تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 34 من سورة سبأ
يقول تعالى مسليا لنبيه ، وآمرا له بالتأسي بمن قبله من الرسل ، ومخبره بأنه ما بعث نبيا في قرية إلا كذبه مترفوها ، واتبعه ضعفاؤهم ، كما قال قوم نوح : ( أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ) [ الشعراء : 111 ] ، ( وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي ) [ هود : 27 ] ، وقال الكبراء من قوم صالح : ( للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون ) [ الأعراف : 75 ، 76 ] وقال تعالى : ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ) [ الأنعام : 53 ] ؟ وقال : ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها ) [ الأنعام : 122 ] وقال : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول ) [ الإسراء : 16 ] . وقال هاهنا : ( وما أرسلنا في قرية من نذير ) أي : نبي أو رسول ( إلا قال مترفوها ) ، وهم أولو النعمة والحشمة والثروة والرياسة .
قال قتادة : هم جبابرتهم وقادتهم ورءوسهم في الشر . ( إنا بما أرسلتم به كافرون ) أي : لا نؤمن به ولا نتبعه .
قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا هارون بن إسحاق ، حدثنا محمد بن عبد الوهاب عن سفيان عن عاصم ، عن أبي رزين قال : كان رجلان شريكان خرج أحدهما إلى الساحل وبقي الآخر ، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله : ما فعل ؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش ، إنما اتبعه أراذل الناس ومساكينهم . قال : فترك تجارته ثم أتى صاحبه فقال : دلني عليه - قال : وكان يقرأ الكتب ، أو بعض الكتب - قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إلام تدعو ؟ قال : " إلى كذا وكذا " . قال : أشهد أنك رسول الله . قال : " وما علمك بذلك ؟ " قال : إنه لم يبعث نبي إلا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم . قال : فنزلت هذه الآية : ( وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون ) ] الآيات ] ، قال : فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أنزل تصديق ما قلت " .
وهكذا قال هرقل لأبي سفيان حين سأله عن تلك المسائل ، قال فيها : وسألتك : أضعفاء الناس اتبعه أم أشرافهم فزعمت : بل ضعفاؤهم ، وهم أتباع الرسل .