تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 32 من سورة الحج
يقول تعالى : هذا ( ومن يعظم شعائر الله ) أي : أوامره ، ( فإنها من تقوى القلوب ) ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن ، كما قال الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : تعظيمها : استسمانها واستحسانها .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا حفص بن غياث ، عن ابن أبي ليلى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : ( ذلك ومن يعظم شعائر الله ) قال : الاستسمان والاستحسان والاستعظام .
وقال أبو أمامة بن سهل : كنا نسمن الأضحية بالمدينة ، وكان المسلمون يسمنون . رواه البخاري .
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين " . رواه أحمد ، وابن ماجه .
قالوا : والعفراء هي البيضاء بياضا ليس بناصع ، فالبيضاء أفضل من غيرها ، وغيرها يجزئ أيضا; لما ثبت في صحيح البخاري ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين .
وعن أبي سعيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ، وينظر في سواد ، ويمشي في سواد
رواه أهل السنن ، وصححه الترمذي ، أي : بكبش أسود في هذه الأماكن .
وفي سنن ابن ماجه ، عن أبي رافع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين . قيل : هما الخصيان . وقيل : اللذان رض خصياهما ، ولم يقطعهما ، والله أعلم .
وكذا روى أبو داود وابن ماجه عن جابر : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين موجوءين [ والموجوءين قيل : هما الخصيان ] .
وعن علي رضي الله عنه ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن ، وألا نضحي بمقابلة ، ولا مدابرة ، ولا شرقاء ، ولا خرقاء
رواه أحمد ، وأهل السنن ، وصححه الترمذي .
ولهم عنه ، قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضحي بأعضب القرن والأذن .
وقال سعيد بن المسيب : العضب : النصف فأكثر .
وقال بعض أهل اللغة : إن كسر قرنها الأعلى فهي قصماء ، فأما العضب فهو كسر الأسفل ، وعضب الأذن قطع بعضها .
وعند الشافعي أن التضحية بذلك مجزئة ، لكن تكره .
وقال [ الإمام ] أحمد : لا تجزئ الأضحية بأعضب القرن والأذن; لهذا الحديث .
وقال مالك : إن كان الدم يسيل من القرن لم يجزئ ، وإلا أجزأ ، والله أعلم .
وأما المقابلة : فهي التي قطع مقدم أذنها ، والمدابرة : من مؤخر أذنها . والشرقاء : هي التي قطعت أذنها طولا قاله الشافعي . والخرقاء : هي التي خرقت السمة أذنها خرقا مدورا ، والله أعلم .
وعن البراء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع لا تجوز في الأضاحي : العوراء البين عورها ، والمريضة البين مرضها ، والعرجاء البين ظلعها ، والكسيرة التي لا تنقى " .
رواه أحمد ، وأهل السنن ، وصححه الترمذي .
وهذه العيوب تنقص اللحم ، لضعفها وعجزها عن استكمال الرعي; لأن الشاء يسبقونها إلى المرعى ، فلهذا لا تجزئ التضحية بها عند الشافعي وغيره من الأئمة ، كما هو ظاهر الحديث .
واختلف قول الشافعي في المريضة مرضا يسيرا ، على قولين .
وروى أبو داود ، عن عتبة بن عبد السلمي; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المصفرة ، والمستأصلة ، والبخقاء ، والمشيعة ، والكسراء .
فالمصفرة قيل : الهزيلة . وقيل : المستأصلة الأذن . والمستأصلة : المكسورة القرن . والبخقاء : هي العوراء . والمشيعة : هي التي لا تزال تشيع خلف الغنم ، ولا تتبع لضعفها . والكسراء : العرجاء .
فهذه العيوب كلها مانعة [ من الإجزاء ، فإن طرأ العيب ] بعد تعيين الأضحية فإنه لا يضر عيبه عند الشافعي خلافا لأبي حنيفة .
وقد روى الإمام أحمد ، عن أبي سعيد قال : اشتريت كبشا أضحي به ، فعدا الذئب فأخذ الألية . فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " ضح به " ولهذا [ جاء ] في الحديث : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن . أي : أن تكون الهدية أو الأضحية سمينة حسنة ثمينة ، كما رواه الإمام أحمد وأبو داود ، عن عبد الله بن عمر قال : أهدى عمر نجيبا ، فأعطي بها ثلاثمائة دينار ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني أهديت نجيبا ، فأعطيت بها ثلاثمائة دينار ، أفأبيعها وأشتري بثمنها بدنا ؟ قال : " لا انحرها إياها " .
وقال الضحاك ، عن ابن عباس : البدن من شعائر الله .
وقال محمد بن أبي موسى : الوقوف ومزدلفة والجمار والرمي والبدن والحلق : من شعائر الله .
وقال ابن عمر : أعظم الشعائر البيت .