تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 159 من سورة البقرة
هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة والهدى النافع للقلوب ، من بعد ما بينه الله تعالى لعباده في كتبه ، التي أنزلها على رسله .
قال أبو العالية : نزلت في أهل الكتاب ، كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أخبر أنهم يلعنهم كل شيء على صنيعهم ذلك ، فكما أن العالم يستغفر له كل شيء ، حتى الحوت في الماء والطير في الهواء ، فهؤلاء بخلاف العلماء [ الذين يكتمون ] فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون . وقد ورد في الحديث المسند من طرق يشد بعضها بعضا ، عن أبي هريرة ، وغيره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سئل عن علم فكتمه ، ألجم يوم القيامة بلجام من نار " . والذي في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال : لولا آية في كتاب الله ما حدثت أحدا شيئا : ( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى ) الآية .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا عمار بن محمد ، عن ليث بن أبي سليم ،
عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان أبي عمر عن البراء بن عازب ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فقال : " إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه ، فيسمع كل دابة غير الثقلين ، فتلعنه كل دابة سمعت صوته ، فذلك قول الله تعالى : ( أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) يعني : دواب الأرض " .
[ ورواه ابن ماجه عن محمد بن الصباح عن عمار بن محمد به ] .
وقال عطاء بن أبي رباح : كل دابة والجن والإنس . وقال مجاهد : إذا أجدبت الأرض قالت البهائم : هذا من أجل عصاة بني آدم ، لعن الله عصاة بني آدم .
وقال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ( ويلعنهم اللاعنون ) يعني تلعنهم ملائكة الله ، والمؤمنون .
[ وقد جاء في الحديث ، أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحيتان ، وجاء في هذه الآية : أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون ، واللاعنون أيضا ، وهم كل فصيح وأعجمي إما بلسان المقال ، أو الحال ، أو لو كان له عقل ، أو يوم القيامة ، والله أعلم ] .