تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 1 من سورة هود
سورة هود عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر . وقال ابن عباس وقتادة : إلا آية ; وهي قوله تعالى : وأقم الصلاة طرفي النهار وأسند أبو محمد الدارمي في مسنده عن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقرءوا سورة هود يوم الجمعة . وروى الترمذي عن ابن عباس قال : قال أبو بكر - رضي الله عنه - : يا رسول الله قد شبت ! قال : شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت . قال : هذا حديث حسن غريب ، وقد روي شيء من هذا مرسلا .
وأخرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله في " نوادر الأصول " . حدثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا محمد بن بشر عن علي بن صالح عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة قال : قالوا يا رسول الله نراك قد شبت ! قال : شيبتني هود وأخواتها . قال أبو عبد الله : فالفزع يورث الشيب وذلك أن الفزع يذهل النفس فينشف رطوبة الجسد ، وتحت كل شعرة منبع ، ومنه يعرق ، فإذا انتشف الفزع رطوبته يبست المنابع فيبس الشعر وابيض ; كما ترى الزرع الأخضر بسقائه ، فإذا ذهب سقاؤه يبس فابيض ; وإنما يبيض شعر الشيخ لذهاب رطوبته ويبس جلده ، فالنفس تذهل بوعيد الله ، وأهوال ما جاء به الخبر عن الله ، فتذبل ، وينشف ماءها ذلك الوعيد والهول الذي جاء به ; فمنه تشيب . وقال الله تعالى : يوما يجعل الولدان شيبا فإنما شابوا من الفزع .
وأما سورة " هود " فلما ذكر الأمم ، وما حل بهم من عاجل بأس الله تعالى ، فأهل اليقين إذا تلوها تراءى على قلوبهم من ملكه وسلطانه ولحظاته البطش بأعدائه ، فلو ماتوا من الفزع لحق لهم ; ولكن الله تبارك وتعالى اسمه يلطف بهم في تلك الأحايين حتى يقرءوا كلامه . وأما أخواتها فما أشبهها من السور ; مثل " الحاقة " و " سأل سائل " و " إذا الشمس كورت " و " القارعة " ففي تلاوة هذه السور ما يكشف لقلوب العارفين سلطانه وبطشه فتذهل منه النفوس ، وتشيب منه الرءوس . [ قلت ] وقد قيل : إن الذي شيب النبي - صلى الله عليه وسلم - من سورة هود قوله : فاستقم كما أمرت على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . وقال يزيد بن أبان : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منامي فقرأت عليه سورة هود فلما ختمتها قال : يا يزيد هذه القراءة فأين البكاء . قال علماؤنا : قال أبو جعفر النحاس : يقال هذه هود فاعلم بغير تنوين على أنه اسم للسورة ; لأنك لو سميت امرأة بزيد . لم تصرف ; وهذا قول الخليل وسيبويه . وعيسى بن عمر يقول : هذه هود بالتنوين على أنه اسم للسورة ; وكذا إن سمى امرأة بزيد ; لأنه لما سكن وسطه خف فصرف ، فإن أردت الحذف صرفت على قول الجميع ، فقلت : هذه هود وأنت تريد سورة هود ; قال سيبويه : والدليل على هذا أنك تقول هذه الرحمن ، فلولا أنك تريد هذه سورة الرحمن ما قلت هذه .
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله : الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير
قوله تعالى : الر تقدم القول فيه . كتاب بمعنى هذا كتاب .
أحكمت آياته في موضع رفع نعت ل " كتاب " . وأحسن ما قيل في معنى أحكمت آياته قول قتادة أي جعلت محكمة كلها لا خلل فيها ولا باطل . والإحكام منع القول من الفساد ، أي نظمت نظما محكما لا يلحقها تناقض ولا خلل . وقال ابن عباس : أي لم ينسخها كتاب ، بخلاف التوراة والإنجيل . وعلى هذا فالمعنى : أحكم بعض آياته بأن جعل ناسخا غير منسوخ . وقد تقدم القول فيه . وقد يقع اسم الجنس على النوع ; فيقال : أكلت طعام زيد ; أي بعض طعامه . وقال الحسن وأبو العالية : أحكمت آياته بالأمر والنهي .
ثم فصلت بالوعد والوعيد والثواب والعقاب . وقال قتادة : أحكمها الله من الباطل ، ثم فصلها بالحلال والحرام . مجاهد : أحكمت جملة ، ثم بينت بذكر آية آية بجميع ما يحتاج إليه من الدليل على التوحيد والنبوة والبعث وغيرها . وقيل : جمعت في اللوح المحفوظ ، ثم فصلت في التنزيل . وقيل : فصلت أنزلت نجما نجما لتتدبر . وقرأ عكرمة " فصلت " مخففا أي حكمت بالحق .
من لدن أي من عند .
حكيم أي محكم للأمور .
خبير بكل كائن وغير كائن .