تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 100 من سورة يوسف
وقوله : ( ورفع أبويه على العرش ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغير واحد : يعني السرير ، أي : أجلسهما معه على سريره .
( وخروا له سجدا ) أي : سجد له أبواه وإخوته الباقون ، وكانوا أحد عشر رجلا ( وقال ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل ) أي : التي كان قصها على أبيه ( إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) [ يوسف : 4 ]
وقد كان هذا سائغا في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له ، ولم يزل هذا جائزا من لدن آدم إلى شريعة عيسى - عليه السلام - فحرم هذا في هذه الملة ، وجعل السجود مختصا بجناب الرب سبحانه وتعالى .
هذا مضمون قول قتادة وغيره .
وفي الحديث أن معاذا قدم الشام ، فوجدهم يسجدون لأساقفتهم ، فلما رجع سجد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " ما هذا يا معاذ ؟ " فقال : إني رأيتهم يسجدون لأساقفتهم ، وأنت أحق أن يسجد لك يا رسول الله . فقال : " لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد ، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها "
وفي حديث آخر : أن سلمان لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض طرق المدينة ، وكان سلمان حديث عهد بالإسلام ، فسجد للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " لا تسجد لي يا سلمان ، واسجد للحي الذي لا يموت " .
والغرض أن هذا كان جائزا في شريعتهم; ولهذا خروا له سجدا ، فعندها قال يوسف : ( ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ) أي : هذا ما آل إليه الأمر ، فإن التأويل يطلق على ما يصير إليه الأمر ، كما قال تعالى : ( هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله ) [ الأعراف : 53 ] أي : يوم القيامة يأتيهم ما وعدوا من خير وشر .
وقوله : ( قد جعلها ربي حقا ) أي : صحيحة صدقا ، يذكر نعم الله عليه ( وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ) أي : البادية .
قال ابن جريج وغيره : كانوا أهل بادية وماشية . وقال : كانوا يسكنون بالعربات من أرض فلسطين ، من غور الشام . قال : وبعض يقول : كانوا بالأولاج من ناحية شعب أسفل من حسمى ، وكانوا أصحاب بادية وشاء وإبل .
( من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ) [ ثم قال ] ( إن ربي لطيف لما يشاء ) أي : إذا أراد أمرا قيض له أسبابا ويسره وقدره ، ( إنه هو العليم ) بمصالح عباده ) الحكيم ) في أفعاله وأقواله ، وقضائه وقدره ، وما يختاره ويريده .
قال أبو عثمان النهدي ، عن سليمان كان بين رؤيا يوسف وتأويلها أربعون سنة .
قال عبد الله بن شداد : وإليها ينتهي أقصى الرؤيا . رواه ابن جرير .
وقال أيضا : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا هشام ، عن الحسن قال : كان منذ فارق يوسف يعقوب إلى أن التقيا ، ثمانون سنة ، لم يفارق فيها الحزن قلبه ، ودموعه تجري على خديه ، وما على وجه الأرض عبد أحب إلى الله من يعقوب .
وقال هشيم ، عن يونس ، عن الحسن : ثلاث وثمانون سنة .
وقال مبارك بن فضالة ، عن الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، فغاب عن أبيه ثمانين سنة ، وعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ، فمات وله عشرون ومائة سنة .
وقال قتادة : كان بينهما خمس وثلاثون سنة .
وقال محمد بن إسحاق : ذكر - والله أعلم - أن غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة ، قال : وأهل الكتاب يزعمون أنها كانت أربعين سنة أو نحوها ، وأن يعقوب - عليه السلام - بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة ، ثم قبضه الله إليه .
وقال أبو إسحاق السبيعي ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود قال : دخل بنو إسرائيل مصر ، وهم ثلاثة وستون إنسانا ، وخرجوا منها وهم ستمائة ألف وسبعون ألفا .
وقال أبو إسحاق ، عن مسروق : دخلوا وهم ثلاثمائة وتسعون من بين رجل وامرأة . والله أعلم .
وقال موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن شداد : اجتمع آل يعقوب إلى يوسف بمصر . وهم ستة وثمانون إنسانا ، صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، وخرجوا منها وهم ستمائة ألف ونيف .