تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 208 من سورة البقرة
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين به المصدقين برسوله : أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك .
قال العوفي ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وطاوس ، والضحاك ، وعكرمة ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد ، في قوله : ( ادخلوا في السلم ) يعني : الإسلام .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس : ( ادخلوا في السلم ) يعني : الطاعة . وقال قتادة أيضا : الموادعة .
وقوله : ( كافة ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وعكرمة ، والربيع ، والسدي ، ومقاتل بن حيان ، وقتادة والضحاك : جميعا ، وقال مجاهد : أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر .
وزعم عكرمة أنها نزلت في نفر ممن أسلم من اليهود وغيرهم ، كعبد الله بن سلام ، وثعلبة وأسد بن عبيد وطائفة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يسبتوا ، وأن يقوموا بالتوراة ليلا . فأمرهم الله بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عما عداها . وفي ذكر عبد الله بن سلام مع هؤلاء نظر ، إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت ، وهو مع تمام إيمانه يتحقق نسخه ورفعه وبطلانه ، والتعويض عنه بأعياد الإسلام .
ومن المفسرين من يجعل قوله : ( كافة ) حالا من الداخلين ، أي : ادخلوا في الإسلام كلكم . والصحيح الأول ، وهو أنهم أمروا [ كلهم ] أن يعملوا بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام ، وهي كثيرة جدا ما استطاعوا منها . وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا علي بن الحسين ، أخبرنا أحمد بن الصباح ، أخبرني الهيثم بن يمان ، حدثنا إسماعيل بن زكريا ، حدثني محمد بن عون ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) كذا قرأها بالنصب يعني مؤمني أهل الكتاب ، فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم ، فقال الله : ( ادخلوا في السلم كافة ) يقول : ادخلوا في شرائع دين محمد صلى الله عليه وسلم ولا تدعوا منها شيئا وحسبكم بالإيمان بالتوراة وما فيها .
وقوله : ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) أي : اعملوا الطاعات ، واجتنبوا ما يأمركم به الشيطان ف ( إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) [ البقرة : 169 ] ، و ( إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] ; ولهذا قال : ( إنه لكم عدو مبين ( قال مطرف : أغش عباد الله لعبيد الله الشيطان .