تفسير القرطبي

تفسير الآية رقم 5 من سورة الكافرون

ولا أنتم عابدون ما أعبد على التكرير في اللفظ دون المعنى ، من قبل أن التقابل يوجب أن يكون : ولا أنتم عابدون ما عبدت ، فعدل عن لفظ عبدت إلى أعبد ، إشعارا بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل ، مع أن الماضي والمستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر . وأكثر ما يأتي ذلك في أخبار الله - عز وجل - .
وقال : ما أعبد ، ولم يقل : من أعبد ؛ ليقابل به ولا أنا عابد ما عبدتم وهي أصنام وأوثان ، ولا يصلح فيها إلا ما دون من فحمل الأول على الثاني ، ليتقابل الكلام ولا يتنافى . وقد جاءت ما لمن يعقل . ومنه قولهم : سبحان ما سخركن لنا . وقيل : إن معنى الآيات وتقديرها : قل يأيها الكافرون لا أعبد الأصنام التي تعبدونها ، ولا أنتم عابدون الله - عز وجل - الذي أعبده ؛ لإشراككم به ، واتخاذكم الأصنام ، فإن زعمتم أنكم تعبدونه ، فأنتم كاذبون ؛ لأنكم تعبدونه مشركين . فأنا لا أعبد ما عبدتم ، أي مثل عبادتكم ؛ فما مصدرية . وكذلك ولا أنتم عابدون ما أعبد مصدرية أيضا ؛ معناه ولا أنتم عابدون مثل عبادتي ، التي هي توحيد .