تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 161 من سورة الأنعام
يقول الله تعالى آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين أن يخبر بما أنعم الله به عليه من الهداية إلى صراطه المستقيم ، الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف : ( دينا قيما ) أي : قائما ثابتا ، ( ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) كقوله ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) [ البقرة : 130 ] ، وقوله ( وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم ) [ الحج : 78 ] ، وقوله : ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ) [ النحل : 120 123 ] .
وليس يلزم من كونه عليه السلام أمر باتباع ملة إبراهيم الحنيفية أن يكون إبراهيم أكمل منه فيها; لأنه عليه السلام قام بها قياما عظيما ، وأكملت له إكمالا تاما لم يسبقه أحد إلى هذا الكمال; ولهذا كان خاتم الأنبياء ، وسيد ولد آدم على الإطلاق ، وصاحب المقام المحمود الذي يرهب إليه الخلق حتى إبراهيم الخليل ، عليه السلام .
وقد قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن عبد الله بن حفص ، حدثنا أحمد بن عصام ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، حدثنا شعبة ، أنبأنا سلمة بن كهيل ، سمعت ذر بن عبد الله الهمداني ، يحدث عن ابن أبزى ، عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال : " أصبحنا على ملة الإسلام ، وكلمة الإخلاص ، ودين نبينا محمد ، وملة أبينا إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأديان أحب إلى الله؟ قال : " الحنيفية السمحة " .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذقني على منكبه ، لأنظر إلى زفن الحبشة ، حتى كنت التي مللت فانصرفت عنه .
قال عبد الرحمن ، عن أبيه قال : قال لي عروة : إن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ : " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة ، إني أرسلت بحنيفية سمحة .
أصل الحديث مخرج في الصحيحين ، والزيادة لها شواهد من طرق عدة ، وقد استقصيت طرقها في شرح البخاري ، ولله الحمد والمنة .