تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 102 من سورة الأعراف
( وما وجدنا لأكثرهم ) أي : لأكثر الأمم الماضية ( من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ) أي : ولقد وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة والامتثال . والعهد الذي أخذه عليهم هو ما جبلهم عليه وفطرهم عليه ، وأخذ عليهم في الأصلاب أنه ربهم ومليكهم ، وأنه لا إله إلا هو ، فأقروا بذلك ، وشهدوا على أنفسهم به ، فخالفوه وتركوه وراء ظهورهم ، وعبدوا مع الله غيره بلا دليل ولا حجة ، لا من عقل ولا شرع ، وفي الفطر السليمة خلاف ذلك ، وجاءت الرسل الكرام من أولهم إلى آخرهم بالنهي عن ذلك ، كما جاء في صحيح مسلم يقول الله تعالى : " إني خلقت عبادي حنفاء ، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم " . وفي الصحيحين : " كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " الحديث . وقال تعالى في كتابه العزيز : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] وقال تعالى : ( واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) [ الزخرف : 45 ] وقال تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ) [ النحل : 36 ] إلى غير ذلك من الآيات .
وقد قيل في تفسير قوله تعالى : ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ) ما روى أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب في قوله : ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ) قال : كان في علمه تعالى يوم أقروا له بالميثاق ، أي : فما كانوا ليؤمنوا لعلم الله منهم ذلك ، وكذا قال الربيع بن أنس ، واختاره ابن جرير .
وقال السدي : ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ) قال : ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرها .
وقال مجاهد في قوله : ( فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل ) هذا كقوله : ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون ) [ الأنعام : 28 ]