تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 203 من سورة البقرة
قال ابن عباس : " الأيام المعدودات " أيام التشريق ، و " الأيام المعلومات " أيام العشر . وقال عكرمة : ( واذكروا الله في أيام معدودات ) يعني : التكبير أيام التشريق بعد الصلوات المكتوبات : الله أكبر ، الله أكبر .
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا موسى بن علي ، عن أبيه ، قال : سمعت عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب " .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا هشيم ، أخبرنا خالد ، عن أبي المليح ، عن نبيشة الهذلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله " . رواه مسلم أيضا وتقدم حديث جبير بن مطعم : " عرفة كلها موقف ، وأيام التشريق كلها ذبح " . وتقدم [ أيضا ] حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي " وأيام منى ثلاثة ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخر فلا إثم عليه " .
وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب بن إبراهيم وخلاد بن أسلم ، قالا حدثنا هشيم ، عن عمرو بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أيام التشريق أيام طعم وذكر " .
وحدثنا خلاد بن أسلم ، حدثنا روح ، حدثنا صالح ، حدثني ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف في منى : " لا تصوموا هذه الأيام ، فإنها أيام أكل وشرب ، وذكر الله ، عز وجل " .
وحدثنا يعقوب ، حدثنا هشيم ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة ، فنادى في أيام التشريق فقال : " إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله ، إلا من كان عليه صوم من هدي " .
زيادة حسنة ولكن مرسلة . وبه قال هشيم ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عمرو بن دينار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بشر بن سحيم ، فنادى في أيام التشريق فقال : " إن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله " .
وقال هشيم ، عن ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، عن عائشة قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق ، قال : " هي أيام أكل وشرب وذكر الله " .
وقال محمد بن إسحاق ، عن حكيم بن حكيم ، عن مسعود بن الحاكم الزرقي ، عن أمه قالت : لكأني أنظر إلى علي على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، حتى وقف على شعب الأنصار وهو يقول : " يا أيها الناس ، إنها ليست بأيام صيام ، إنما هي أيام أكل وشرب وذكر " .
وقال مقسم عن ابن عباس : الأيام المعدودات : أيام التشريق ، أربعة أيام : يوم النحر ، وثلاثة [ أيام ] بعده ، وروي عن ابن عمر ، وابن الزبير ، وأبي موسى ، وعطاء ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وأبي مالك ، وإبراهيم النخعي ، [ ويحيى بن أبي كثير ] والحسن ، وقتادة ، والسدي ، والزهري ، والربيع بن أنس ، والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، وعطاء الخراساني ، ومالك بن أنس ، وغيرهم مثل ذلك .
وقال علي بن أبي طالب : هي ثلاثة ، يوم النحر ويومان بعده ، اذبح في أيهن شئت ، وأفضلها أولها .
والقول الأول هو المشهور وعليه دل ظاهر الآية الكريمة ، حيث قال : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه ) فدل على ثلاثة بعد النحر .
ويتعلق بقوله : ( واذكروا الله في أيام معدودات ( ذكر الله على الأضاحي ، وقد تقدم ، وأن الراجح في ذلك مذهب الشافعي ، رحمه الله ، وهو أن وقت الأضحية من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق . ويتعلق به أيضا الذكر المؤقت خلف الصلوات ، والمطلق في سائر الأحوال . وفي وقته أقوال للعلماء ، وأشهرها الذي عليه العمل أنه من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، وهو آخر النفر الآخر . وقد جاء فيه حديث رواه الدارقطني ، ولكن لا يصح مرفوعا والله أعلم . وقد ثبت أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كان يكبر في قبته ، فيكبر أهل السوق بتكبيره ، حتى ترتج منى تكبيرا .
ويتعلق بذلك أيضا التكبير وذكر الله عند رمي الجمرات كل يوم من أيام التشريق . وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره : " إنما جعل الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار ، لإقامة ذكر الله عز وجل " .
ولما ذكر الله تعالى النفر الأول والثاني ، وهو تفرق الناس من موسم الحج إلى سائر الأقاليم والآفاق بعد اجتماعهم في المشاعر والمواقف ، قال : ( واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون ) [ أي : تجتمعون يوم القيامة ] ، كما قال : ( وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ) [ المؤمنون : 79 ] .