تفسير ابن كثير

تفسير الآية رقم 28 من سورة التوبة

أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين دينا وذاتا بنفي المشركين الذين هم نجس دينا ، عن المسجد الحرام ، وألا يقربوه بعد نزول هذه الآية . وكان نزولها في سنة تسع ؛ ولهذا بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا صحبة أبي بكر - رضي الله عنهما - عامئذ ، وأمره أن ينادي في المشركين : ألا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان . فأتم الله ذلك ، وحكم به شرعا وقدرا .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) إلا أن يكون عبدا ، أو أحدا من أهل الذمة .
وقد روي مرفوعا من وجه آخر ، فقال الإمام أحمد : حدثنا حسين حدثنا شريك ، عن الأشعث - يعني : ابن سوار - عن الحسن ، عن جابر قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يدخل مسجدنا بعد عامنا هذا مشرك ، إلا أهل العهد وخدمهم .
تفرد به أحمد مرفوعا ، والموقوف أصح إسنادا .
وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي : كتب عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - : أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين ، وأتبع نهيه قول الله : ( إنما المشركون نجس )
وقال عطاء : الحرم كله مسجد ، لقوله تعالى : ( فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) .
ودلت هذه الآية الكريمة على نجاسة المشرك كما دلت [ على طهارة المؤمن ، ولما ] ورد في [ الحديث ] الصحيح : المؤمن لا ينجس وأما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات ؛ لأن الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب ، وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم .
وقال أشعث ، عن الحسن : من صافحهم فليتوضأ . رواه ابن جرير .
وقوله : ( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ) قال ابن إسحاق : وذلك أن الناس قالوا : لتنقطعن عنا الأسواق ، ولتهلكن التجارة وليذهبن ما كنا نصيب فيها من المرافق ، فنزلت ( وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ) من وجه غير ذلك - ( إن شاء ) إلى قوله : ( وهم صاغرون ) أي : إن هذا عوض ما تخوفتم من قطع تلك الأسواق ، فعوضهم الله بما قطع عنهم من أمر الشرك ، ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب ، من الجزية .
وهكذا روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وقتادة والضحاك ، وغيرهم .
( إن الله عليم ) أي : بما يصلحكم ، ( حكيم ) أي : فيما يأمر به وينهى عنه ؛ لأنه الكامل في أفعاله وأقواله ، العادل في خلقه وأمره ، تبارك وتعالى ؛ ولهذا عوضهم عن تلك المكاسب بأموال الجزية التي يأخذونها من أهل الذمة