحهم ودورهم ، حملهم بمواشيهم وأمتعتهم ، ورفعهم حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم أكفأهم [ وقال ] وكان حملهم على خوافي جناحه الأيمن . قال : ولما قلبها كان أول ما سقط منها شذانها .
وقال قتادة : بلغنا أن جبريل أخذ بعروة القرية الوسطى ، ثم ألوى بها إلى جو السماء ، حتى سمع أهل السماء ضواغي كلابهم ، ثم دمر بعضها على بعض ، ثم أتبع شذاذ القوم سخرا - قال : وذكر لنا أنهم كانوا أربع قرى ، في كل قرية مائة ألف - وفي رواية : [ كانوا ] ثلاث قرى ، الكبرى منها سدوم . قال : وبلغنا أن إبراهيم - عليه السلام - كان يشرف على سدوم ، ويقول : سدوم ، يوم ، ما لك ؟ .
وفي رواية عن قتادة وغيره : بلغنا أن جبريل عليه السلام ، لما أصبح نشر جناحه ، فانتسف به أرضهم بما فيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها ، وجميع ما فيها ، فضمها في جناحه ، فحواها وطواها في جوف جناحه ، ثم صعد بها إلى السماء الدنيا ، حتى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب ، وكانوا أربعة آلاف ألف ، ثم قلبها ، فأرسلها إلى الأرض منكوسة ، ودمدم بعضها على بعض ، فجعل عاليها سافلها ، ثم أتبعها حجارة من سجيل .
وقال محمد بن كعب القرظي : كانت قرى قوم لوط خمس قريات : " سدوم " ، وهي العظمى ، و " صعبة " و " صعوة " و " عثرة " و " دوما " ، احتملها جبريل بجناحه ، ثم صعد بها ، حتى إن أهل السماء الدنيا ليسمعون نابحة كلابها ، وأصوات دجاجها ، ثم كفأها على وجهها ، ثم أتبعها الله بالحجارة ، يقول الله تعالى : ( جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) فأهلكها الله وما حولها من المؤتفكات .
وقال السدي : لما أصبح قوم لوط ، نزل جبريل فاقتلع الأرض من سبع أرضين ، فحملها حتى بلغ بها السماء ، حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح كلابهم ، وأصوات ديوكهم ، ثم قلبها فقتلهم ، فذلك قوله ( والمؤتفكة أهوى ) [ النجم : 53 ] ، ومن لم يمت حين سقط للأرض ، أمطر الله عليه وهو تحت الأرض الحجارة ، ومن كان منهم شاذا في الأرض يتبعهم في القرى ، فكان الرجل يتحدث فيأتيه الحجر فيقتله ، فذلك قوله عز وجل : ( وأمطرنا عليهم ) أي : في القرى حجارة من سجيل . هكذا قال السدي .
وقوله : ( وما هي من الظالمين ببعيد ) أي : وما هذه النقمة ممن تشبه بهم في ظلمهم ، ببعيد عنه .
وقد ورد في الحديث المروي في السنن عن ابن عباس مرفوعا " من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط ، فاقتلوا الفاعل والمفعول به " .
وذهب الإمام الشافعي في قول عنه وجماعة من العلماء إلى أن اللائط يقتل ، سواء كان محصنا أو غير محصن ، عملا بهذا الحديث .
وذهب الإمام أبو حنيفة [ رحمه الله إلى ] أنه يلقى من شاهق ، ويتبع بالحجارة ، كما فعل الله بقوم لوط ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .