تفسير ابن كثير

تفسير الآية رقم 30 من سورة الفجر

( وادخلي جنتي ) وهذا يقال لها عند الاحتضار ، وفي يوم القيامة أيضا ، كما أن الملائكة يبشرون المؤمن عند احتضاره وعند قيامه من قبره ، وكذلك هاهنا .
ثم اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية ، فروى الضحاك ، عن ابن عباس : نزلت في عثمان بن عفان . وعن بريدة بن الحصيب : نزلت في حمزة بن عبد المطلب ، رضي الله عنه .
وقال العوفي ، عن ابن عباس : يقال للأرواح المطمئنة يوم القيامة : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك ) يعني : صاحبك ، وهو بدنها الذي كانت تعمره في الدنيا ، ( راضية مرضية )
وروي عنه أنه كان يقرؤها : " فادخلي في عبدي وادخلي جنتي " . وكذا قال عكرمة والكلبي ، واختاره ابن جرير ، وهو غريب ، والظاهر الأول ; لقوله : ( ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ) [ الأنعام : 62 ] ( وأن مردنا إلى الله ) [ غافر : 43 ] أي : إلى حكمه والوقوف بين يديه .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدشتكي ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) قال : نزلت وأبو بكر جالس ، فقال : يا رسول الله ، ما أحسن هذا . فقال : " أما إنه سيقال لك هذا " .
ثم قال : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن سعيد بن جبير قال : قرأت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية ) فقال أبو بكر ، رضي الله عنه : إن هذا حسن . فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أما إن الملك سيقول لك هذا عند الموت " .
وكذا رواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن ابن يمان ، به . وهذا مرسل حسن .
ثم قال ابن أبي حاتم : وحدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا مروان بن شجاع الجزري ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير قال : مات ابن عباس بالطائف ، فجاء طير لم ير على خلقه فدخل نعشه ، ثم لم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر ، ما يدرى من تلاها : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) .
رواه الطبراني عن عبد الله بن أحمد عن أبيه ، عن مروان بن شجاع ، عن سالم بن عجلان الأفطس ، به فذكره .
وقد ذكر الحافظ محمد بن المنذر الهروي - المعروف بشكر - في كتاب " العجائب " بسنده عن قباث بن رزين أبي هاشم قال : أسرت في بلاد الروم ، فجمعنا الملك وعرض علينا دينه ، على أن من امتنع ضربت عنقه . فارتد ثلاثة ، وجاء الرابع فامتنع ، فضربت عنقه ، وألقي رأسه في نهر هناك ، فرسب في الماء ثم طفا على وجه الماء ، ونظر إلى أولئك الثلاثة فقال : يا فلان ، ويا فلان ، ويا فلان - يناديهم بأسمائهم - قال الله تعالى في كتابه : ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) ثم غاص في الماء ، [ قال ] فكادت النصارى أن يسلموا ، ووقع سرير الملك ، ورجع أولئك الثلاثة إلى الإسلام . قال : وجاء الفداء من عند الخليفة أبي جعفر المنصور فخلصنا .
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة رواحة بنت أبي عمرو الأوزاعي ، عن أبيها : حدثني سليمان بن حبيب المحاربي ، حدثني أبو أمامة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل : " قل اللهم ، إني أسألك نفسا بك مطمئنة ، تؤمن بلقائك ، وترضى بقضائك ، وتقنع بعطائك "
ثم روى عن أبي سليمان بن زبر أنه قال : حديث رواحة هذا واحد أمه .
آخر تفسير سورة " الفجر " ولله الحمد [ والمنة ] .