تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 139 من سورة الشعراء
قال الله تعالى : ( فكذبوه فأهلكناهم ) أي : فاستمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده ، فأهلكهم الله ، وقد بين سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحا صرصرا عاتية ، أي : ريحا شديدة الهبوب ذات برد شديد جدا ، فكان إهلاكهم من جنسهم ، فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره ، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة ، كما قال : ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ) [ ذات العماد ] ) [ الفجر : 6 ، 7 ] وهم عاد الأولى ، كما قال : ( وأنه أهلك عادا الأولى ) [ النجم : 50 ] ، وهم من نسل إرم بن سام بن نوح . ( ذات العماد ) أي : الذين كانوا يسكنون العمد . ومن زعم أن " إرم " مدينة ، فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب ، وليس لذلك أصل أصيل . ولهذا قال : ( التي لم يخلق مثلها في البلاد ) [ الفجر : 8 ] ، أي : لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم ، ولو كان المراد بذلك مدينة لقال : التي لم يبن مثلها في البلاد ، وقال : ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ) [ فصلت : 15 ] .
وقد قدمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إلا بمقدار أنف الثور ، عتت على الخزنة ، فأذن الله لها في ذلك ، وسلكت وحصبت بلادهم ، فحصبت كل شيء لهم ، كما قال تعالى : ( تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) الآية [ الأحقاف : 25 ] ، وقال تعالى : ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) [ الحاقة : 6 ، 7 ] ، أي : كاملة ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) [ الحاقة : 7 ] ، أي : بقوا أبدانا بلا رؤوس ; وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء ، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخ دماغه ، وتكسر رأسه ، وتلقيه ، كأنهم أعجاز نخل منقعر . وقد كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات ، وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم ، فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئا ، ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر ) [ نوح : 4 ] ; ولهذا قال : ( فكذبوه فأهلكناهم إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين )