تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 3 من سورة ص
ثم خوفهم ما أهلك به الأمم المكذبة قبلهم بسبب مخالفتهم للرسل وتكذيبهم الكتب المنزلة من السماء فقال : ( كم أهلكنا من قبلهم من قرن ) أي : من أمة مكذبة ، ( فنادوا ) أي : حين جاءهم العذاب استغاثوا وجأروا إلى الله . وليس ذلك بمجد عنهم شيئا . كما قال تعالى : ( فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون ) ] الأنبياء : 12 [ أي : يهربون ، ( لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون ) ] الأنبياء : 13 [
قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن التميمي قال : سألت ابن عباس عن قول الله : ( فنادوا ولات حين مناص ) قال : ليس بحين نداء ، ولا نزو ولا فرار
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ليس بحين مغاث .
وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس : نادوا النداء حين لا ينفعهم وأنشد :
تذكر ليلى لات حين تذكر
.
وقال محمد بن كعب في قوله : ( فنادوا ولات حين مناص ) يقول : نادوا بالتوحيد حين تولت الدنيا عنهم ، واستناصوا للتوبة حين تولت الدنيا عنهم .
وقال قتادة : لما رأوا العذاب أرادوا التوبة في غير حين النداء .
وقال مجاهد : ( فنادوا ولات حين مناص ) ليس بحين فرار ولا إجابة .
وقد روي نحو هذا عن عكرمة ، وسعيد بن جبير وأبي مالك والضحاك وزيد بن أسلم والحسن وقتادة .
وعن مالك ، عن زيد بن أسلم : ( ولات حين مناص ) ولا نداء في غير حين النداء .
وهذه الكلمة وهي " لات " هي " لا " التي للنفي ، زيدت معها " التاء " كما تزاد في " ثم " فيقولون : " ثمت " ، و " رب " فيقولون : " ربت " . وهي مفصولة والوقف عليها . ومنهم من حكى عن المصحف الإمام فيما ذكره [ ابن جرير ] أنها متصلة بحين : " ولا تحين مناص " . والمشهور الأول . ثم قرأ الجمهور بنصب " حين " تقديره : وليس الحين حين مناص . ومنهم من جوز النصب بها ، وأنشد :
تذكر حب ليلى لات حينا وأضحى الشيب قد قطع القرينا
ومنهم من جوز الجر بها ، وأنشد :
طلبوا صلحنا ولات أوان فأجبنا أن ليس حين بقاء
وأنشد بعضهم أيضا :
ولات ساعة مندم
بخفض الساعة ، وأهل اللغة يقولون : النوص : التأخر ، والبوص : التقدم . ولهذا قال تعالى : ( ولات حين مناص ) أي : ليس الحين حين فرار ولا ذهاب .